بروز واضح لطاقم ليبرالي وشاب في مؤسسة الحكم
بسام روبين
الأخبار التي يمكن تتبعها من النخبة الكلاسيكية في مؤسسة القرار والحكم الأردنية لا تبدو مريحة عموما مع تباعد ‘المسافة’ بين عدد من كبار السياسيين والمسؤولين من رموز الحرس القديم واللغة العصرية التي تتحدث بها مؤسسة القصر نفسها. إنحيازات وتقلبات ومزاجات جديدة باتت تحكم طائفة واسعة من الطيف النخبوي الأردني حيث تتبدل مواقف ويميل البعض للمناكفة والمعارضة وحيث يمكن رصد تباين ملموس في مستوى الإتساق العام عند التطرق لبعض التفاصيل.
سوء الإتصال وارد كسبب مرجح وسوء التواصل مع التيار الليبرالي الشاب الذي يعتمد عليه حاليا من الأسباب المرجحة.
المثال الأبرز تمكن مراقبون من رصده عندما وجهت الأصابع عمليا باتجاه شخصيات بارزة فيما يتعلق بالإنزعاج الملكي من إسطوانة ‘الوطن البديل’.
حصل الأمر بعد محاضرة شهيرة لرئيس الحكومة الأسبق معروف البخيت حذر فيها من ‘أوسلو2′ ومن قنوات سرية تفاوضية يمكن أن تؤذي الأردن وتهدد مصالحه.
المحاضرة أقلقت الرأي العام الأردني ونتج عنها تشكيل العديد من خلايا العمل التي ستعمل في الشارع ضد مشروع غامض يحمله وزير الخارجية الأمريكي جون كيري.
المنطق نفسه في القلق على المصالح الأردنية العليا نتج عن تصريحات وتعليقات ونقاشات في غرفة مجلس الأعيان التي يترأسها المخضرم عبد الرؤوف الروابدة .
إزاء إطلاق آراء تثير القلق من مستشارين كبار في مجلس الأعيان قرر الملك عبدالله الثاني إجراء سلسلة مقابلات معمقة بدأها بلقاء حضره كل من البخيت والروابدة وتحدث فيه الملك عن مروجي فتنة الوطن البديل وتوعدهم.
في اللقاء سأل الملك الشخصيات الموجودة خصوصا من مجلس الأعيان عن تعليقاتهم على الموضوع وطالب الموجودين بالإدلاء برأيهم مما اعتبره الحاضرون إشارة إنزعاج ملكية مباشرة لأعضاء في مجلس الأعيان.
في اليوم التالي مباشرة تصرف كل من البخيت والروابدة بطريقتين.. الأول عبر عن شعوره بأن محاضرته هي المستهدفة بالإشارات الملكية مبديا بعض ‘الإنتقاد الذاتي’ خصوصا وأن المحاضرة لم تكن منسقة مع مؤسسة الديوان الملكي.
والثاني- أي الروابدة سارع لاتخاذ خطوة عملية تظهر السعي لمعالجة الملاحظة التي صنفت باعتبارها نقدية حيث عقد رئيس مجلس الأعيان اجتماعا مع نخبة واسعة من الأعيان لوضعهم في صورة الملاحظات الملكية..لاحقا تقدم الروابدة باسم الأعيان بتصريحات صحافية تعيد إنتاج موقف أو تنطوي على ‘تعديل’ في اللغة المستعملة بالعادة بخصوص ملف العلاقات الأردنية- الفلسطينية.
لا يقتصر الأمر بطبيعة الحال على هذا المستوى من التردد على صعيد النخبة فمدير المخابرات الأسبق والسجين حاليا بتهمة فساد الجنرال محمد الذهبي الذي كان أحد أبرز رموز الحكم في السنوات العشر الماضية تحدثت مواقع محلية عن رسالة من داخل السجن يجدد فيها الولاء ويمتدح القصر ويبدي قدرا من الندم على أمل أن يساعد الأمر شقيقه رئيس الوزراء الأسبق نادر الذهبي في تمرير طلب للعفو الخاص يسمح بمغادرة الجنرال للسجن.
