الخارجية السورية عن التقارب مع الأردن: اتصالات معلنة وأخرى غير معلنة مع دول عربية
بعد لقاءات تشاورية عديدة بين الجانبين الأردني والسوري وزيارات رسمية سورية إلى العاصمة الأردنية عمان، جرى اتصال هاتفي بين الملك عبدالله الثاني والرئيس السوري بشار الأسد، تم خلاله بحث العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون المشترك لما فيه مصلحة البلدين.
بوادر الانفتاح العربي نحو سوريا بدأت بالظهور من بوابة الجيران، فما هو الموقف السوري من هذه المجريات والتطورات الدبلوماسية؟
معاون وزير الخارجية السوري الدكتور أيمن سوسان تحدث في مقابلة مع "العهد" عن كل التطورات الدبلوماسية الأخيرة، مؤكدًا أن "المشروع الذي أعد لسوريا يترنح ومصيره الفشل الأكيد، والتغيرات التي تحدث على صعيد العلاقات اليوم بين سوريا والدول الأخرى هي مؤشر جديد على تغير المشهد، وهذا لا ينسحب على سوريا فقط بل على الوضع الإقليمي والدولي بشكل عام، إذ تُلاحظ الرغبة بإشاعة أجواء هدوء على الساحة الدولية لأن واقع العالم شديد التعقيد".
وبحسب سوسان فإن "اللقاء الأمريكي - الروسي بين الرئيسين بوتين وبايدن في جنيف هو الذي مهد لأجواء الهدوء، واللقاءات المتواصلة بين المسؤولين الروس والأمريكيين من شأنها أن تؤدي لتحقيق انفراجات على الساحة الدولية ومنها منطقتنا، والتي ستنعكس بكل تأكيد على عودة وتوطيد الاستقرار، وفي هذا مصلحة للسلم والأمن الدوليين، وإذا كان هناك من تغيير تجاه سوريا فإن الفضل يعود لانتصار سوريا على المشروع الغربي التآمري الذي هدف لإعادة هندسة المنطقة بشكل عام بما يؤدي إلى خدمة مصالح "إسرائيل"، مشددًا على أن "أمريكا تنظر للمنطقة بعيون إسرائيلية، ولكن الكلمة الفصل كانت لسوريا وحلفائها ولمحور المقاومة".
وقال سوسان إن "ما أرادته أمريكا لهذه المنطقة قد فشل، وعليها أن تدرك أن زمن أساليب الضغط والهيمنة وفرض الإملاءات والشروط على الدول قد ولّى، واليوم هناك نظام دولي في طور التكوين وخاصة مع الصعود المتنامي لروسيا على الساحة الدولية وبروز قوى دولية وإقليمية لم تعد تقبل بفرض الإرادة الأمريكية والتحكم بمصير العالم، والشركاء الروس والأشقاء الإيرانيون هم شركاء في النصر على الإرهاب دون إغفال دور المقاومة اللبنانية الكبير في رفد جهود الجيش العربي السوري في هزيمة الإرهابيين ما مهّد للمرحلة الأخيرة من تحقيق النصر النهائي"، موضحًا أن "الحكومة السورية تتخذ السياسات التي تخدم شعبها ومصالحها وليس إرضاءً لهذا الطرف أو ذاك".
وحول الوجود الأمريكي في سوريا، أكد سوسان أنه مرتبط بالمشروع الذي أرادته واشنطن، ومع هزيمة هذا المشروع بدأ الوجود الأمريكي يفقد جدواه وقد نرى في أي لحظة من اللحظات مشهد خروج القوات الأمريكية على غرار مشهد أفغانستان.
وشدد سوسان على أنّ "تطورات العلاقات الأردنية السورية واللقاءات المتعددة التي جرت للمسؤولين في البلدين سواء في عمان أو نيويورك وبالأمس الاتصال الذي جرى بين الملك عبد الله الثاني والرئيس بشار الأسد، هو الوضع الطبيعي للعلاقات بين البلدين الشقيقين، البعض يتحدث عن ضوء أخضر أمريكي أو ما شابه، فهناك إشارات يتلقفها البعض من أجل تغيير المقاربة، ولكن هناك تغير في الأجواء الدولية وأصبح ذلك واضحًا وكل ذلك يمهد لمرحلة جديدة ستشهد عودة العلاقات بين سوريا والدول العربية الأخرى وعودة هذا التواصل هو نتيجة أساسية للنصر على الإرهاب".
"سوريا تبني سياساتها الخارجية على أسس وثوابت لا تتغير بفعل ظرف سياسي معين أو موقف معين" قال سوسان، وتابع: "بناءً على هذه الثوابت تقوم سوريا بمعالجة علاقاتها مع الأخوة العرب والتي تتمنى أن تؤدي بموجبها إلى إصلاح الوضع العربي الراهن حتى نستطيع مواجهة التحديات المفروضة"، معتبرًا أن "أحد أهداف الحرب على سوريا هو فكرة العروبة لأن الغرب يريد تفتيت وتجزئة الأمة العربية لضمان هيمنة "إسرائيل" على المنطقة، وعلينا جميعًا التحرك من أجل بناء واقع عربي يشكل الحصانة لكل دول الوطن العربي".
سوسان لفت إلى أنّ "على السياسيين الأمريكيين أن يعودوا لقراءة مبادئ ويلسون والمنظرين الدستوريين في أمريكا والعالم ويدركوا أن القرار السياسي في أي دولة من العالم هو ملك شعب هذه الدولة ولا يكون ذلك بالارتهان لمشيئة هذه الدولة أو تلك، ولذلك فإن الخطاب العربي مشروع لأن الأخطار التي تتعرض المنطقة لها يجب أن تدفع الدول العربية لتعزيز الروابط المشتركة القائمة بينها من أجل مواجهة هذه التحديات، وأعمق هذه القواسم المشتركة فكرة الانتماء للعروبة".
وحول مقعد سوريا في جامعة الدول العربية، أشار سوسان الى أنّ "سوريا لم تخرج من الجامعة حتى تعود إليها، وقرار تعليق عضويتها هو خطأ قانوني كبير ففي ميثاقها لا يوجد إجراء تعليق عضوية دولة دون الإجماع وبالتالي عُلّقت عضوية سوريا بخطأ قانوني ونتيجة ظرف سياسي معين، وعندما يتم تصحيح هذا الخطأ تنضج المتغيرات السياسية وتعود الأمور الى ما كانت عليه وإلى طبيعتها، وعندما يكون هناك موقف عربي دافئ تجاه عودة سوريا لشغل مقعدها بالجامعة سيكون في ذلك مكسب كبير للعرب".
وختم معاون وزير الخارجية السوري الدكتور أيمن سوسان حديثه مشددًا على أن "المرحلة المقبلة هي مرحلة ترميم العلاقات مع الدول العربية الشقيقة وهناك اتصالات معلنة وأخرى غير معلنة، وكل ذلك سيؤدي إلى وجود واقع عربي سليم وصحي يمكّن هذه الأمة من امتلاك أوراق القوة التي تستطيع من خلالها صيانة حقوقها والدفاع عن نفسها من أي تدخل خارجي".