كورونا والبطالة والفقر أبرز تحديات موازنة 2021 .. وتوقع وصول العجز إلى 2 مليار
من المؤكد أن فيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية بات أبرز الملفات على طاولة صناع القرار الاقتصادي، سيما مع العمل على تجهيز مشروع قانون موازنة 2021.
في موازنة العام الحالي كان متوقعا أن يبلغ العجز 1.2 مليارا واعتبر غير مسبوق وقت اقرارها؛ وذلك قبل دخول أزمة كورونا وما لحقها من تبعات، اعتمدت الموازنة حينها نفس قيمة المنح التي كانت تصل عام 2019، وعلى تحفيز النمو الاقتصادي وتشجيع الاستثمار واستندت إلى الواقعية في تقدير الإيرادات والنفقات.
الحكومة السابقة توقعت قبل ازمة كورونا نموا اقتصاديا بنسبة 2.2% من الناتج المحلي الإجمالي من خلال الإيراد الضريبي الجديد آنذاك والمقدر بنحو 291 مليون دولار وإجراءات مكافحة الفساد.
* محللون الموازنة الأكثر تحديا في تاريخ الأردن
وزير المالية السابق الدكتور عز الدين كناكرية يرى أن الأردن واجه تحديات اقتصادية عديدة في سنوات سابقة وتزايدت هذه التحديات العام الحالي في ضوء جائحة كورونا.
وقال كناكرية إن كورونا أثرت على العالم اجمع بما فيه الأردن، وانعكس ذلك على تراجع كبير في الناتج المحلي الإجمالي نتيجة تراجع وتوقف القطاعات الاقتصادية المهمة، كالسياحة والصناعة والتجارة وغيرها..
وكذلك وزير المالية الأسبق عمر ملحس الذي قال إن الأردن شهد سابقا موازنات وأحداث أصعب، وأن موازنة 2021 لن تكون الأصعب في تاريخ الأردن.
واستذكر إقرار موازنات 1966، 1970، و1988، و1989، 1990 والتي شهدت أحداثا اقتصادية أكبر من تداعيات فيروس كورونا الحالية، كان أبرزها الانهيار الاقتصادي عام 1988 مما أثر على الاقتصاد الأردني وقتها بصورة أكبر من تأثير جائحة كورونا في الوقت الحالي.
أما عضو مجلس النواب السابق ورئيس اللجنة المالية النيابية الدكتور خالد البكار وصف موازنة 2021 بالأكثر تحدياً إضافة الى الأسوأ ملامح من موازنة 2020.
وقال إن تحدياتها أكبر مما مضى، وتتطلب ضبط الإنفاق، مشيرا إلى أن التحدي الأكبر أمام الحكومة هو ملف البطالة، والتشغيل ومساعدة ذوي الدخل المحدود، إضافة إلى قضية عمال المياومة وعودة المغتربين كذلك الانخفاض في نسبة الاستثمار مما سيشكل تحدياً كبيرا في 2021.
واتفق نائب رئيس الوزراء الأسبق للشؤون الاقتصادية، الدكتور جواد العناني، مع البكار بقوله إن أي موازنة في الأردن دائما تعتبر صعبة، واصفا موازنة 2021 بالأكثر تحدياً لما يواجهه الأردن من قضايا ملحة، منها أن عجز الموازنة يكبر.
تحديات تواجه موازنة 2021
كناكرية قال إنه لا يمكن الحديث عن التحديات التي تواجه الموازنة العامة، بمعزل عن التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني بشكل عام، والتي تنعكس آثارها على بيانات الموازنة العامة.
وبين أن أبرز التحديات المتوقعة امام موازنة 2021، تتمثل في استمرار تراجع الإيرادات المحلية عمّا تم تقديره في موازنة 2020 كون انخفاض أرباح الشركات والمؤسسات والقطاعات الاقتصادية بشكل عام سيؤدي بشكل رئيسي الى تراجع إيرادات ضريبتي الدخل والمبيعات.
كما أن الآثار المترتبة على جائحة كورونا ستؤدي إلى الحاجة لتخصيص مبالغ أكبر لنفقات الصحة وشبكة الأمان الاجتماعي، بالإضافة إلى ضرورة الالتزام بتخصيص مخصصات للزيادات والعلاوات التي تم إيقافها العام الحالي، وتم تأجيلها لبداية العام القادم وأصبحت مستحقة.
