الأردن لا يريد مواجهة ضد الأخوان وقطر والسفير يعمل بصمت
يمتنع السفير القطري في الأردن زايد بن سعيد عن الإيقاع الإعلامي وهو ينفذ زيارات ‘خاصة’ لمصلحة بلاده في عمان طوال الأسبوعين الماضيين في إشارة متنامية على ‘حراك ما’ يحصل خلف الأضواء ويتعلق حصريا بملف العلاقة السياسية التي كانت دوما ‘باردة’ بين قطر والأردن.السفير المعروف بدبلوماسيته الشديدة ولباقته عند الحديث عن الأردن والملك عبدلله الثاني زار علنا على الأقل مؤخرا رئيس الوزراء الدكتور عبدلله النسور ورئيس الديوان الملكي الدكتور فايز طراونة.
ورغم أن طراونة لا يمثل جهة صاحبة قرار في السلطة إلا أن الحركة النشطة لسفارة قطر في عمان توحي أن البلدين يتبادلان ‘الرسائل’ بهدوء وعن بعد ودون ضجيج وكذلك دون اتضاح المرامي والأهداف والمضامين.قبل زيارات السفير تبادل وزير الداخلية الأردني حسين المجالي في اجتماعات مراكش مجاملة من وزن ثقيل فوق العادة خلال لقاء عابر مع نظيره القطري عبدلله بن ناصر وهو أيضا رئيس الوزراء.
هذه التناغمات على الأرجح نمت قليلا وبددت الفراغ الذي عانت معه العلاقات بين البلدين مؤخرا بعد البرنامج السعودي- الإماراتي الضاغط بشدة على دولة قطر تحت عنوان أجندة سياسية قوامها جماعة الأخوان المسلمين وموقف الدوحة من دعمها سياسيا وماليا والأهم إعلاميا.لم تعرف بصورة محددة بعد تفاصيل وحيثيات وخلفية التواصل القطري ـ الأردني الأخير لكن الفرصة مواتية بإجماع المراقبين لإنعاش خطوط الإتصال بين البلدين على أنقاض الأزمة الحالية في النادي الخليجي وهي أزمة لا يخفي الأردنيون إهتمامهم الشديد بها.
عندما بدأت ملامح الأزمة الأولى بين السعودية وقطر شعرت غرفة القرار الأردنية فورا بخطورة وحساسية موقفها ليس فقط لأن عمان لا تريد انشقاقا وخلافا في منظومة الخليج يؤثر على علاقاتها ومصالحها الحيوية ولكن أيضا- وهذا الأهم- لإنها لا ترغب في أن تكون المحطة التالية في برنامج التشدد السعودي ضد الأخوان المسلمين تحديدا.
عمان سياسيا تحت انطباع أن نجاح السعودية في ‘إخضاع′ دولة قطر فيما يتعلق بالإنفتاح على الأخوان المسلمين ودعمهم والتعامل معهم سيعني الإنتقال وفورا للحلقة الثانية من مسلسل التشدد السعودي التي سيكون موقعها المرجح الحالة الأردنية والنسخة الأردنية من جماعة الأخوان المسلمين.
هنا بصورة مباشرة يمكن رصد نقطة مصالح مشتركة بين عمان والدوحة فكلاهما يدوران في الفلك السعودي لكنهما سيواجهان مخاطر أساسية واستراتيجية إذا ما تقرر الخضوع للظل الثقيل الذي أنتجه قانون سعودي يصنف الأخوان المسلمين باعتبارهم جماعة إرهابية.
القيادي البارز في الحركة الإسلامية الشيخ حمزة منصور حذر في اجتماع داخلي للتقييم في مجلس شورى جبهة العمل الإسلامي من ‘نمو وتطور’ الإستراتيجية السعودية المعادية لأنها قد تصل إلى الأردن وبلاد الشام بعدما استوطنت في السعودية والإمارات وتدخل ببطء إلى ساحة الكويت.على هذا الأساس إقترح منصور التشبث بخطاب غير تصعيدي وهادئ وناعم داخل الأردن وتجنب استفزاز النظام والسلطة والحكومة بالتوازي مع مراجعة شاملة لأداء وخطاب الحركة الأخوانية.
بالقرب من رئيس الوزراء النسور يجلس بعض المستشارين في حالة توجس تامة من أن يفاجئ الشقيق السعودي ‘الممول الأبرز للأردن’ المملكة بمطالبات مباشرة ضد الأخوان المسلمين تدعو لحظر جمعيتهم في الأردن أو تربط المساعدات المالية بخطوة من هذا النوع.هذا التوجس لا يشارك فيه رئيس ديوان الملك طراونة المصنف كأبرزمحرض ضد الأخوان المسلمين في الإجتماعات الداخلية يتحالف معه أحيانا إستثمارا للموسم السعودي بعض خصوم الحركة الأخوانية في مؤسسات القرار الأردنية وتحديدا في مجلس الأعيان.
حتى اللحظة لا يرى القصر الملكي الأردني مبررا للضغط على الأخوان المسلمين محليا ولا لاستهدافهم فيما يحذر مستشارون كبار من أن موجة تسونامي السعودية ضد أخوان الأردن آتية لا ريب فيها ومباشرة بعد التفرغ من ‘إخضاع′ البوصلة القطرية وضمن سياقات ابتزازات مالية مكشوفة.
هذه المساحة من التوجس والمخاوف هي التي تجمع على الأرجح ومن باب التحليل السياسي بين قطر والأردن وتبرر بالتالي الإتصالات والمجاملات التي جرت على أكثر من صعيد مؤخرا وهي نفسها الهواجس التي دفعت القصر الملكي الأردني لطلب مقابلة جون كيري في العقبة بإلحاح حتى يتدخل الرئيس باراك أوباما شخصيا في الأزمة الخليجية وحتى تصبح الأجواء مواتية لمصالحة قطرية- سعودية تتطلبها اليوم المصالح الإستراتيجية للدولة الأردنية.
الدوحة بدورها تستعين في هذه الأوقات ‘بأي صديق متفهم’ ورسالة السعودية إلى عمان وصلت لأرفع القنوات بعنوان: نتوقع من الأردن أن يوقف محاولات الوساطة ويقرر الإنحياز فقط لنا في السعودية ولا مصالحة مع الدوحة إطلاقا قبل إنفاذ ستة شروط…المعنى أن السعودية تتوقع من الأردن مبكرا الإنضمام لحفلتها ضد قطر والأخوان المسلمين.
عمان لا تريد الظهور على مسرح الأحداث مباشرة عندما يتعلق الأمر بالخلافات الداخلية الخليجية وتحلم بنهاية الأزمة حتى لا تكون كما أشير سابقا موقعا لعرض الحلقة الثانية من مسلسل التصعيد ضد الأخوان المسلمين في حال الفراغ من السيناريو القطري.