الاستراتيجيات الأردني يدعو إلى تبني معايير المسؤولية البيئية والمجتمعية والحوكمة للشركات
أصدر منتدى الاستراتيجيات الأردني ورقة سياسات بعنوان: "تبني معايير المسؤولية البيئية والمجتمعية والحوكمة - الطريق الأمثل لممارسة الأعمال"، وكيفية قياس نتائج تطبيقه، والتحديات التي تحول دون التزام الشركات بتلك المعايير، وتقديم بعض التوصيات الخاصة بذلك.
وأكد منتدى الاستراتيجيات الأردني، في ورقته، زيادة الضغوط اليوم على الشركات المدرجة وغير المدرجة في الأسواق المالية، لتمارس أعمالها وفق الممارسات الصديقة بالبيئة، خاصة في ضوء ما يشهده العالم من أخطار التغير المناخي، والتحديات المرتبطة بآثار تلك الأخطار على البشرية.
وبينت الورقة أن تقارير المسؤولية البيئية والمجتمعية والحوكمة تعتبر أكثر أهمية من أي وقت مضى؛ كونها تعكس التزام الشركات في تحقيق التنمية المستدامة، ما يساهم أيضًا في ضمان نجاح أعمالها على المدى البعيد، كما تساهم هذه التقارير في تمكين أصحاب العلاقة والمستثمرين من توجيه رؤوس أموالهم لاستثمارات تتماشى مع الأنشطة المستدامة، وقد أصبحت تقارير "الاستدامة" ذات أهمية كبيرة للشركات، لما لها من تأثير واضح على الجانب المالي، سيما وأن حجم الأصول المستثمرة من صناديق الاستثمار التي تمتثل لمعايير الممارسات البيئية والمجتمعية والحوكمة، وصل إلى 35 تريليون دولار في العام 2020، ومن المتوقع أن يزداد هذا المبلغ إلى أكثر من 50 تريليون دولار مع حلول العام 2025.
وأوضحت الورقة أن إفصاح الشركات عن نتائج تطبيق معايير المسؤولية البيئية والمجتمعية والحوكمة ما يزال طوعيًّا حتى يومنا هذا، رغم الضغوط التي تمارسها الجهات المنظمة لتلك المعايير، حيث أن إعداد التقارير الاستباقية التي تركز على المستقبل أمر بالغ الأهمية لتلبية المتطلبات التنظيمية المقبلة والاستجابة لنمط الأعمال المتغير.
وفي هذا السياق، استعرض المنتدى في ورقته، معايير المسؤولية البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات، والتي تعتبر معايير قابلة للقياس وقائمة على بيانات تستخدمها الشركات كإطار معياري يحكم أسس إدارتها وممارسات أعمالها، والتي تتضمن 3 محاور أساسية، وتتمثل بـ: المحور البيئي، والاجتماعي، والحوكمة.
ويسعى المحور البيئي إلى توفير معلومات حول المخاطر البيئية والفرص المتاحة للحد منها، وآلية إدارتها لتلك المخاطر مثل: التغير المناخي، وندرة الموارد الطبيعية، والتلوث البيئي، وعوادم النفايات، وانعكاسات أنشطة الشركة على البيئة والمناخ.
فيما يسعى المحور الاجتماعي إلى توفير معلومات حول القيم التي تتمسك بها الشركة وعلاقة الشركة التجارية بقضايا مرتبطة في معايير العمل، وسلاسل التزويد، وسلامة الموظفين، وجودة المنتج، والاحتفاظ بالخصوصية، والأمور المتعلقة بأمن المعلومات، إضافة إلى السياسات الأخرى التي تعنى بالتعددية والتنوع والمساواة.
في حين يشمل محور الحوكمة المعايير المتبعة في حوكمة الشركة من حيث تشكيلة مجلس الإدارة وهيكلته، واللجان المنبثقة عنه، وهيئة المديرين وتعويضاتهم، والبيئة الرقابية، وأسس الإفصاح والشفافية، وحقوق المساهمين والشركاء.
