بالتفاصيل .. سيناريوهات سياسية وعسكرية للأزمة السورية عقب الضربة الأمريكية
في اللحظة التي انطلقت فيها صواريخ توما هوك الاميركية ال 59 لتضرب قاعدة الشعيرات الجوية في سوريا ردا على الضربة الكيماوية على خان شيخون في ادلب انطلقت معها حقبة اميركية جديدة عنوانها عودة اميركية قوية الى الملف السوري ومنها الى الساحتين الاقليمية والدولية اذ كانت الرسائل عابرة للقارات اذ انهت الضربة ارث الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما الذي ترك الفراغ كاملا لسده في الملف السوري على وجه الخصوص للروس وحلفائهم النظام السوري وايران.
الخطوط الجديدة التي رسمتها الضربة الاميركية بالنسبة للملف السوري جاءت شاملة لكافة معطيات المشهد على الساحة السورية سواء الميدانية او السياسية او في الابعاد الاستراتجية، وحتى هدوء ارتدادات الضربة الميدانية وردود الافعال عليها، فان المشهد على الملف السوري بالتاكيد سيكون مختلفا بشكل جذري في مساراته كافة واذ قيض لمساري جنيف السياسي واستانا المتعلق بوفق اطلاق النار الانطلاق من جديد فان الانطلاقة هذه المرة في الجولة السادسة لجنيف والرابعة لاستانا ستكون وفق المعطيات الجديدة مختلفة شكلا ومضمونا اذ لم تعد اليد العليا لموسكو على هذه المسارات.
بالحد الادنى سياخذ هذا المسار اذا عاد الاميركون والروس الى مقاربات تعاون جديدة حيال الملف السوري بعد كل التسخين الجاري والتوتر في العلاقات، فان مثل هذا التعاون او الافتراق سيكون في محطة اختبار اولى وهامة خلال الزيارة المقررة لوزير الخارجية الاميركي ريكس ترلسون الى موسكو اليوم وغدا، اذ يذهب المسؤول الاميركي في زيارته الاولى لموسكو محملا باصول القوة الاميركية التي عادت بقوة الى الاقليم والساحة الدولية في حين ابدت موسكو رغم غضبها الذي اعلنته لحدوث الضربة الاميركية–بان موسكو–ستحرص على التعاون مع واشنطن في الشان السوري حتى في اصعب اللحظات التي تمر بها العلاقات بين البلدين.
عودة صيغة «الرعاية الاميركية الروسية « للملف السوري عقب الضربة الاميركية، التي تردد صداها بقوة عبر العالم من دمشق الى طهران حتى كوريا الشمالية، وعواصم الاقليم اللاعبة لادوار مهمة في الازمة السورية، عودة هذه الصيغة، اذا ما كان لهذا السيناريو افاق واقعية، ستعيد ايضا تموضع القوى والتحالفات الاقليمية والدولية خلف الراعين الرئيسيين في هذه المسألة اذ ان الضربة التي كان عنوانها انهاء حقبة اوباما بالتخلي عن الحلفاء وترك الفراغ كاملا في المشهد السوري اذ تاكد بعد الضربة الكيماوية الاولى في العام 2013 وتجاهل الرئيس اوباما انذاك الخط الاحمر الذي رسمه في مسالة استخدام السلاح الكيماوي والذي جاء بعده في العام 2015 التدخل الروسي كصاحب اليد الطولى في الملف معززا مواقف حلفائه النظام وطهران والذي ادى ايضا الى عودة حلب الى سيطرة النظام وحلفائه.
هذا الموقف الذي ساد بعد حلب حاولت موسكو والحلفاء في سوريا استخدامه بسقوف اعلى لتحقيق استراتجيتها، وعلى راسها الغاء رحيل راس النظام في سوريا عن الاجندة، وتعزيز رواية موسكو واستراتجيتها انها تحارب الارهاب، ومحاولة تخفيض سقوف المعارضة المعتدلة الى حد العودة الى صيغة المشاركة في حكومة وطنية ضمن النظام القائم بدلا من مرحلة الانتقال السياسي التي تؤسس لنظام سياسي جديد وفق القرار 2254 الخاص بخارطة الطريق الدولية للحل في سوريا.
