اسحق رابين الاردني يحصل على الجنسية الإسرائيلية
هوا الأردن -
فتح إسحق رابين عينه على العالم بعد ولادة عسيرة ليجد نفسه مسلما . جرى ذلك في بلدة مأدبا الأردنية قبل 18 عامًا، لكن رابين لم يكن يتكلم اللغة العربية. في طفولته تنقّل مع والديه في القرى وفي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، غير أنه قضى أغلب سنوات حياته فيما بعد في إسرائيل ولم يعد يعرف عائلته على الإطلاق.
اتخذ والداه عند ولادته قرارًا شجاعًا فسمياه إسحق رابين ، وهو أسم غيّر مصيره إلى الأبد ودفعت العائلة لأجله ثمنًا باهظًا.
قبل 17 عامًا، حينما أتى إلى العالم، كانت فرحة كبيرة، وفي لحظة – بعد ثلاثة أشهر من اغتيال اسحق رابين – قرر والده رجاوي أن ابنه سيحمل إسم بطل الحرب والسلام الراحل.
انتشر نبأ الإسم الاستثنائي للطفل الأدرني الصغير في أزقة المدينة الصغيرة كالنار في بقايا البيدر، حتى قبيل أن تغادر أمه مريم المشفى. وعوضا عن التهاني، تعرّض الأب رجاوي للضرب في الشارع إلا أنه لم يتراجع، بل كان مصممًا على المضي قدمًا على الرغم من الثمن الذي بدأ يدفعه بسبب سلوكه غير العادي، وما فتئ يقول: “لن تجوع عائلتي ولن ينقصها الخبز، وسيساعدنا أهل الخير، وإذا نبذونا، فلا أمانع أن أعيش بتواضع”. تلك هي الحال التي تجوّل فيها مع زوجته عبر البلدة بوجه تملؤه البهجة، داعيًا كل من ثار فضولهم لإلقاء نظرة على الطفل ممتلئ الجسم وهو يرتدي ملابس عيد زاهية.
البشارة الأولى، فقد الأب عمله !
طارت الأخبار حتى وصلت مزرعة مأدبا الكبيرة حيث كان يعمل رجاوي، وحال عودته إلى عمله كفلاح في المزرعة، استقبله صاحبها بدشٍ باردٍ وطرده من عمله على الفور.
وزارة الداخلية في مادبا رفضت هي الأخرى منح الطفل شهادة ميلاد بالإسم الذي اختاره الأب، وعرضوا على رجاوي أن يُطلق عليه الإسم العربي المسيحي “اسحق”. في المعركة القانونية كسب الدعوى محام محلي ، كان قد تطوّع بشكل سري وأقام الدعوى على دائرة التسجيل المدني والوثائق، . بعد شهرين ، جرى تسجيل الطفل أمام عدسات الكاميرات بإسم إسحق رابين رجاوي نماسي والإعتراف به “طفلا شرعيا”.
أعلن والده بانفعال أنه سعيد جدًا ، إلا أن الصحف الأردنية لم تنقل ذلك عنه، بل خرجت بمانشيتات عريضة : ”اسحق رابين الأردني وُلد في وسط عار كبير”، واضطرت العائلة إلى الرحيل من مادبا إلى مخيم لاجئين فلسطينيين في الرصيفة والعيش في الخفاء. ومن هناك، كانت الطريق إلى الفرار إلى إسرائيل أمرًا حتميًا.
بعد حوالي 18 عامًا، يُقيم الشاب الأردني اسحق رابين في إيلات ويستمع لأول مرة لقصة الرحلة التي خاضها والداه اللذان تواريا عن الأنظار نتيجة التهديدات اللتي تعرضا لها. رغم رحلة عذابهما الطويلة بين القرى، وهما يطردان عنها بغضب، رفضا بعناد المقترحات لتغيير إسم الطفل المشكلة.
“أنا سعيد لأننا هاجرنا إلى إسرائيل وفخور بما أنا عليه الآن”.
بهوية وبحياة جديدتين بدأت العائلة تشق طريقها في إسرائيل، وهنا أيضًا كانت الصعوبات كبيرة جدًا. فقد تفككت العائلة قبل خمس سنوات، وطُلق الوالدان، ورغم الاضطرابات والدخل المحدود، فإن اسحق رابين لا يتذكر صعوبات في التكيّف مع البيئة الإسرائيلية. “لم يسخروا مني أبدًا أو ينبذوني بسبب إسمي أو بسبب قدومي من الأردن. كان لي أصدقاء دومًا، يناديني حاليًا بعضهم رابين، أما البعض الآخر فيناديني إيتسيك”.
رابين متفائل وقانع بنصيبه، “حياتي معقولة في المجمل”، كما يقول. “صحيح أنّ وضعنا المالي لم يكن ميسّرا، إلا أننا كنا نعيش ونتدبّر أمرنا. وأنا اليوم لست غاضبًا بشأن الخيار المصيري الذي اتخذه والداي. بل على العكس، أنا سعيد لأننا هاجرنا إلى إسرائيل وأنا فخور بما أنا عليه الآن”.
حتى يومنا هذا، لا يعرف إسحاق قصته الكاملة الفريدة. “ليس لدي أي ذكرى عن الأردن، هي غريبة تمامًا بالنسبة لي”، كما يقول، “لم يخبروني بالتفاصيل بالضبط وأنا لم أسأل أكثر مما يجب. أعلم أن لوالدتي عائلة كبيرة هناك، ولكنني لا أعرفهم وليس لديّ ارتباط عاطفي بهم. لا يمكننا زيارة الأردن لأن جوازات سفرنا لم تعد صالحة ولا أستطيع التحدث معهم على الهاتف أيضًا، لأنني لا أتكلم العربية”.
عندما كان صغيرًا فقط عوّده والداه على اللغة العبرية، وتعلّم اللغة العربية في المدرسة باعتبارها دراسة إلزامية. قد يبدو هذا غريبًا، إلا أنه يقول إنه واجه صعوبة بالغة في تعلّم الحروف والكلمات الجديدة.
“حلمي أن أخدم في جيش الدفاع الإسرائيلي”
الآن، وبعد أن ترعرع ونضج كإسرائيلي بكل معنى الكلمة، لديه طموحات لعيش حياة متواضعة وطبيعية. يأمل في أن يتزوج، ويحلم بأسرة يُنشئها بنفسه، ويريد أن يتعلم مهنة وأن يذهب إلى العمل كل صباح. “قبل كل شيء، أريد أن أخدم في جيش الدفاع الإسرائيلي. ذلك هو حلمي، أكثر من أي شيء آخر”.
في نهاية يناير/ كانون الثاني يبلغ أسحاق رابين 18 عامًا من العمر، وقد تلقى جميع أقرانه وزملائه فعلاً أمر التجنيد الأول والثاني، وما زال هو ينتظر. “أريد أن أخدم وأن أساهم على أفضل وجه. لقد منحتني الدولة على مدى 17 عامًا مسكنًا وأمنًا، والآن أريد أن أرد كل ما أدين به وأيضًا أن أدافع عن أقرب الناس لي”. هو يأمل أن يُقبل قريبًا طلبه ووالدته بأن يصبحا مقيمين دائمين في البلد الذي ارتبط مصيرهما به، وعندها، سيكون كل شيء على ما يرام على حد تعبيره.
عن صحيفة “يديعوت أحرونوت”