الخطيب تفند بالوثائق رواية الحكومة حول "صفقة البحر الميت"
كشفت رئيس هيئة مفوضي المناطق التنموية والحرة المستقيلة، مها الخطيب، عن العديد من الوثائق الرسمية التي تؤكد تعرضها لضغوط، تتضمن نبرة شديدة، من قبل رئيس الوزراء ووزير اقتصادي ونائب حالي ومسؤولين آخرين للموافقة على بيع أراض في منطقة البحر الميت التنموية بسعر أقل بكثير من قيمتها الحقيقية.
وأكدت الخطيب، في مقابلة مع "الغد"، أن "الهيئة لم تعرض بيع أراض في منطقة البحر الميت على مستثمر أردني/ نائب، بسعر 75 ألف دينار للدونم، خلال العام الحالي، وأنها أحالت إلى مجلس الوزراء موضوع القضية لاتخاذ ما يراه مناسبا باعتباره صاحب الولاية العامة، لأن "الهيئة" وشركة التطوير يتعذر عليهما الموافقة على عملية في ظل وجود لجنة تقوم بتقدير السعر السوقي للأراضي ليتم البيع على أساسه"، نافية بذلك ما ورد على لسان وزير دولة لشؤون الإعلام، الدكتور محمد المومني، عندما تحدث عن عرض هيئة المناطق التنموية لسعر 75 ألف دينار على المستثمر/ النائب.
وبحسب الخطيب، يبلغ سعر الدونم في تلك المنطقة حوالي 250 ألف دينار، مشيرة الى أن صفقة بيع أخرى تمت لقطعة أرض مجاورة بسعر 250 ألف دينار للدونم.
وحاولت "الغد"، الاتصال أكثر من مرة بالمستثمر/ النائب، إلا أنه لم يرد على اتصالاتها المتكررة.
وأكدت الخطيب، بالوثائق، أن "رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور هو من عرض عليها التفاوض مع المستثمر/ النائب على سعر 75 ألف دينار للدونم، مع إمكانية التقسيط، وذلك بعد أسبوعين من تعيينها في المنصب (قبل 4 أشهر)، وبحسب كتاب صادر عن رئيس الوزراء، علما بأن الهيئة كانت عرضت بيع سعر دونم الأرض بالمبلغ المذكور على المستثمر/ النائب في العام 2010 إلا أنه رفض ذلك".
وأشارت الخطيب إلى أن "تدخل" رئيس الوزراء عبر تحديد سعر الأرض لم يكن مناسبا، ووصفت الكتاب الصادر عن رئيس الوزراء بأنه "خطأ" ولم يكن من المناسب صدوره في ظل وجود آلية واضحة لتقدير أثمان الأراضي في المنطقة، حيث هنالك لجنة مكونة من مندوب عن هيئة المناطق التنموية والحرة، ومندوب عن شركة تطوير البحر الميت، ومندوب عن دائرة الأراضي والمساحة.
وأشارت الى أن "نقابة المهندسين عرضت على الهيئة أخيرا، شراء أرض، ضمن المنطقة التنموية وتم تخمين الأرض، وهي أرض تقع في آخر البحر الميت، قريبة من مشروع الكورنيش لبناء فندق، قامت اللجنة بتخمين سعر دونم الأرض على أساس سعر 165 ألف دينار".
وبينت أنه جاء أيضا مستثمر قطري يرغب بالاستثمار في المنطقة في مكان قريب من أرض المستثمر (صاحب القضية) وقامت "الهيئة" بتخمين الأرض للقطري بسعر 250 ألف دينار للدونم.
ونفت الخطيب قيام "الهيئة" بالتعامل مع المستثمر صاحب القضية والذي يرغب في شراء الأرض بأقل من سعرها الحقيقي.
وتم الرد على كتاب رئيس الوزراء من قبل الهيئة بأن "عقد التطوير يُلزم بيع وشراء الأرض من قبل شركة التطوير، وتوجد آلية لتخمين الأراضي من قبل شركة التطوير، وإذا أرادت الحكومة إعطاء المستثمر الأرض يجب أن يمر ذلك على لجنة التخمين".
وأكدت الخطيب أنها تعرضت لضغوطات من جهات مختلفة، حكومية، من بينهم وزير اقتصادي حالي، يطلب منها الموافقة على بيع الأرض بسعر 75 ألف دينار للدونم، لافتة الى أن الوزير زارها في مكتبها لهذا الهدف.