الواقع الاستراتيجي الذي خلفه انسحاب الرئيس اوباما من الملف السوري بعدالعام 2013 ، افضى الى اضعاف موقف حلفاء واشنطن ازاء الملف السوري وجعل انقره تعيد التموضع في ادارة الملف بالاقتراب من الرؤية الروسية، ما انتج معادلة وقف اطلاق النار القائم لكنه مخترق مرارا، ما ادى ايضا الى دخول طهران مع موسكو وانقره كدول ضامنة لوقف اطلاق النار ضمن مسار استانا للفصائل المسحلة–والنظام الى ان وقعت مجزرة الكيماوي في خان شيخون وادت الى الضربة الاميركية التي كانت بوابة العبور الاميركي مجددا بكل قوة الى الملف السوري والساحة الدولية وهو ما اعاد خلط اوراق المشهد بشكل كلي على مسارات الازمة بانتظار اي مقاربة يمكن ان يتم الاتفاق عليها بين واشنطن وموسكو اعتبارا من لقاءات اليوم لوزير الخارجية الاميركي الى موسكو.
وهل ستنجح اي مقاربة اميركية روسية جديدة في وضع اطار للتعاون في حرب الارهاب على الساحة السورية خصوصا في معركة الرقة القادمة؟ اذ ان واشنطن قبل الهجوم الكيماوي على خان شيخون كانت تنظر الى الازمة السورية من زاوية دحر داعش الارهابي، حتى انها صرحت بان بقاء النظام هو شان الشعب السوري، واليوم بعد توجيه الضربة الاميركية الصاروخية فان واشنطن تعلن انها ستوازي بين الحرب على الارهاب ووضع النظام السياسي باتجاهات انه لا يمكن حل الازمة بوجوده وبالحد الادنى ان تكون بوابة دحر الارهاب ليست نهاية المطاف بل منطلقا للمرحلة التالية ازاء الحل السياسي والذي تريد واشنطن في هذه الحالة تشكيل حالة اجماع دولي من الحلفاء الاقليميين والدوليين للضغط بقوة على موسكو ازاء الحل السياسي وفق رؤية مختلفة.
والسؤال الذي ينتظر اجابته العالم وكافة اللاعبين في المشهد السوري، اي مقاربة اميركية روسية ستكون بشان الازمة السورية ؟ وهل سيكون عنوان الازمة السورية مزيد من الاستعصاء خصوصا ان طهران لا تناسبها استراجيات الهدوء والحل في سوريا لاعتقادها ان ستكون الهدف التالي في العاصفة الاميركية التي اثبت الرئيس الاميركي دونالد ترمب انها لن يتردد من اطلاقها في اي مكان في العالم واذ كان لم يتحمل ضربة كيماوية في مكان محدد فهل يمكن ان يتحمل ويقبل برنامج نووي لايران يرى ان صفقته التي ابرمها الرئيس السابق اوباما مع طهران هي اسوأ صفقة في التاريخ بل وفيها كل التهديد للامن القومي الاميركي.
وفي الاثناء فان كل المؤشرات تقول ان موسكو التي تعي تماما قيود القوة السياسية والعسكرية الجبارة للولايات المتحدة العسكرية والسياسية في حال تفعيلها وقد تم ذلك بالضربة الصاروخية الاخيرة على مطار الشعيرات في ظل وجودها الكامل على الارض السورية تعي ايضا قدرة الولايات المتحدة على بناء التحالفات الواسعة والامكانات الاقتصادية بلا حدود لواشنطن وحلفائها وايضا سرعة وفعالية الانتشار العسكري قرب اي بقعة توتر في العالم، لن تتجاهل كل تلك العوامل مثلما ان واشنطن ليست بوارد مواجهة شاملة مع موسكو بل ان الرئيس ترمب لدية صفقة شاملة في نهاية المطاق على ما يبدو لما يقع في صلب الاهتمام الروسي خصوصا في القرم باوكرانيا والحفاظ على مصالح روسيا حتى في سوريا والمنطقة مع بقاء الساحة الشرق اوسطية مكان نفوذ اميركي استراتجية ضمن مناطق الاهتمام الاميركي الاستراتيجية القصوى ايضا مثل شبة الجزيرة الكورية في هذه المرحلة.