وثيقة.. أكثر من ربع مليون دينار تكلفة مياومات النواب في 13 شهراً
بدا المشهد في غاية الصعوبة. فمجرد التفكير باقتحام خزانة الأسرار الحديدية الخاصة بسفر النواب إلى الخارج، يحاكي مغامرة تعرف منها متى تبدأ، لكنك لن تعرف لها نهاية.
الأبواب المغلقة رافقت تفاصيل هذا التحقيق – الذي بدأ مع افتتاح الدورة غير العادية الأولى لمجلس النواب الجديد يوم 10 شباط/ فبراير 2013 ولغاية 10 آذار 2014، وعلى مدى 13 شهرا متواصلة كان مجرد فكرة ملاحقة سفر النواب وتكاليف رحلاتهم الى الخارج وكأنه مغامرة تحفها المخاطر من كل جانب، ولا تشي أبدا بأن ثمة نجاحا سنلقاه في النهاية.
كانت فكرة هذا التحقيق تقوم على كسر حاجز الصمت والسرية المطلقة على تفاصيل سفر النواب الى الخارج، بعد أن التزمت الصحافة الأردنية الصمت المطبق تجاه هذا الملف السري مدة سبع سنوات متواصلة، فقد كان آخر تقرير نشرته الصحافة في نهاية عمر المجلس النيابي الرابع عشر سنة 2007، ونشر في آخر تقرير تحت عنوان: 104 نواب قضوا خارج المملكة أكثر من 5 الاف ليلة في 76 بلدا، ومنذ ذلك الوقت ذهبت كل وسائل الإعلام الأردنية إلى التزام الصمت، ولم يعد احد يحاول الاقتراب من هذا الملف المحاط بالسرية المطلقة.
فروقات في التقرير الرسمي
لوحظ في التقرير الرسمي وجود فروقات رقمية بسيطة بين مجموع سفريات عدد محدود من النواب. إذ تم تسجيل 12 ليلة للنائب باسل علاونه، ولم يوضح التقرير اين قضى ثلاث ليال منها بعد أن ذكر أنه قضى ست ليال في لندن، وثلاثا في بروكسل.
وتكرر هذا الاختلاف عند النائب محمود الخرابشة. إذ يفيد التقرير بأنه قضى ثماني ليال خارج المملكة، لكنه لم يوضح غير أربع ليال فقط قضاها في الكويت، وسجل له أربع ليال أخرى من دون ذكر البلد الذي قضاها فيه.
وتكرر أيضا في كشف الليالي التي قضاها رئيس مجلس النواب عاطف الطراونه خارج المملكة، فقد تم تسجيل 13 ليلة له، لكن تفاصيل لياليه تثبت 12 ليلة فقط.
وتكرر هذا اللبس مع النائب محمد الحجوج، فقد تم تسجيل 6 ليال فقط أظهر التقرير منها قضاءه 3 ليال في بروكسل، ولم يوضح الثلاث ليال الأخرى، ولدى سؤاله مباشرة أفاد النائب الحجوج بأنه قضى الثلاث الأخريات في بروكسل في زيارة ثانية بصفته عضوا في الإتحاد الأورومتوسطي.
التكلفة المالية.. الموازنة العامة
لا تتوافر أي أرقام عن التكلفة المالية التي ترتبت على تلك الرحلات النيابية، خاصة شراء تذاكر السفر البالغ عددها الإجمالي 189 تذكرة ذهابا وايابا.
كما أن بند ما يسمى بنظام السُّلف المالية التي تصرف عادة لكل وفد يغادر المملكة، ومن يتولى تحديد قيمة هذه السلف، من صلاحية رئيس مجلس النواب ذاته بموجب قانون الموازنة العامة، الذي يمنح رئيسي مجلس النواب والأعيان سلطة رئيس الوزراء فيما يتعلق بموازنة كل مجلس على حدة.