إضافة إلى زيادة قيمةِ الفوائد على القروض الداخلية والخارجية اكثر ممّا كان يخصص سنويا في ضوء ارتفاع العجز بشكل كبير هذا العام وتمويله من خلال الاقتراض، وزيادة مخصصات التقاعد نظراً لإحالة أعداد كبيرة من الموظفين الى التقاعد العام الحالي، مما سيضغط على قدرة الحكومة في زيادة مخصصات المشاريع الرأسمالية بالشكل المطلوب نظرًا لأهميتها الكبيرة في تعزيز النمو الاقتصادي وهذا كله سيؤدي إلى زيادة عجز الموازنة والمديونية المتوقع العام القادم بشكل كبير.
اما ملحس يجد أن الإيرادات لن تفيد كثيراً في الموازنة الحالية لأن النمو الذي تم الحديث عنه سابقاً قليل، ويقابله نفقات كبيرة على الحكومة تم تأجيلها من هذا العام إلى العام المقبل مما سيشكل تحديا كبيرا.
البكار قال إن أول تحد سيواجه الاقتصاد الأردني، هو ضعف النمو عام 2020، وتراجع إيرادات الخزينة مما سبب زيادة في العجز، مشيرا إلى أن التحدي الأكبر أمام الحكومة هو ملف البطالة والتشغيل ومساعدة ذوي الدخل المحدود، إضافة إلى قضية عمال المياومة وعودة المغتربين وانخفاض نسبة الاستثمار مما سيشكل تحدياً كبيرا في 2021.
وأكد وجود مشاكل كبيرة في الإدارة الضربيية والجمركية، مرجعا السبب في ذلك لوجود اتفاقيات اقتصادية ثنائية موقعة من قبل الأردن مع دول أخرى عالمية وعربية، منوها إلى أن "الأردن في 80% من هذه الاتفاقيات هو الخاسر، مما يتطلب إعادة النظر فيها، وخاصة الموقع منها مع الاتحاد الأوربي، حيث اشار إلى أن الميزان التجاري لصالح الاتحاد الأوربي، وأن الأردن يستورد بحدود 6.5-7 مليار دينار، بينما نصدر له 550-650 مليون دينار.
وأوضح البكار أن مستوردات الأردن بالمجمل تقارب 16 مليار دينار، مُجمل دخل الجمرك منها يقارب 300 مليون دينار وهذا لا يشكل سوى 2.7% من الإيرادات الحكومية ما يشكل عبئا جمركيا، مؤكدا أن أغلب المستوردات تخضع لإعفاءات بموجب الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية، وهذا يتطلب من الأردن إعادة دراسة كل هذه الاتفاقيات والالتزام فقط بالاتفاقيات المتوازنة أو الاتفاقيات التي تصب في صالحه.
الخبير الاقتصادي ماهر شاهين قال إن موازنة 2021 ستكون أمام تحديات كبيرة وصعبة جداً لجهة إقرارها بسبب تراجع معدلات النمو الاقتصادي، والإيرادات الحكومية، وحوالات العاملين بالخارج وارتفاع نسبة الفقر والبطالة بشكل كبير نتيجة إغلاق الكثير من القطاعات بالإضافة إلى زيادة الطلب على تطوير الجهاز الطبي المدني والعسكري نتيجة إرهاقه من خلال جائحة كورونا كذلك تطوير نظام التعليم عن بعد وذلك من خلال توفير أجهزة مجانية للطلاب في جميع المراحل.
* عجز موازنة 2021 سيلبغ 2 مليار دينار
الوزير السابق كناكرية قال إن هذه التحديات ستنعكس على موازنة العام القادم، متوقعاً أن لا يقل عجز الموازنة العامة بعد المنح عمّا يقارب 1.5 مليار دينار، يضاف اليه عجز متوقع لموازنة الوحدات الحكومية بحوالي 300 مليون دينار، وبالتالي فإن عجز الموازنة المجمع للموازنتين للعام القادم من قد يقارب ملياري دينار.
ومن جهته ملحس توقع أن يرتفع الدين العام مبيناً أن أي رقم عجز في موازنة 2021 سيزيد الدين العام، وأن أي عجز يعتبر عجزا مجمعا ما بين عجز مؤسسات حكومية، وعجز هيئات مستقلة التي من الممكن أن يصل عجزها إلى 300-400 مليون دينار.
