حقوق الإنسان : انتهاكات جسيمة عابت انتخابات 2020
هوا الأردن -
أكد تقرير رقابي للمركز الوطني لحقوق الإنسان أن ظاهرة استخدام المال السياسي (الأسود)، "نشطت” في انتخابات مجلس النواب التاسع عشر، والتي جرت في العاشر من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، موضحا "أن المركز رصد انتشار هذه الظاهرة على نطاق واسع”.
وخلص إلى أن ما تم "رصده وتوثيقه من انتهاكات ومخالفات رافقت العملية الانتخابية، خصوصا خلال فترتي الترشح والاقتراع، قد بلغ بعضها من الجسامة حدا يعيب العملية الانتخابية برمتها”.
وأعلن صدور التقرير الرقابي حول مجريات العملية الانتخابية للبرلمان التاسع عشر، في مؤتمر صحفي أمس، كل من رئيس مجلس أمناء المركز، الدكتور إرحيل الغرايبة، والمفوض العام للمركز الدكتور علاء العرموطي، فيما استعرضا أبرز ما ورد في التقرير والتوصيات المرافقة، ومن أهمها تطوير قانون الانتخاب.
وقال الغرايبة إن ما رصد في الانتخابات من "ظاهرة شراء الأصوات واستخدام المال الأسود، لم يقابل بتتبع كاف من الجهات المختصة، ومن الأجهزة الأمنية”، معتبرا أن "اجتذاذ ذلك كان ممكنا، لو أرادت الأجهزة ذلك، وأن الكثير منها مثبت بالتواتر وبالتوثيق”.
وبين أن التقرير، أعده خبراء المركز وفق معايير حقوق الإنسان المعتمدة والمنبثقة من الدستور والتشريعات المختلفة، ووفق المعايير الدولية، مؤكدا أن التقرير "موضوعي، وبعيد عن أي شخصنة أو مزاجية، كما أنه بعيد عن الانتماءات الأيدولوجية والتناحرات السياسية”.
وأشار إلى أن المركز هو "عين الشعب الأردني، وعين جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي أراد للانتخابات أن تكون حرة ونزيهة ومعبرة عن إرادة الشعب.
وأضاف الغرايبة "بالتأشير على مواضع الخلل، نرفع من شأن المصلحة العليا، ومن أجل تحسين صورة الأردن الخارجية وليس العكس.
لدينا موقف مسبق نحو أي جهة أو أي طرف. ونتطلع إلى التعاون والتكامل مع كل الجهات والأطراف المسؤولة”.
وتابع أنه من حق الشعب أن يحظى بانتخابات برلمانية صادقة، تعبر عن إرادته، دون وصاية من أي جهة.
وبشأن رفع المركز لتوصيات متعلقة بقانون الانتخاب، أوضح الغرايبة أن "حقوق الإنسان” هو أحد الأطراف المعنية ليكون له نظرة في الانتخابات، مؤكدا ضرورة إشراك كل القوى السياسية في مراجعته، سواء أكانت "الرسمية والشعبية والموالاة والمعارضة”، ليحظى القانون بإرادة شعبية عارمة وبتوافق جمعي، ومن سمات أي تشريع ناظم ان يكون محايدا وليس مخصصا لجهة ضد جهة.
وقال "ما يُطلق عليه معارضة أو موالاة، كلاهما معنيان تماما، بالمشاركة في قانون الانتخاب”.
العرموطي من جهته، أكد أن هناك "إشكالية” بآليات تتبع ظاهرة شراء الأصوات، وأن ما جرى "يعيب مجمل العملية الانتخابية”، قائلا "إنها ظاهرة مقلقة وكبيرة، ولم يتم التعامل معها بالجدية اللازمة”.
وأوضح أن المطلوب هو منح القضاء أذرعا أكثر فاعلية وصلاحيات أوسع، في قضايا الطعون بالانتخابات، بما في ذلك "تعديل نص المادة 71 من الدستور الأردني، بما يضمن الحق بالتقاضي على درجتين، للطعن بصحة نيابة أعضاء مجلس النواب”.
وبشأن تقرير المركز، الذي أكد "وجود جهات مارست ضغوطات على مترشحين للانسحاب”، قال العرموطي "إن هذه القضية تظهر في كل انتخابات، حيث يوجد ضغوطات على مترشحين وقوائم”.
وأضاف "أن المركز تلقى شكاوى كثيرة وعديدة من مترشحين نجحوا، وآخرين لم ينجحوا، عدا عن تزويد "حقوق الإنسان” بإفادات وشهادات من أطراف قريبة من المترشحين تحدثت عن وجود ضغوط”.
وتابع العرموطي، "تشكل لدى المركز معلومات، تكفي للاستقصاء، حيث قمنا بمتابعتها، بمعنى أن كثرة الشواهد والإدعاءات وتطابقها وتكرار مصداقيتها، يدل على ذلك”.
إلى ذلك، أفاد التقرير أن عملية تسجيل المترشحين اتسمت بالهدوء، وعدم تسجيل أي حوادث تذكر، فيما شهدت الأيام التي سبقت عملية تسجيل المترشحين، انتخابات عشائرية، خارج الأطر القانونية، لإحداث توافقات وإفراز مترشحين، تحت مرأى ومسمع الجهات المعنية والحكام الإداريين، مؤكدا أنها "شكلت خرقا لأوامر الدفاع، التي تحظر عقد اجتماعات لأكثر من 20 شخصا”.
