هل نجحت روسيا في خلق أزمة سياسية في واشنطن؟
على مدار الاسبوعين الاخيرين شهدت العاصمة الأكثر اهتماما في العالم أحداثا سياسية متلاحقة بدءا من الامر التنفيذي بمنع المهاجرين من دول إسلامية واستمرار الجدل المتنامي حول ما اصبح يسمى في واشنطن ب Russiagate.
بالامس يطلب الرئيس الامريكي من الكونجرس فتح تحقيق بخصوص فيما اذا كانت ادارة سلفه اوباما قد اساءت استخدام سلطاتها التنفيذيه الخاصة بالتحقيق، ويرد متحدثون باسم الرئيس السابق بالنفي ويؤكد ترامب وكبار مساعديه بان ادارة اوباما يمكن ان تكون قد اساءت استخدام سلطاتها التحقيقية بالتجسس على كبار مساعدي ترامب، قبلها كان اكبر مسؤول عدلي في امريكا يحيد نفسه عن اي تحقيق يخص العلاقات الغامضة بين ترامب ومساعديه وروسيا اثناء حملته الانتخابية وهو امر كان ترامب قبل ساعات يعلن انه غير ممكن ولا يراه ضروريا وبحسب مصادر إعلامية أمريكية فان ترامب قد غضب غضبا شديدا بعد علمه بان المدعي العام جيف سيشنز قد حيد نفسه فعلا عن اي تحقيقات تخص العلاقات بين حملة ترامب وروسيا، قبلها كان مستشاره للامن القومي يستقيل إبان فضيحة مناقشته رفع العقوبات عن روسيا وتضليله لنائب الرئيس الامريكي مايك بينس حول طبيعة النقاشات بينه وبين سيرجي كيسلاك سفير روسيا، ثم تطفو على السطح مزيد من المعلومات بعضها تثبت صحته عن لقاءات لمساعدي ترامب بمسؤولين روس عشية الانتخابات وبعضها لم يتوفر عليه اي دليل وآخرها اتهامات ترامب لاوباما بانه اصدر أوامر بالتجسس عليه وعلى مكالماته الهاتفية.
بالامس يطلب مدير مكتب التحقيقات الفدرالي من وزارة العدل رفض ونفي تصريحات ترامب وتكتفي وزارة العدل بالصمت على التصريحات الخطيرة وغير المسبوقة لترامب والتي اتهم فيها اوباما بالتجسس على هواتفه في برج ترامب، وتستمر وسائل اعلام كبرى كال سي ان ان و MSNBC وغيرها في اتهام ترامب بعدم إعطاء اي دليل يثبت مزاعمه وهو ما قد يهدد مصداقية الرئيس الامريكي الداخلية والخارجية أيضا خصوصا بعد إعلانه عن توجهات جديدة في طريقة تعامل امريكا مع المنظمات الدولية كالأمم المتحدة وعلاقات امريكا بحلفاء تقليديين كاليابان وكوريا الجنوبية واوكرانيا وجورجيا والسعودية، الامر الذي بدا بحسب خبراء برسم ملامح قلق لدى المؤسسات الدستورية والاجهزة الاستخباراتية الامريكية، ولعل طلب مكتب التحقيقات من وزارة العدل برفض مزاعم ترامب يشكل علامة على انزعاج المؤسسات القوية في واشنطن من سلوك ترامب.
وقد نشرت سي ان ان مقطع فيديو بالامس يظهر فيه أعضاء من فريق ترامب نهاية الأسبوع الماضي في احد غرف البيت الأبيض ويدور على ما يبدو فيما بينهم نقاش حاد في الوقت الذي نشرت فيه نيويورك تايمز تقريرا من مصادر لم تسمها بان ترامب أمضى عطلة نهاية الأسبوع غاضبا جدا من بعض أعضاء فريقه وهو الامر الذي دفعه لاشعال عاصفة على تويتر اتهم فيها سلفه اوباما بانه رجل مريض وسيء. هذا السلوك وصفه محللون بغير المسبوق خصوصا فيما يتعلق باتهامات خطيرة من رئيس حالي لرئيس سابق ووصفه بالمريض والسيء.
إحاطة ترامب نفسه باشخاص كستيف بانون والمعروف بانه من ابرز زعماء اليمين المتطرف في امريكا بدا ينذر بأمر اخر مقلق في واشنطن وهو النزعة المتطرفة لبعض البيض ضد كل الأعراق الاخرى ومنها المسلمين واليهود، حيث زادت حوادث التهديد ضد اليهود والاعتداءات المستمرة على مقابر خاصة بهم وزادت نسبة جرائم الكراهية في الفترة الأخيرة ضد مواطنين من أصول غير بيضاء، وهو الامر الذي بدا يطفو على السطح في واشنطن ويدق نواقيس الخطر بوجود حركة عنصرية متطرفة قد تهدد فعلا النسيج الامريكي المتنوع والذي طالما اعتبره المحللون سر تفوق الولايات المتحدة.
المراقبون في واشنطن يَرَوْن ان ادعاءات ترامب قد تكون استراتيجية اقترحها فريقه لتشتيت الانتباه عن ما يجري من تحقيقات تخص علاقاته ببوتين وعلاقات كبار مساعديه وحملته الانتخابية بما كان يجري اثناء الانتخابات الفائتة من محاولات روسية للتدخل في الانتخابات وزعزعة الاستقرار السياسي في الولايات المتحدة، والبعض الاخر يرى ان سلوك ترامب ما هو الا سلوك غير منضبط يدل على عدم درايته السياسية وعلى عدم القدرة على التفريق بين ادارة شركة وإدارة اكبر واقوى دولة في العالم.
تنقسم وسائل الاعلام الامريكية بين من يواصل في التشكيك في أهلية ترامب وقدرته على ادارة الدولة وعلاقاته غير المفهومة بروسيا وإخفاء مساعديه لقاءاتهم مع السفير الروسي وعدم اطلاعهم الكونجرس على طبيعة هذه اللقاءات، ومن يحاول اتهام خصومه السياسيين كالديمقراطيين بمحاولة وقف الزخم الذي جاء من خلاله الى البيت الأبيض بعد ان استغل شعارات اعجب بها المنزعجون من مؤسسة الحكم السياسية في دي سي.
أيا كانت خفايا اللقاءات بين مساعدي ترامب وروسيا وايا كانت اجندة الاعلام الامريكي الذي لم يهدأ يوما في محاولات تسليط الضوء على سلوك ترامب غير التقليدي فان الغليان في واشنطن قد يؤشر الى ممارسات ومناكفات ومماحكات سياسية خطيرة لم تشهدها أميركا من قبل، وقد يقول قائل ان روسيا نجحت فعلا في خلق أزمة سياسية حادة قد تزيد وتعمق الانقسام الامريكي الداخلي بين معسكري ترامب والديمقراطيين.