وبموجب المادة 11 من قانون الموازنة العامة لسنة 2013، استثني مجلس الأمة ووزارة الدفاع والخدمات الطبية الملكية والأمن العام والدفاع المدني وقوات الدرك من الحصول المسبق على موافقة وزير المالية على صرف السلف المالية للوفود أو لغيرها.
نظام السفر.. يحكم مجلس النواب
إن نظام الإنتقال والسفر وتعديلاته رقم»56» لسنة 1981 المنشور على الصفحة (749) من عدد الجريدة الرسمية رقم (3008) بتاريخ 1 /6/ 1981 يحكم عملية تمويل مياومات الوفود البرلمانية. وبموجب الفقرة «ب» من المادة-2 فإن رئيسي مجلسي النواب والأعيان هما من يتوليان صلاحية تشكيل الوفود الى الخارج.
يحتسب مجلس النواب المخصصات بموجب نظام الإنتقال والسفر، ويستخدم لهذه الغاية ما يطلق عليه نظام النقاط بالليلة، التي يعرفها نظام السفر بأنها فترة زمنية بين الساعة السادسة مساء أي يوم والساعة السادسة من صباح اليوم التالي يقضيها الموظف خارج مركز عمله. ويعرف الوفد بأنه الهيئة المشكلة من أكثر من شخص واحد لتمثيل الحكومة بمهمة رسمية أو التفاوض باسمها خارج المملكة.
وبموجب البند «1» من الفقرة «ا» من المادة «3» فإن النواب والأعيان يصنفون ضمن ما يسميه نظام الإنتقال والسفر بـ المجموعة الخاصة، التي تضم أيضا: رئيس الوزراء والوزراء ورئيس الديوان المَلِكي الهاشمي ومستشاري وأمناء جلالة الملك وناظر الخاصة المَلِكية والطبيب الخاص وموظفي المجموعة الأولى من الفئة العليا، حسب نظام الخدمة المدنية- ورئيسي محكمتي التمييز والعدل العليا والأشخاص الآخرين الذين يشملهم تعريف الوزير المختص وأعضاء مجلسي الأعيان والنواب.
يصرف للمشمولين بفئة النواب والأعيان مياومات خاصة بناء على تصنيف الدول المعتمد في نظام الإنتقال والسفر. تنقسم الدول الى فئتين «أ» ويحصل من يذهب إلى أي منها على 300 دينار عن كل ليلة، في حين يصرف 250 دينارا عن كل ليلة لمن يغادر إلى دولة من فئة «ب».
لقد بلغت تكلفة المياومات التي تم صرفها للوفود البرلمانية ما قيمته 255400 دينار، وهذه القيمة تم احتسابها بناء على نظام الإنتقال والسفر الذي يلتزم به مجلس النواب تماما ولا يسمح له بتجاوزه، لكن ما لا يظهر في هذه الأرقام نهائيا هو التكاليف المالية المترتبة على تذاكر السفر التي تصرف كلها بدرجة رجال الاعمال، وقيمة السلف المالية التي يتم صرفها بناء على قرار من رئيس المجلس لكل وفد برلماني كون هذه الأرقام لا تزال سرية، ولا يتم الكشف عنها نهائيا.
ولا نملك أية معلومات عن حجم التكاليف المالية التي تم دفعها سلفا مالية لكل وفد برلماني. وبرغم اختلاف قيمة هذه السلف التي تخصص عادة للوفد وتسلم لرئيس الوفد للصرف منها على الوفد أثناء وجوده في الخارج. ولا سلطة على رئيس مجلس النواب في تحديد قيمة هذه السلف، فهو من يتولى تحديدها. فالمكتب الدائم لا يتدخل في تحديد قيمة هذه السلف، وعندما تم الغاء صلاحيات المكتب الدائم في تشكيل الوفود البرلمانية من النظام الداخلي لمجلس النواب في شهر ايلول سنة 2013 وتم نقل هذه الصلاحية للمكتب التنفيذي الجديد، فإن شيئا لم يتغير على صلاحيات رئيس المجلس فيما يتعلق بتحديد قيمة السلف المالية.