وأكد المنتدى أن امتثال الشركات إلى معايير المسؤولية البيئية والمجتمعية والحوكمة، سينعكس إيجابًا على أعمالها من خلال زيادة الإنتاجية وتخفيض التكاليف، وتسهيل عمليات التمويل وزيادة فرص الاستثمار في الشركة، وكذلك تعزيز قدرتها على إدارة المخاطر المحتملة، ما يؤدي إلى ازدياد شهرة الشركة ورفع القيمة المضافة لعلامتها التجارية.
وحول مساعدة الشركات في إعداد التقارير حول المسؤولية البيئية والمجتمعية والحوكمة (ESG)، بينت الورقة أن هناك العديد من المؤسسات الدولية التي تهتم في هذا الشأن، وقامت بتطوير أطر عمل موحدة وشفافة حول الإبلاغ عن ممارسات المسؤولية البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات (ESG)، ما أعطى المرونة لتبني المعايير المناسبة بحسب كل دولة.
وفي الإطار ذاته، أوضحت الورقة أن الأسواق المالية تنشر واحدًا أو أكثر من هذه المبادرات على شبكاتها، فعلى سبيل المثال، في الأردن، تنشر بورصة عمان المبادئ التوجيهية المُعدة من المبادرة العالمية لإعداد التقارير فقط.
كما أشار المنتدى إلى أن مبادرة أسواق الأوراق المالية المستدامة جاءت كمبادرة تعمل على تبني الأسس السليمة في تطبيق معايير الممارسات البيئية والمجتمعية والحوكمة، والتي تستند إلى برنامج تشاركي مع الأمم المتحدة، حيث تتمثل مهمة مبادرة أسواق الأوراق المالية المستدامة في توفير منصة عالمية لمختلف البورصات، لتعزيز أداء الشركات في تبني المعايير التي تعكس آلية تطبيق المسؤولية البيئية والمجتمعية والحوكمة ولتشجيع مبدأ الاستدامة بما في ذلك تمويل أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وذلك من خلال التعاون مع المستثمرين والشركات المساهمة والهيئات الرقابية ومتخذي القرارات والمؤسسات العالمية ذات العلاقة.
واستند المنتدى في ورقته إلى قاعدة البيانات التي تحتفظ بها منظمة مبادرة أسواق الأوراق المالية المستدامة (SSE)، مشيرة إلى وجود 120 بورصة شريكة في المبادرة تمثل ما مجموعه 62279 شركة مدرجة، كما أن هناك مجموعة من الأدوات التي تساعد الشركات على الامتثال للمعايير البيئية والمجتمعية والحوكمة في الأسواق العالمية، إلا أن الدول تلتزم ببعض من هذه الأدوات وليس جميعها، وما يزال التزام الدول العربية بشكل عام بهذه المعايير متواضعاً، حيث لا يوجد في أي من أسواق البورصات العربية قسم خاص يعنى بإدراج السندات التي ترتبط بعوامل الاستدامة، أو ما يعرف بسندات الاستدامة.
وفي السياق ذاته، أوضحت الورقة أن سوق عمان للأوراق المالية ينشر دليلاً إرشاديًّا حول إعداد تقرير الاستدامة فقط؛ في حين أن أسواق البورصة في أبو ظبي ودبي ومصر والمغرب تلزم الشركات بتوفير تقارير المسؤولية البيئية والمجتمعية والحوكمة لإدراج أسهمها فيها، كما أن أسواق البورصة في أبو ظبي ومصر والمغرب تطبق الحد الأدنى الإلزامي لتعيين النساء في مجالس الإدارة.
وبحسب المنتدى، فإن أهم العوائق التي تمنع الشركات من التقدم في القضايا البيئية والمجتمعية وقضايا الحوكمة تتمثل في 4 عوائق رئيسية بالاستناد إلى نتائج الاستطلاع الذي أجرته الشركة، والتي تتمثل في القدرة على الموازنة بين الاحتياجات الاستثمارية للنمو والاحتياجات الاستثمارية لتعزيز المسؤولية البيئية والمجتمعية والحوكمة، وغياب المعايير الموحدة لإعداد التقارير وتعقيدها، إضافة إلى قلة الاهتمام أو الدعم من القيادات العليا، وتقلب المتطلبات الرقابية.