الخطيب تشرح تفاصيل القصة التي بدأت في العام 2005، إذ كان هناك مجموعة مكونة من 6 أشخاص مستأجرين لأراض ضمن منطقة البحر الميت التي تحولت في العام 2008 الى منطقة تنموية، وفي حينه عرضت الحكومة على المستأجرين شراء الدونم بسعر 17 ألفا في العام نفسه، ووافق المستأجرون كلهم إلا مستثمر واحد هو نفسه المستثمر المذكور في القصة.
وفي العام 2009 تم عرض بيع الأرض البالغة مساحتها 44 دونما على نفس المستثمر مقابل 50 ألفا للدونم الواحد لكنه رفض الأمر.
وتم طرح بيع الأرض عليه مرة أخرى في العام 2010 بـ75 ألف دينار للدونم إلا أنه رفض ذلك أيضا، وفي نهاية 2012 طلب النائب المستثمر شراء الأرض وفقا لعرض 2010 أي بقيمة 75 ألف للدونم، الأمر الذي رفضته الهيئة.
واسترسلت الخطيب، بالشرح مقدمة وثائق، تؤكد أقوالها، إنه قبل نحو شهر تلقت "الهيئة" كتابا آخر من رئيس الوزراء فيه "نبرة شديدة يطلب من الهيئة إعطاء المستثمر حقه دون مماطلة وفي الحال".
وأوضحت الخطيب "مأخذي على الكتاب أن من أشار على رئيس الوزراء به قد أخطأ"، مبينة أنه "يوجد مشكلتان، الأولى تتمثل في اتهام ضمني أن "الهيئة" سلبت حق المستثمر (النائب)، إضافة إلى وجود كتاب مرفق يتضمن استرحاما من المستثمر (النائب) مكتوبا بخط اليد جاء فيه: "الله أكبر على الذين يقفون في وجه الاستثمار، حسبي الله ونعم الوكيل على كل من يعطل الاستثمار، هل نستجير بجلالة الملك أمام الأيدي المرتجفة".
ووصفت الخطيب كتاب رئيس الوزراء بـ"السيئ قانونيا"، سيما أنه "يتخذ موقفا قانونيا، لأنه يعترف ضمنا بأحقية المستثمر (النائب) للأرض، وأن هنالك جهات "تسلب" هذا الحق وأن الهيئة تتعمد مماطلة المستثمر في إعادة حقه له، مشيرة إلى أن الهيئة لا تماطل في اتخاذ الإجراءات إلا إذا كان الشيء غير قانوني".
وقالت الخطيب إنها قامت بعقد اجتماع في مبنى الهيئة، بحضور مديرة الدائرة القانونية، ورئيس مجلس إدارة شركة تطوير البحر الميت ومديرها العام لفتح الموضوع، وتدارس صحة موقف الهيئة القانوني، وهل ثمة مخرج قانوني لهذه القصة، وتم الاتفاق على أنه لا يوجد أي طريقة لقبول عرض المستثمر (النائب).
وبينت الخطيب أنها قامت بالرد على كتاب رئيس الوزراء بالقول إن "الهيئة لا تماطل وإن موقفها القانوني صحيح".
كما قامت بإرسال كتاب آخر إلى رئيس الوزراء أكدت فيه "أن المستثمر(النائب) قد قدم لنا عقد إقالة، وهو نص معتمد عند التحول من مستأجر إلى مالك وعقد آخر معد مع الهيئة".
وأضافت الخطيب أنه "لا يوجد مشكلة بنص الإقالة، ونطلب موافقة مجلس الوزراء بناء على توجيهات رئيس الوزراء بالسعر الذي تم ذكره في الكتاب السابق (75 ألف دينار)، وأرفقت مع الكتاب البند القانوني المتعلق بالأسس المواجب اتباعها لحصول المستثمر (صاحب القضية)، وهو ما يشير إلى أن "الهيئة" لا تسطيع أخذ القرار على أساس السعر المقترح من قبل مجلس الوزراء، ولا حتى شركة التطوير تستطع أخذ مثل هذا القرار، وإذا كان مجلس الوزراء يرغب ببيع الأرض للمستثمر (النائب) بسعر 75 ألف دينار ضمن الولاية العامة فلكم ذلك".
الرد الحكومي، تمثل بتحويل القضية الى لجنة التنمية الاقتصادية في مجلس الوزراء، وعلى إثرها طُلبت إلى اللجنة خلال الأسبوع الماضي، حيث تم شرح القضية، أمام اللجنة التي كان يرأسها وزير الصناعة والتجارة والتموين، بدلا من وزير المالية الذي لم يكن موجودا، إضافة إلى وزير التخطيط والتعاون الدولي، بحضور وزير السياحة، ووزير الطاقة، وخلال النقاش أبدى وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تحفظه على الموافقة على بيع الأرض بسعر 75 ألف دينار، وتم تسجيل تحفظه.
