الرزاز والممارسة الفضلى
لقد جاء تشكيل اللجنة الملكية لتقييم التخاصية في الأردن من قبل جلالة الملك عبد الله الثاني إستشعاراُ منه بإنقسام المجتمع الأردني حول نهج الخصخصة الذي أختطته الدولة الاردنية مع بداية تسلم جلالته لسلطاته الدستورية، فقد كان منا من هم متحمسين له، ويرون فيه وصفة لتحرير الإقتصاد من قيود القطاع العام وتوفير السيولة النقدية للخزينة، وكان منّا معارضون للنهج من منطلق فكري مُعزّز بالشكوك من توفر البيئة الخصبة للفساد في ظل حداثة التجربة وقصور التشريعات عن مواكبة هكذا نقلة جوهرية في النهج الذي اختطته المملكة منذ تأسيسها. ولقد قام دولة رئيس الوزراء/ الدكتور عبد الله النسور بالتنسيب بأسماء اللجنة بتاريخ 14 كانون الثاني 2013 برئاسة الدكتور عمر الرزاز، وعضوية كل من د. فهد الفانك و د. إبراهيم سيف والسيد إبراهيم دبدوب والدكتور عتيقة ممثلاً عن مؤسسة التمويل الدولية وممثل عن البنك الإسلامي للتنمية وممثل عن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية. واستقال منها الدكتور فهد الفانك، وهو موقف نحترمه نظراً لرأيه المؤيد للخصخصة، مما يُضفي على موقعه الإنحياز المسبق. إن من قام بالخصخصة هي الحكومات المتعاقبة والتي نعلم جميعاً بأنها مسيّرة في الإستراتيجية ومخيّرة في التكتيك، فهل جائت تشكيلة اللجنة محايدة بالفعل في غياب شخصيات إقتصادية وطنية تحمل توجهات مغايرة لأصحاب المعالي والسعادة أعضاء اللجنة. إن الإستماع لحديث دولة رئيس الوزراء من خلال ما تيسر في نشرة أخبار الثامنة على التلفزيون الأردني (كوننا غير مدعوين لحضور المؤتمر على الرغم من اننا تطرقنا الى هذا الموضوع بأكثر من عشرة مقالات متخصصة من خلال المواقع الإليكترونية، نافذتنا الوحيدة لعرض الرأي الآخر) يفيد بأن دولته ركز على أن إختيار أعضاء اللجنة جاء من شخصيات محترمة لم يكن لها دور في أي من عمليات الخصخصة التي تمت بين الأعوام 1989 حتى تاريخ التقرير، إلا أن المطلعين يعرفون بأن مؤسسة التمويل الدولية IFC قد أشرفت على إتفاقية البناء والتشغيل ونقل الملكية لمطار الملكة علياء الدولي. إن إنتقادنا هذا لا يغير من موقفنا المعلن من خلال مقالة سابقة يمكن الرجوع اليها بعنوان (المطار التنموي) حيث إمتدحنا هذه العملية وأعتبرناها مثالاً ناجحاً لعملية الخصخصة، وهو نفس الإستنتاج الذي خلصت اليه اللجنة الموقرة. إن ملاحظتنا تشير الى الإنحياز المسبق لبعض أعضاء اللجنة مما إنعكس على مخرجات التقرير بالإشادة المستمرة بهذا المثال دون النظر الى العديد من الملاحظات التي ظهرت أثناء تطبيق الإتفاقية ومنها على سبيل المثال شبهة الفساد في إعادة تأهيل المدرج الشمالي للمطار وغيرها قيد البحث من قبل أهل الإختصاص. لقد تأخرت اللجنة في إنجاز المهمة الموكلة اليها والتي حددها كتاب التكليف السامي بستة أشهر بمقدار الضعف، فهل إنعكس هذا التاخير على توصيات اللجنة في ظل تراجع الحراك الشعبي الذي ما أنفك يطالب بحل لغز الخصخصة التي أثرى بموجبها البعض، وأفقر بفعلها الكثيرين. كما أن نطاق عمل اللجنة لم يشمل إتفاقية بيع أراضي ميناء العقبة على الرغم من أنه الميناء الوحيد في الأردن وهو مرفق عام حسب مفهومنا لنص المادة 117 من الدستور. فما السبب في عدم تطرق اللجنة لهذا الموضوع الهام. لقد أصدرت المحكمة الدستورية والتي جاء تشكيلها كأحد مخرجات عملية الإصلاح في البلد، أول قرار لها والقاضي بما يلي: إن العقود التي تتضمن جواز إجراء التعديلات دون الرجوع إلى مجلس الأمة والحصول على موافقته عليها تعتبر مخالفة للدستور وغير نافذة. إن تقرير اللجنة الذي يشير في المادة (6) من التوصيات في الجانب التشريعي والمؤسسي وهي كالتالي إقتباساً: ضرورة الإلتزام بأحكام الدستور نصاً وروحاً، لقد إقتربت السلطة التنفيذية وفي بعض الحالات من مخالفة المادة 117 من الدستور الأردني ... الخ. فهل تنسجم هذه التوصية مع القرار الأول للمحكمة الدستورية بعدم جواز نفاذية هذه العقود، وهو عقد بيع حصة الحكومة في شركة الفوسفات. ألا تعتبر توصية اللجنة هذه بمثابة لي لعنق نص الدستور وإنتهاك لقرار المحكمة الدستورية، وفهمنا للغة العربية بما جاء في توصيتكم (إقتربت الحكومة من مخالفة) أنها لم تفعل المخالفة، وهذا حكم وليس توصية، كنا نرجوا منكم عدم السقوط بهذا الخطأ الجسيم. لقد أعترف التقرير (على إستحياء) بوجود خلل في عملية بيع ما نسبته 37% من أسهم شركة مناجم الفوسفات، ولم يتطرق التقرير الى الرجل الغامض بسلامته (كاميل) شريكنا المالي الذي يقطف سنوياً ما يعادل حصته من أرباح الشركة. فهل نفهم من التقرير بأن ما فات مات، وعفى الله عما مضى، أم أنها دعوة للتحقق من الشبهة الدستورية لعملية البيع برمتها، مما يفتح الباب أمام إلغائها ولا سيما أن الشريك المزعوم هو مستثمر مالي غير متخصص ولم يضف للشركة المعرفة التقنية المرجوة لإستغلال الفوسفات الأردني بالشكل الصحيح. إن القارئ لملخص التقرير يشعر بأن هناك روح نقدية تُشكر اللجنة عليها، والأهم أن يكون التقرير متاحاً لمن رغب بالإطلاع على المزيد من المعلومات، ولا سيما من الأكاديميين في الجامعات الأردنية عملاً بنهج الشفافية التي دعت اليها اللجنة، وأن يتم تصميم برنامج تنفيذي تحدد به الجهة المسؤولة عن التنفيذ وبالوقت المحدد، هذه هي الممارسة الفضلى Best Practice التي نرنو اليها وأن لا يبقى التقرير حبيس الأدراج. وفي الختام، نرجو ممن يقرأ، أن ينظر الى هذه المقالة كإنارة إضافية لما يحدث على الساحة الأردنية من حراك يصب في تصويب المسيرة، فنحن جميعاً في مركب واحد وسيكون لنا نصيب من الخير إن تقدمنا على طريق التنمية الإقتصادية، وسينعكس الفشل لا سمح الله على حياتنا وينغصها، مما يعرض السلم الإجتماعي للخطر فنصبح أكثر ضعفاً تتلاطمنا الأمواج في محيط هائج ومائج.