اما البكار فرجح أن يتجاوز العجز في موازنة 2021، الـ 2 مليار دينار أردني إضافة إلى زيادة مليار دينار على الدين المتوقع مما ينم على آثار سلبية، وينعكس في نسبته على الدين العام كقيمة، وتكمن خطورته في أن تصبح قيمته أكبر من قيمة الإنتاج المحلي بنسبة 100%، واصفاً إياه "بالأمر الخطير والمقلق".
وبخصوص الكلف المترتبة على الدين العام من فوائد، قال البكار: "إنها كانت بحدود مليار و380 مليون دينار في عام 2020، وفي 2021 ستزيد عليه ما يقارب 70 مليونا مما يعني أن العبء سيرتفع إلى مليار و450 مليون دينار.
العناني كان متفائلا فيرى أن موازنة 2021 لن تقل عن 9.5 مليار دينار أردني، بعجز يتراوح بين 700-800 مليون دينار على أقل تقدير مشيراً إلى أن الدين العام سيرتفع ليغطي عجز الموازنة والديون المتراكمة ما يقارب 700 مليون دينار.
الخبير الاقتصادي ماهر شاهين أشار إلى أن أحد عوامل الزيادة او النقص في الدين العام هو الدعم الدولي القوي، والتزام الأردن التاريخي بتنفيذ الإصلاحات مما كان له دورا كبيرا على الزيادة أو النقص في الدين العام من خلال تقديم المنح والتسهيلات في التمويل إضافة الى كلف الطاقة وإغلاق أسواق التصدير امران يلعبان دورا مهما في ارتفاع الدين.
* جائحة كورونا وتأثيرها على الاقتصاد
وزير المالية الأسبق عمر ملحس قال إنه لا يعتقد أن هناك زيادة كبيرة في نفقة الحكومة على موازنة القطاع الصحي في ضوء كورونا قائلاً: "إنه امر إحلال واستبدال" حيث أن الحكومة أجلت علاج حالات مرضية وعمليات وأعطت أولوية لمرضى كورونا، الأمر الذي لم يزد العبء المالي كثيراً.
اما كناكرية فقال إن الآثار المترتبة على الجائحة ستؤدي الى تخصيص مبالغ أكبر لنفقات الصحة وشبكة الأمان الاجتماعي، وإلى تخصيص مخصصات للزيادات والعلاوات التي أصبحت مستحقة، ناهيك عن زيادة قيمة الفوائد على القروض الداخلية والخارجية اكثر ممّا كان يخصص سنويا في ضوء ارتفاع العجز بشكل كبير هذا العام وتمويله من خلال الاقتراض، إضافة لزيادة مخصصات التقاعد.
الخبير الاقتصادي ماهر شاهين أكد أن آثار الجائحة كبيرة بسبب إغلاق عدد من القطاعات نتيجة انتشار الوباء، وزيادة الطلب على تطوير الجهاز الطبي المدني والعسكري نتيجة إرهاقه من خلال جائحة كورونا، داعيا إلى التركيز على معالجة الفقر والبطالة الناتجة عن طريق خسائر القطاع الخاص بالإضافة إلى الحاجة وتطوير نظام التعليم عن بعد وذلك من خلال توفير أجهزة مجانية للطلاب بجميع المراحل.
وفي ذات الوقت يرى العناني أن القضية الأبرز هي فيروس كورونا وتداعياته ومعالجة الآثار الناجمة عنه، والتي تصل إلى 3.5% من معدل النمو على أقل تقدير.
وبين أن الضرائب التي تُجمع أو جمعت لتدخل في موازنة 2021 أقل مما سبقها خصوصا مع تدني أرباح الشركات، ومصادر الضريبة ما يضع الحكومة امام تحدٍ كبير.
* مقترحات دعم الاقتصاد والموازنة
كناكرية دعا إلى مواجهة التحديات الاستثنائية غير المسبوقة التي تستدعي تكثيف الجهود لدى كافة الجهات للعمل على تعزيز النمو الاقتصادي، والذي يعتبر المؤثر الأهم في تحسين كافة المؤشرات الاقتصادية، مشددا على ضرورة إعطاء الأولوية لمتابعة حقيقية للقطاعات التي تضررت خلال جائحة كورونا لمساعدتها في مواجهة الأضرار التي تكبدتها وتقديم التسهيلات الإدارية والمالية الممكنة التي تمكنها من الاستمرار في عملها والاستمرار في الاحتفاظ بالعمالة لديها وتشجيعها على تطوير أعمالها.
وأكد ان تشجيع الاستثمار من الأولى توجيهه نحو الاستثمارات القائمة التي تواجه تحديات، ولا يمكن لأي مستثمر جديد أن يقدم على الاستثمار إن لم تكن الاستثمارات الموجودة أصلا تعمل بالشكل المطلوب.
