الأردن يضمن حصته في ترتيبات سوريا الفيدرالية والتوتر ينخفض في درعا
هوا الأردن -
الإشارة التي تقدم بها المبعوث الدولي ستيفان ديميستورا بخصوص الحدود الأردنية السورية تعتبر القرينة الأكبر على البعد الإقليمي والدولي في ترتيبات محور درعا التي أعلن عنها في إطار ثلاثي قبل ثلاثة أيام بين عمان وواشنطن وموسكو. وخلال الساعات الـ48 التي أعقبت إعلان الاتفاق على برنامج محدد لـ»تخفيض التوتر» راقب ديميستورا الوضع ميدانياً.
التقارير الأولية والأردنية حصرياً تتحدث عن التزام بنسبة كبيرة من جانب النظام السوري بخفض التوتر ووقف محاولات الزحف العسكري إلى بلدات وقرى في وسط مدينة درعا وريفها وفي منطقة الركبان الصحراوية بالقرب من حدود بادية الشمال الأردنية.
يعني بروز هذا الالتزام الذي أرغمت عليه الفصائل المعارضة المسلحة من قبل الأردن والإدارة الأمريكية بأن الجانب الروسي يحاول إظهار القدرة على ضبط إيقاع النظام السوري ومعاونيه من الميليشيات الإيرانية التي اشترط الأردن لتطبيق خفض التوتر إبعادها لمسافة لا تقل عن 70 كيلومترا بعيدًا عن أول نقاط الحدود الأردنية. وبرزت في الأثناء ملاحظتان في غاية الأهمية فالنظام السوري حاول استغلال الاتفاق الدولي والإقليمي لخفض التوتر في محور درعا متجهاً للتصعيد وبثقل عسكري كبير في منطقة السويداء رافعاً شعار ملاحقة الإرهاب المتمثل ببقايا تنظيم «الدولة» (داعش).
بمعنى آخر حصلت قوات النظام السوري على استراحة بترتيب دولي في درعا التي اخفقت في اقتحامها بسبب المقاومة العنيفة لمجموعات الأهالي مع الإدراك المسبق بأن النظام لو استعاد درعا لتوسع في الانتقام من أهاليها وعشائرها.
هذا تماماً ما أرادته عمان التي أصبحت لاعباً أساسياً عندما يتعلق الأمر بمحور درعا والجنوب السوري وهو ما أشار إليه مرات عدة وزير الداخلية الأسبق مازن القاضي الذي درج على القول بأن ترتيب أوراق جنوب سوريا يمر عبر بوابة شمالي الأردن.
الهدوء النسبي على جبهة درعا يسمح بالانتقال وفورًا إلى مستوى الاشتباك السياسي تمهيداً لإنجاح سيناريو «درعا منطقة منخفضة التوتر» ولاحقاً تأتي بتقدير المفكر السياسي عدنان أبو عوده حلقة العصف الذهني المعنية باستحقاق التدخل برافعة إقليمية ودولية للنظام الفيدرالي في جنوب سوريا.
ويرى أبو عودة، بأن المجتمع الدولي لا يتخيل عودة سوريا إلى وضعها السابق، مشيراً إلى أنه حتى أوروبا تدرك بأن الإطار الفيدرالي قد يكون الاتجاه اليتيم لتغيير شكل الصراع في هذا البلد.
الأردن بدوره يعرف ذلك ويعمل على أساسه ومن المرجح أنه سيستغل بدوره تخفيض التوتر في درعا وجنوب سوريا حتى يعمل على التفرغ لشمالي البلاد حيث الخطر «الداعشي» والإرهابي الأهم وسط تقديرات بأن منطقة مثلث التنف التي حسم الصراع فيها كانت منطقة تخطيط لتنظيم «داعش» حتى يتواصل جغرافيا مع البادية الشمالية في الأردن.
وهو وضع أصبح بحكم المستحيل اليوم وبترتيب روسي إيراني أيضاً لأن الوضع الأمني لدير الزور تم اشراك إيران بكل ترتيباته وبإقرار أمريكي في الوقت الذي بدأت فيها إدارة الرئيس دونالد ترامب تبدل وتغير في لغتها مع النظام السوري.
ووفقا لمصادر تواصل مسؤولون في الإدارة الأمريكية مع إدارة النظام السوري وطلبوا منه إقصاء النفوذ الإيراني مقابل التخلص من برنامج إسقاط النظام وقد ظهرت ملامح هذا التواصل في اللغة الجديدة للبيت الأبيض وفي نمو النغمة التي تقول إن «إسقاط الرئيس بشار الأسد» لم يعد متطلباً إجبارياً ويمكن التفاوض حوله بالنسبة لقواعد الاشتباك الأمريكية وحتى البريطانية الجديدة.
وفي الوقت الذي يسعى فيه الأردن لتوظيف الظرف الإقليمي بحيث يمنع أي إمكانية للتواصل على الأرض بين الوجود «الداعشي» جنوب سوريا وشمال البادية الأردنية نقل الجيش النظامي السوري تركيزه على منطقة عمليات جديدة في السويداء لفرض واقع على الأرض قبل أن تدخل كغيرها من المناطق في إطار الترتبات الإقليمية والدولية التي يبدو أنها الموضة الجديدة بدلالة تلميح ديميستورا إلى أن المؤسسات الدولية «تراقب» عملياً الالتزام الحرفي لما تم الاتفاق عليه بخصوص جنوب سوريا بين عمان وواشنطن وموسكو. ويأمل صناع القرار بطبيعة الحال برؤية تطبيق سلسلة هدنات تماثل نموذج شمالي سوريا.
مصير جبهة النصرة، التي تعتبر لاعباً أساسياً في الميدان بالجنوب، لم يناقش بعد وقد يشكل، حسب مراقبين، ورقة المفاجأة الأساسية خصوصاً أنها جبهة «خارجية» وليست سورية داخلية حيث تغيبت أخبار جبهة النصرة عن الأضواء في جنوب سوريا منذ نحو شهرين ولا يهاجم مواقعها ومفارزها أحد لا في النظام السوري ولا في سلاح الجو الروسي ولا حتى في جبهة التحالف الدولي ضد الإرهاب.
وفقاً للتوقعات سيظهر الخلاف لاحقاً حول مصير جبهة النصرة وبعد تحديد مسار مصير تنظيم «الدولة» الذي انتهت وظيفته في العراق فيما لم تحدد بعد وظيفته في المنطقة الجديدة التي سيظهر فيها.
بكل الأحوال يبدو الأردن أكثر حماسةً بعد دخوله علناً في سياق ترتيبات إقليمية ودولية تحدد الوضع الميداني في درعا وجنوب سوريا لأن ذلك يضمن لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي حضورًا في الصف الأول والأساسي عندما يتعلق الأمر بحصة الجنوب من ترتيبات سوريا الفيدرالية.
لذلك يقتنص الصفدي فرصة الترتيبات الأخيرة وينهي حالة الصمت الرسمي على ما يجري في سوريا عبر تصريح اعتيادي يتحدث فيه عن حماية وأمن استقرار الشعب السوري والرغبة الأردنية في أن يحسم الصراع وتنتهي الأزمة السورية لمصلحة الشعب السوري. بسام بدارين- القدس العربي