الأردن يراقب "استانا" بتحفّز ولا يردّ على اتهامات دمشق وانتظار لبدء العمل على المنطقة العازلة

هوا الأردن -
تتجاهل عمان العاصمة تماما الاتهام السوري القديم المتجدد المتعلق بدعم الاردن للارهاب في الجنوب السوري، لصالح الدخول بهدوء لمفاوضات استانا التي بدأت الثلاثاء في العاصمة الكزاخية، والمشاركة في ترتيبات الحسم لملف درعا الجنوبية ولو جزئياً.
دمشق وعلى لسان وزير خارجيتها وليد المعلم قررت ان تستبق المفاوضات بأربعٍ وعشرين ساعة لتشكو العاصمة الأردنية وبجرأة للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الدولي، باعتبارها مساهمة في دعم "الهجمات الارهابية التي تشهدها محافظة درعا” الجنوبية.
عمان تنظر الى الاتهام من زاويتين: الاولى، انه "معلّب تماما”، ما يقدّر في سياقه نظير المعلم الاردني وزير الخارجية الذكي أيمن الصفدي وصديقه وزير الاعلام الدكتور محمد المومني ان المصلحة الاردنية تقتضي الصمت من باب "التجاهل الذي يفضي للتقليل من شأن الاتهام” وهي استراتيجية اردنية دبلوماسية مُريحة ينظّر لها المومني منذ استلامه موقعه ليغدو اليوم وزير الاعلام الاطول عمرا في موقعه في المملكة الاردنية الرابعة.
الزاوية الثانية تراها عمان باعتبارها "مشاغبة” دمشقية على الاردن في موضوع درعا يسببه "فقدان النظام السوري للسيطرة على المحافظة الجنوبية”، وهو امر لو لم تتحدث به عمان، إلا ان مراكز صناعة القرار فيها تنظر اليه باعتباره نتيجة لما "اوكتاه يدا النظام” ذاته، وهو يترك الجنوب تماما للجماعات المسلحة لتتعامل معها السلطات الاردنية، تحت الشعار القديم الذي طرحه الرئيس السوري بشار الاسد "درعا مشكلة اردنية”، وهو ما رفضته عمان بكل تفاصيله منذ طرحه.
المشاغبة المذكورة قد تنطوي بدرجة اقل على نوع من انواع "طلب المعونة” الاردنية عمليا، وهو ما لا تريد عمان الالتفات اليه خصوصا في الجانب العسكري، ويرفض قائد الجيش وقبله الملك عبد الله الثاني النظر اليه باعتباره احتمالا مطروحا الا في حالة تهديد الحدود الاردني، وهو ما تقوم بحلّه الفرق المتخصصة مباشرة وعلى شكل عمليات متفرقة- ان اقتضت الحاجة- كما فهمت "رأي اليوم” من مصادرها العسكرية.
بالنسبة للاردن، فعينه مباشرة على هدوء درعا ولكن بصيغة دولية متفق عليها، وهنا لا تبحث عمان فقط عما بحثه مؤخرا جنرالات امريكيين وروس في العاصمة الاردنية، على أساس تحويل درعا لمنطقة منخفضة التوتر بصورة أساسية، وانما تتطلع لما هو ابعد، حيث تنتظر القرار من اجتماعات استانا الاخيرة بفتح مركز مراقبة خفض التصعيد من الاراضي الاردنية، وهو ما بدأت تسربه الوفود المشاركة في استانا فعلا.
ونقلت وسائل اعلام روسية عن مصادر مشاركة في مفاوضات أستانا عن فتح مركزين لمراقبة خفض التصعيد، أحدهما سيعمل في الأردن، والآخر مناصفة بين تركيا وسوريا، موضحة أنه تم الاتفاق على أن يتبادل مركزا المراقبة المعلومات، وسحب القوات في حال تواصل إطلاق النار.
بالنسبة لعمان فهذا انجاز اهم بكثير من الرد على التصريحات والاتهامات السورية، إذ يعني ذلك ان تتحول الاردن لمركز المعلومات الاساسي في الشأن السوري خصوصا مع وجود مراكز للتنسيق مع الجوانب الامريكية والروسية والبريطانية وغالبا مع الالمان ايضا الى جانب التنسيق مع السعودية والامارات ايضا، كما ان لعمان العلاقات الجيدة المعروفة مع العشائر في درعا ومع المعارضة المعتدلة.
ما سبق يعني طبعا بالنسبة للمعادلة الاردنية تدويلا أكبر للازمة في الجنوب السوري وبالتالي أمنا اكبر للحدود الاردنية، وانحسار التهديد في محاولات التسلل الفردية التي تحبط منها عمان السواد الاعظم- وفق مصادر "رأي اليوم” العسكرية- كل يوم، وليس في هجمات "خطرة” كالتي خشيها الاردن في الفترة الماضية بصورة اكبر.
إلى جانب مراقبة "خفض التصعيد” تنتظر العاصمة الاردنية بدء العمل الفعلي على انشاء المنطقة العازلة المفترضة قرب الحدود الاردنية ما سيزيد ايضا من الوسادة الامنية المطلوبة للحدود، وبالتالي سيسهل على عمان حماية نفسها على الاقل من التهديدات الواضحة والظاهرة التي يمكن ان تتعرض لها الحدود.
طبعا لا تتوقف التهديدات بالنسبة للاردن على الهجمات على الحدود، فعقل عمان اليوم منشغل بالتهديدات الجديدة والمختلفة التي قد يفرضها "ذوبان” تنظيم الدولة وعودة المتشددين من كل من سوريا والعراق مع زيادة وتيرة المعارك في الجنوب السوري من جهة والغرب العراقي من جهة ثانية.
وهنا تنشط خلايا تفكير كثيرة لبحث كيفية التصدي لمثل هذا التحدي. عمان في مثل هذه الحالة تراقب متحفّزة ما قد يجري في الجانبين، وعينها بصورة اوسع وادق على مفاوضات استانا والوقائع على الارض شمال الحدود الاردنية.
بكل الاحوال، تتزايد الضغوط والفرص معا بالنسبة للاردن، وهو امر لا تزال فيه عمان الدبلوماسية تتسم في الحكمة ولا تعادي احدا، طالما تضمن القوات الامريكية مسافة امان للارهاب ومعه الايرانيين وكتائب حزب الله عن حدودها، في الاخيرتين حصرا تعمل العلاقات الاردنية الروسية جيدا وتتفاعل.