الإضطراب أيضا يمكن تلمسه في المساحة التي احتلها لعقود سياسي مخضرم من طراز طاهر المصري بعد إقصائه من رئاسة مجلس الأعيان لصالح الروابدة وتيار المحافظين.
المصري أبعد أيضا عن مواقع إجتماعية مؤثرة كان يشغلها مثل رئاسة نادي مخيم الحسين وبدأ يثير التساؤلات وهو يلتقي نشطاء من تيار المتقاعدين العسكريين والنقابات المهنية تحت لافتة مشروع وطني بعنوان التصدي لمشروع كيري .
إستدرك الرجل حسب مقربين منه لاحقا وقدّر بأن ‘المعارضين’ بصرف النظر عنهم لا يشكلون بيئة مناسبة لتراثه السياسي فقرر الإبتعاد عن تيارات تناكف الدولة وتوقف عن حضور اجتماعات التصدي لكيري.
الموقف نفسه بالمسطرة إتخذه سياسي وبرلماني عريق بحجم عبد الهادي المجالي في وقت متأخرحيث أبدى عن عدم حماسه لحضور إجتماعات تناكف أو تعارض أو تشاغب بعدما ثبت بأن الأمر غير مجدٍ في الواقع.
قبل ذلك ركب رجل تشريع من الدرجة الأولى هو النائب ورئيس مجلس النواب سابقا عبد الكريم الدغمي جملة واضحة من المناكفة عندما هاجم بشراسة وخشونة وصلت لحد الإتهام بالعمالة زملاء له يؤسسون مبادرة يدعمها بوضوح القصر الملكي.
وقبل ذلك أدار بيروقراطي يملك مالا وفيرا من طراز الدكتور رجائي المعشر عدة وصلات سياسية وإعلامية تشاغب على خطط الملك أو تحاول إحباطها حتى تقرر منحه فرصة إضافية قد تكون أخيرة عبر رئاسة لجنة تهدف لتقييم بعض الإتهامات التي أنتجت أصلا في المجال الحيوي الذي تحرك فيه الرجل في الماضي.
وحده المخضرم جدا زيد الرفاعي ونجله سمير الرفاعي جلسا بعيدا عن كل احتمالات المناكفة ثابتين على اللغة نفسها والموقف والإسناد للخط الملكي وفي كل المجالات فيما بقي أركان بارزون في المؤسسة البرلمانية على الخط نفسه الداعم أيضا لمشاريع الملك والقصر مثل سعد هايل السرور وخليل عطية . هذه الوضعية النخبوية أنتجت واقعا موضوعيا في البلاد تغيرت فيه المعطيات فالمناكفات التي أظهرت التباين بين الخط الملكي وبعض أركان الحكم ورجالاته لم تقفز بالمعنيين إلى الواجهة الشعبية لأن الشارع لا يهضمهم بالعادة .
وكرست بالنتيجة قوة وصلابة ومتانة جبهة البيروقراطي الأذكى في جيله من الحرس القديم ورئيس الوزراء حاليا الدكتور عبدالله النسور الذي أظهر مهارة ملموسة في التعاطي بمرونة مع الخط الملكي الإصلاحي المتدرج وأجاد لعبة التوازنات فحصل على ثقة القصر والبرلمان معا عدة مرات. المسافة التي أصبحت برهانا على حالة ‘قطيعة في التواصل’ مع رموز الحرس القديم نتجت عنها فرص إضافية لتعزيز حضور ونفوذ ‘الجيل الشاب’ من رجال الدولة والحكم.
هنا حصريا يبرز الأداء المنتج والصامت لنخبة من رجال الدولة الأقوياء الذين تمكن الحكم والناس من الإعتماد عليهم على رأسهم مدير المخابرات العامة الجنرال فيصل الشوبكي ومدير مكتب الملك الدكتور عماد فاخوري إضافة لنخب أخرى متخصصة وزاهدة في الأضواء والإستعراض من بينها مدير الأمن العام حاليا الجنرال توفيق طوالبة والدكتور عمر الرزاز رئيس المؤسسة التنموية الأهم التي تحمل اسم الملك.