وأضاف كناكرية أن التركيز بشكل أكبر على تفعيل حقيقي لإقامة المشاريع الرأسمالية بالشراكة مع القطاع الخاص من خلال طرح مشاريع رأسمالية عديدة، ومواصلة تسهيل الإجراءات لأهمية ذلك في زيادة التشغيل وتخفيض معدلات البطالة والفقر مما سيساهم في تحريك عجلة النمو الاقتصادي بشكل عام.
واشار إلى أن التوقعات في تراجع الإيرادات المحلية يتطلب البناء على ما تم تعديله خلال السنوات الماضية بما فيها ما تم تعديله من التشريعات ومواصلة مكافحة التهرب الضريبي والجمركي من خلال حصر دوري للفجوات التي يمكن من خلالها التمكن من التهرب الضريبي والاستفادة منها في تعديل الإجراءات دوريًا لسد الفجوات التي يمكن من خلالها التهرب، إضافة إلى مراجعة دورية لمعالجة أية تشوهات في السياسات الضريبية بما يمكن من تشجيع الاستثمار وتشجيع إقامة المشاريع الرأسمالية بشكل اكبر.
كما دعا كناكرية إلى ضرورة السعي مع الجهات المقرضة لتخفيض فوائد القروض في ضوء اثار الجائحة التي يلمسها العالم أجمع والسعي مع الدول الصديقة لزيادة المنح المقدمة إضافة إلى إمكانية مراجعة للموجودات العقارية الحكومية بما فيها الأراضي والمباني بما يمكن من استخدامها بالشكل الأمثل وتمكين القطاع الخاص من اقامة المشاريع الرأسمالية عليها بالشراكة او بالتأجير بشروط تشجيعية.
اما الخبير شاهين دعا الحكومة إلى عدم فرض المزيد من الضرائب والرسوم ومنح التسهيلات اللازمة للمستثمر وإعادة النظر في التشريعات الاقتصادية وان يكون هناك تناغم وتنسيق بين هذه التشريعات وعدم التضارب في القوانين مما سيكون له الدور الكبير في دعم الموازنة مؤكدا على أهمية التخطيط لإعادة القطاع الخاص إلى مساره الطبيعي، لما كان يعاني من مشاكل تفاقمت قبل وبعد جائحة كورونا.
البكار أشار إلى ضرورة خلق فرص عمل ومنح حوافز للاستثمار في مناطق الأطراف والبادية وإعطاء إعفاء جمركي ضريبي واستخدام الحوافز الاقتصادية مقابل تشغيل الأردنيين مما سيرفع الدخل ويحرك عجلة الاقتصاد إضافة إلى العمل على الصناعات التحويلية المتمثلة بتحويل المواد الخام إلى منتجات أخرى مثل البوتاس والفوسفات.
وشدد البكار على ضرورة العمل على تخفيض فاتورة الطاقة التي لم تنخفض منذ خمس سنوات والاستفادة منها كمدخل إنتاج حتى تزيد من تنافسية قطاعاتها مشيراً إلى أن هذه المشكلة كبيرة ويجب حلها.
اما جواد العناني فأشار إلى أن الخيارات المطروحة محدودة على المدى القصير وتتطلب هندسة اقتصادية، داعيا إلى الابتكار في اجتراح الحلول ومؤكدا على ضرورة دراسة أي قرار والآثار الإيجابية والسلبية لهُ، وأخذ المناسب بحيث تكون جميع السياسات العامة داعمة لبعضها البعض.
* التوقعات حول نمو الاقتصاد وتعافية جراء جائحة كورونا
ربط وزير المالية الأسبق ملحس تعافي الاقتصاد العالمي بالمحلي، وأوضح أنه إذا تم برنامج التطعيم بلقاح كورونا مثلما تم إعلانه من قبل الولايات المتحدة بتوزيعه خلال الستةِ شهور الأولى من العام المقبل، سيؤدي ذلك إلى رفع عجلةِ نمو الاقتصادي العالمي خلال النصف الثاني من العام.
وبين أن ذلك سيلعب دوراً قويا في تحسن الاقتصاد العالمي وسينعكس على الاقتصاد المحلي متوقعاً أن يكون التحسن في النمو متسارعا لأن العالم كله الآن متوقف وكل الاقتصاد في العالم يعاني إلا الاقتصاد الأمريكي الذي يشهد نموا. عمون