واتخذت اللجنة، وفق الحطيب، قرارا بالتنسيب إلى مجلس الوزراء للموافقة على بيع الأرض رغم إصرار ورفض "الهيئة" بيع الأرض بسعر 75 ألف دينار للدونم.
وقالت الخطيب "يوم السبت الماضي طُلب مني الحضور في اليوم التالي (الأحد) الى مجلس الوزراء لمناقشة قضيتين؛ الأولى تتعلق بتوسعة منطقة البحر الميت التنموية، والأخرى موضوع شركة سنابل (التي يملكها النائب المستثمر وشقيق الوزير الاقتصادي)، التي ترغب بشراء الأرض.
في يوم الأحد ذهبت إلى مجلس الوزراء، وتمت مناقشة القضية الأولى والانتهاء منها والمتعلقة بتوسعة مناطق البحر الميت التنموية، بعدئذ تم التطرق إلى مناقشة القضية الثانية، ولم يكن هناك مجال للتحفظ من قبل الوزراء، وطُلب مني إعطاء شرح عن القضية، فأعطيت وجهة نظري، ولكن كان عند دولة الرئيس وجهة نظر مغايرة، وكان يطالبني بإيجاد حل للقضية، ويقول لي "أنت حليها"، قلت له "لا حل لدي، ما لدي هو عقد يجب أن نلتزم به"، عندها أشار رئيس الوزراء "إلى ضرورة عدم تعطيل الاستثمار"، فأجبته إلى أن ما يجري ليس تعطيلا للاستثمار، وهذا عقد إذا أردتم تغييره فغيروه، وإذا لم تعجبكم آلية التقدير فغيروا العقد، ونجعل آلية تقدير الأراضي في منطقة البحر الميت التنموية بيد رئيس الوزراء، أو وزير المالية، أو عند أي كان، لكن ضمن العقد المعمول به حاليا لا يمكن التصرف بغير ما يجب أن نقوم به قانونيا"، قلت رأيي بصراحة، والرئيس لم يكن مسرورا، بعدئذ فُتح باب النقاش بالموضوع بشرط، أن لا يتكلم من يعارض قرار البيع، فيما أتاح فرصة الحديث لمن يؤيد قرار البيع!.
وأضافت الخطيب "لم يتحفظ أي من الوزراء، ولم يتم اتخاذ أي قرار بخصوص القضية أثناء وجودي لأنني سرعان ما خرجت من الجلسة، الجو كان مشحونا ومتوترا، كان العديد من الوزراء محرجين، لا يستطيعون التفوه بأي كلمة، ممنوعين من الكلام، إلا المؤيدين، وكان الرئيس يسأل الوزراء أأنت مؤيد؟، فإن أجاب بالإيجاب سُمح له بالكلام، وإلا لا مجال لحديث المعارضين.. الغالبية لم تتحدث، فيما تحدث وزيران فقط"، بحسب الخطيب.
وقالت الخطيب "قبل خروجي بلحظات تقدم وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء، الدكتور أحمد زيادات، بمداخلة قانونية، وهو شخص متمرّس بالقانون ومحام، وذلك تفاديا لتسرع الرئيس باتخاذ القرار، لأن الرئيس حينها كان يلخص القضية تمهيدا لاتخاذ قرار بالقضية، وقال زيادات، في مداخلته، أعتقد أننا من الضروري أن نتمهل، لأنه ليس من صلاحيات رئاسة الوزراء اتخاذ مثل هذا القرار، لكن الرئيس لم ينصت لمداخلته!".
وعند سؤالها عن أطراف القضية، هل هم متنفذون من نائب ووزير حالي، أجابت الخطيب: "هذا كلام دقيق"، مستأجر الأرض نائب حالي، ومعه شريك، هو شقيق وزير حالي، كان يضغط بقوة من أجل حصول الموافقة على بيع الأرض.
وانهت الخطيب المقابلة بالقول انه لا عودة عن استقالتها مؤكدة "ان رئيس الوزراء لا يستطيع تمرير قرار بيع الاراضي الا بشكل غير قانوني ولا يكون ذلك القرار صحيحاً الا بموافقة "الهيئة" او شركة تطوير البحر الميت وقالت ان تمرير القرار يتوقف على حكمة مجلس الوزراء وبوجود الدكتور زيادات يجب الا يمر القرار، انا بموقفي هذا قد حميت رئيس وزراء المملكة الاردنية الهاشمية من نفسه ويجب ان يشكرني على موقفي".
tareq.aldaja@alghad.jo
raddad.algaraleh@alghad.jo
tareq_aldaja@
raddadg@