وناقش التقرير، الذي قدمه ملخصه العرموطي، الضغوطات التي كان يتعرض لها المترشحون لثنيهم عن الترشح للانتخابات النيابية أو الانسحاب منها، بناء على شكاوى تلقاها المركز من مترشحين وغيرهم، موضحا "أنه بالمتابعة والتحقق، تشكلت لدى "حقوق الإنسان” قناعة بصحة هذه الإدعاءات”.
وضمن مرحلة الدعاية الانتخابية، أشار التقرير إلى "ضياع 7 أيام كاملة، كانت من حق المترشحين والناخبين في الدعاية الانتخابية بسبب حظر يومي الجمعة والسبت من شهر تشرين الأول (اكتوبر) الماضي، فضلا عن عدم التزام العديد من المترشحين وأنصارهم بقواعد الدعاية الانتخابية”.
وأكد التقرير أن ظاهرة استخدام المال السياسي (الأسود)، "نشطت” خلال فترة الدعاية الانتخابية وما قبلها وأثناء يوم الاقتراع، وذلك لـ”التأثير على قناعات الناخبين، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر”، موضحا "أن المركز رصد انتشار هذه الظاهرة على نطاق واسع”.
وسجل التقرير 40 ملاحظة على مرحلة يوم الاقتراع، أبرزها: شكاوى حول التصاق بعض صفحات دفاتر الاقتراع مع بعضها البعض في العديد من الدوائر الانتخابية، ما أدى إلى إخفاء الصفحة الخاصة بإحدى القوائم، وعدم جاهزية 65 % من مراكز الاقتراع لاستقبال الأشخاص ذوي الإعاقة.
وأكد استمرار الدعاية الانتخابية بما نسبته 87 % من مراكز الاقتراع، التي تم رصدها، ومنع بعض مراقبي المركز من دخول غرف الاقتراع، ومن إدخال هواتفهم النقالة، فضلًا عن منع 12 % منهم من حضور إجراءات إقفال الصناديق وإنهاء عملية الاقتراع.
وقال التقرير إن الهيئة المستقلة للانتخاب "لم تقم” باستخدام أقفال للصناديق تحتوي على أرقام، وإنما تم استخدام مرابط بلاستيكية لا تحتوي على أي دلالة رقمية أو رموز سرية، فيما لوحظ وجود نقص في المعدات الخاصة بعملية الاقتراع.
وأشار إلى عدم التزام عدد من لجان الاقتراع بالبطاقة الشخصية، كمصدر تعريف حصري ووحيد بالناخب، خلافا لما نصت عليه المادة (4/ك) من قانون الانتخاب.
وبين التقرير أن النسبة الأكبر لعملية المنع من ممارسة حق الاقتراع، كانت من نصيب الأشخاص المصابين بفيروس كورونا المستجد، رغم إعلان الهيئة عن تهيئة الظروف المناسبة لتمكينهم من الاقتراع، بينما تم رصد استغلال الأطفال في العمل بالدعاية الانتخابية، وتمديد مدة الاقتراع لساعتين بسبب الانخفاض الشديد لأعداد المقترعين.
وأكد عدم التطابق بين عدد أوراق الاقتراع داخل الصندوق وعدد المقترعين وفق جدول الناخبين، فيما وقعت لجان الاقتراع والفرز بأخطاء في عملية فرز الأصوات وعدها، ويعود ذلك إلى عدم كفاءة التدريب الذي تلقاه الأعضاء.
وأضاف التقرير أن "مستقلة الانتخاب”، عملت على تجهيز 23 موقعا لاستخراج النتائج الأولية بواقع مركز واحد في كل دائرة من الدوائر الانتخابية، إلا أن فريق "حقوق الإنسان” سجل 15 ملاحظة حول هذه المراكز واللجان العاملة فيها.
وأشار إلى "ضعف” المشاركة بـ”انتخابات 2020”، إذ بلغت 29.90 %، حسب البيانات الصادرة عن الهيئة، مقارنة بالانتخابات النيابية السابقة التي بلغت 36 %، وهي نسبة "تضعف من القناعة العامة بتمثيلية مجلس النواب”.
وقدم التقرير 24 توصية، أبرزها؛ ضرورة تطوير القانون الانتخابي، بحيث يكون أكثر تمثيلا للقواعد الشعبية والحزبية، وتعديل نص المادة 71 من الدستور الأردني، بما يضمن الحق بالتقاضي على درجتين للطعن بصحة نيابة أعضاء مجلس النواب، وإجراء التعديلات القانونية اللازمة، بما يضمن عدم الخرق لفترة الصمت الانتخابي
وشدد على ضرورة تعديل القوانين اللازمة كقانون العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية، بما يحقق نجاعة أكبر في متابعة وملاحقة مرتكبي الجرائم الانتخابية، وتفعيل دور الهيئة في مراقبة الحملات الانتخابية وضبط الدعاية الانتخابية، وتفعيل إجراءات المحاسبة والمساءلة المتعلقة بها.
ودعا التقرير، إلى زيادة ضمانات اختيار أعضاء لجان الانتخاب بشفافية، وفي وقت مبكر للتحضير للعملية الانتخابية، وتمكين المواطن من الوصول إلى جداول الناخبين، ومراجعتها للتحقق من سلامتها، وتهيئة وتجهيز جميع مراكز الاقتراع والفرز، وتوفير التسهيلات اللازمة بما يكفل للأشخاص ذوي الإعاقة حقهم في الاقتراع.