رقابة ديوان المحاسبة
يخضع مجلس النواب لرقابة ديوان المحاسبة، وبالرغم من أن تقارير الديوان لا تركز كثيرا على سفريات النواب للخارج فإن لهذا ما يبرره لدى رئيس ديوان المحاسبة مصطفى البراري الذي أكد خضوع مجلس النواب لرقابة الديوان الذي لا يتهاون في عمله الرقابي بالرغم من أن ديوان المحاسبة يتبع لمجلس النواب.
وبالرغم من عدم حصول تقارير ديوان المحاسبة السنوية أو حتى الربع سنوية على إهتمام نيابي كاف في المناقشة والمتابعة من قبل المجلس نفسه، فإن مصطفى البراري يؤكد أن رقابة الديوان على مجلس النواب تحتكم إلى نص قانون الموازنة العامة للدولة الذي يمنح صلاحيات رئيس الوزراء ومجلس الوزراء لرئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الأعيان فيما يتعلق بالشأن المالي والإداري.
ويشير البراري الى وجود مخالفات تتعلق بقضايا السفر خاصة تلك المتعلقة بالسلف المالية التي يتولى تحديدها رئيس المجلس، وما يحكم هذه العملية هو قانون الموازنة العامة للدولة.
وحول قيام نواب بصرف تذاكر الطيران من فئة درجة رجال الاعمال الى الفئة الإقتصادية من اجل اصطحاب افراد من عائلاتهم قال البراري: إن هذه الأمور نسمع بها لكن لا توجد لدينا اوراق تثبت مثل هذه الأمور، كون النائب يحصل على تذكرة خاصة، وهو من يقوم بصرفها واستبدالها بتذكرة الدرجة العادية، وهذا ما لا نستطيع التأكد منه، وكلها مجرد معلومات لا تظهر لنا في الكشوفات الرسمية للمجلس، ولا أظنها تدخل ضمن الكشوفات المالية الرسمية، لأن مثل هذا العمل هو إجراء شخصي من النائب نفسه ولا علاقة للمجلس به. ويشير البراري الى ان مجالس نواب سابقة كانت تقوم بصرف مياومات السفر كاملة للوفود البرلمانية من دون التأكد من ان هذه الوفود مستضافة على حساب الجهة الداعية أم لا. كما كانت المجالس السابقة تقوم بشراء تذاكر السفر من شركات طيران خاصة، ويتم صرف المطالبات المالية التي تقدمها الوفود من دون ان ترفق بتلك المطالبات فواتير موثقة، وكلها قضايا مخالفة تماما للأنظمة والقوانين، وقد أوضحنا ذلك في تقارير الديوان السابقة.
المهمات المبهمة.. دبلوماسية برلمانية في الظل
وفقا لما يراه النائب الأول لرئيس مجلس النواب النائب أحمد الصفدي فإن الوفود البرلمانية تمثل الأردن في المؤتمرات البرلمانية الدولية والعربية والإسلامية، فضلا عن مؤتمرات اخرى تتعلق بالعمل البرلماني، ولا يذهب النواب في نزهات كما يحاول بعضهم إشاعته.
ويقول الصفدي إن مجلس النواب الأردني حريص على المشاركة الدائمة في المحافل البرلمانية الدولية، وهو عضو مؤثر وقيادي سواء في البرلمانات العربية او الإسلامية او الإتحاد البرلماني الدولي، او البرلمان الأورومتوسطي. كما أن الاردن يرأس لجانا دولية فيها، فضلا عن انه كان في مجالس سابقة رئيسا للبرلمان الأورومتوسطي.
ويؤكد االصفدي أن سفر النواب يمنحهم خبرات جديدة من المفترض أن تنعكس ايجابا على أدائهم التشريعي والرقابي، وهو ما يعمل على تعزيز إطلاع النواب على تجارب الآخرين البرلمانية.