وبين المنتدى أن تطبيق المبادئ التوجيهية المتعلقة بالممارسات البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات ليس بالأمر السهل، حيث أن القضايا التي تغطيها هذه المبادئ متعددة وذات أبعاد مختلفة، ما قد يستغرق الشركات في الأردن بعض الوقت للامتثال بها، فهي بحاجة إلى تحديد الآلية المناسبة لها لتجميع المعلومات الضرورية، واستحداث طرق قياسها، والإفصاح عن البيانات بدقة، من أجل أن يتسنى لقادة تلك الشركات، والمساهمين، والمستثمرين، التحقق من الامتثال بها بما يخدم المجتمع ككل، إلا أنه وفي الوقت ذاته قد يكون الامتثال ببعض تلك الأدوات سهل التطبيق في الأردن، كتمثيل المرأة في مجالس الإدارة، الذي يسهم إسهامًا كبيرًا في تعزيز المشاركة الاقتصادية للمرأة.
كما أشارت الورقة إلى أن تبني بورصة عمان لـ"منصة الشركات الصغيرة والمتوسطة"، من شأنه أن يساهم في إدراج أسهم تلك الشركات الصغيرة والمتوسطة فيها، ما سيرفع من أداء هذا القطاع ويعزز من تنافسيته، فيزيد من فرص إدراج المزيد من الشركات في سوق عمان المالي، خاصة وأن مجموع الشركات المدرجة حاليًّا هو 176 شركة، وتشكل نسبة منخفضة من إجمالي عدد الشركات الخاصة المسجلة لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي وهي حوالي 64228 شركة.
وأوضحت الورقة أنه إذا تم إلزام الشركات بالإفصاح عن الممارسات البيئية والمجتمعية والحوكمة فسيبدأ تطبيقه على الشركات المدرجة في بورصات عمان أولا؛ وبالتالي فإن منصة الشركات الصغيرة والمتوسطة ستعزز من عدد الشركات الملتزمة بهذه المعايير.
وشدد المنتدى على ضرورة البناء على الجهود المبذولة حاليًّا وتعزيزها؛ مثل المبادرة التي تبناها صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي بإصدار تقارير سنوية للاستدامة تلخص أهم الأعمال التي قام بها الصندوق في مجال الاستدامة الاقتصادية والبيئية والمجتمعية، إضافة إلى قيام بورصة عمان بتوقيع اتفاقية مشتركة مع مؤسسة التمويل الدولية، تقوم بموجبها المؤسسة بتقديم الدعم والتدريب لموظفي البورصة والشركات المدرجة فيها لتعزيز المعرفة والوعي لديهم بالمعايير البيئية والمجتمعية والحوكمة، وكيفية إعداد التقارير حول الإجراءات المتعلقة بها، إضافة إلى دعم تطوير وإطلاق دليل الإفصاح المناخي مع البورصة في الأردن، ليكون بمثابة دليل للتنفيذ من الشركات المدرجة.
وأكد المنتدى أن تبني الشركات لمعايير الممارسات البيئية والمجتمعية والحوكمة، سيرفع من سوية الأداء المالي وغير المالي في القطاع الخاص في الأردن، كما سيساهم في تعزيز جذب الاستثمارات الأجنبية (غير المباشرة) في الأوراق المالية للشركات الأردنية الخاصة، مشدداً على أهمية الإسراع في توعية الشركات الأردنية بهذه المتطلبات، وإبراز أهمية وضرورة البدء في التخطيط للامتثال لها.
وفي هذا السياق، أشار المنتدى إلى أن العالم يشارك اليوم في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP27، الذي تستضيفه جمهورية مصر العربية، وبين الدور الذي توليه الأردن بالشراكة مع مصر، والعراق، والإمارات، والسعودية، والبحرين، ودول أخرى لزيادة منعة المنطقة بأكملها، وهو ما أكدت عليه الرؤية الوطنية للتحديث الاقتصادي من خلال محور "الاستدامة" الذي يهدف إلى تلبية الاحتياجات الملحة المرتبطة بتغير المناخ، والأمن الغذائي والمائي، وتوفير الطاقة النظيفة، ما يتطلب جدية تطبيق معايير المسؤولية البيئية والمجتمعية والحوكمة على ممارسات أعمال الشركات في الأردن.