ويضيف الصفدي إن سفر النواب ضرورة لتعزيز الدبلوماسية البرلمانية الأردنية وتسويق السياسات لدى البرلمانات الدولية، وخير مثال على ذلك ما يتعلق بمعاناة الأردن من تدفق اللاجئين السوريين، حيث نجحت الدبلوماسية البرلمانية الأردنية في تحشيد الدعم البرلماني الدولي لمساعدة الأردن ماليا وسياسيا.
ويتابع قائلا: إن الحكومة لا تستطيع بالمطلق مخاطبة البرلمانات الدولية سواء كانت اتحادات برلمانية او برلمانات منفردة، لكننا في مجلس النواب نستطيع القيام بهذه المهمة، وهذا ما نقوم به بالفعل، وتتولى تلك البرلمانات مخاطبة حكوماتها والتأثير فيها لمصلحة الأردن.
وحول تشكيل الوفود البرلمانية يقول النائب الأول لرئيس مجلس النواب: إن المكتب الدائم هو من يتولى تشكيل الوفود البرلمانية. وقال: ان المكتب يعمل حاليا على تحقيق مبدأ العدالة بين جميع النواب من خلال إتاحة الفرص أمام الجميع للمشاركة في وفود برلمانية للخارج لتعزيز تجربتهم. ولم يتبق إلا عدد قليل من النواب الذين لم يشاركـــــوا في وفود برلمانـــية، وسيحــــصلون على هذه الفرصة قريبا.
ويضيف إن بعض النواب يعتذرون عن السفر إلى دول لا تعجبهم، ما نضطر للبحث عن بدلاء، وقد تتكرر عملية الإعتذار.
وحول تكرار سفر نواب لأكثر من مرة إلى دول بعينها يقول الصفدي إن العديد من النواب هم أعضاء رسميون في محافل دولية، وهذه العضوية تفرض عليهم وعلينا استمرار التواصل مع هذه المحافل والمواظبة على حضور الإجتماعات، وهذا ما يبرر ويوضـــح تكــــرار ســـــفر بعض الـــنواب لـــــدول بعـــينها أكـــثر من مــــرة واحــــدة مثل بروكسل، وجنــــيف والقاهرة.
خبرات من دون تقارير
من أهم المشكلات التي تواجه المجلس أن معظم تلك الوفود لا تقدم أي تقارير موسعة وموثقة عن النشاطات التي قامت بها في الخارج، والنتائج التي ترتبت على تلك الزيارات خاصة إذا كانت تتعلق بمشاركات في مؤتمرات دولية. إن عدم تقديم هذه التقارير يحرم مجلس النواب من أرشيف معلوماتي يمكنه البناء عليه لاحقا إذا ما تكررت المشاركات اللاحقة في مثل تلك المؤتمرات.
وفي كل الحالات فإن تكرار المشاركة في مؤتمرات تدفع بمجلس النواب لإختيار اعضاء في الوفود لا يملكون الخبرات المطلوبة للتعامل مع تلك المؤتمرات.
كما انهم لا يملكون معلومات كافية عما قام أسلافهم من النواب من جهود في هذا الجانب لعدم قيام من سبقهم بوضع تقارير عن مشاركاتهم، وبالتالي فإن مجلس النواب يخضع في تشكيل وفوده إلى اعتبارات لا تستند إلى الخبرة والتخصص، بقدر خضوعه لإعتبارات أخرى تتعلق بمراضاة النواب من اجل تأمين فرص سفر لهم للخارج. وفي هذا الإطار يقول النائب الأول لرئيس مجلس النواب أحمد الصفدي: إن الأصل في الوفود البرلمانية أن تقدم تقارير مفصلة عن مشاركاتها للمكتب الدائم، والأصل ايضا أن يتم توزيع تلك التقارير على النواب وعلى الكتل البرلمانية لدراستها والإستفادة منها إلا أن المجلس لا يفعل هذا الأمر، وهذا تقصير يجب الإعتراف به ومعالجته. (العرب اليوم)