ناصر جودة.. عباءة القصر وأحضان كيري
يلبسه كثيرون ثوبا أكبر من مقاسه، ويحمله البعض مسؤولية ملفات خارجية أثقل بكثير من صلاحياته المقننة بحكم تداخل المرجعيات.
مراوغ يحسن التهرب من المطبات والقفز من فوق الألغام التي يضعها مناكفوه في طريقه، رجل يعرف كيف يخرج من المأزق عبر ترديد مقولات مستهلكة.
إشكالي، تتعدد التكهنات حول سر قوته وتسلمه وزارة الخارجية في خمس حكومات متعاقبة ومتناقضة أيضا.
يصفه مناكفوه بالوزير الدوار العابر للحكومات، وبأن تصريحاته لا تخرج عن إطار "الكلاشيهات الجاهزة" والتي يحفظها أي إعلامي عن ظهر قلب.
يتهم بأن إدارته وزارة الخارجية ضعيفة ومزاجية وتفتقر إلى العدالة والعشوائية في التعيينات أو التنقلات في أوساط السفراء والدبلوماسيين.
والده هو سامي جودة وزير المواصلات ووزير الاقتصاد الوطني ووزير الدولة الأسبق وعضو مجلس النواب عن منطقة رام الله.
يعود أصله إلى بلدة سنجل قضاء رام الله لكن جده هاجر قبل نكبة فلسطين عام 1948 إلى شرق الأردن فهل يضعه ذلك على "الكوتة الفلسطينية" التي ظهرت بعد النكبة وقرار وحدة الضفتيتن؟!
تزوج والده سامي جودة من ابنة رئيس الوزراء الراحل سمير الرفاعي، أي أن الرئيس زيد الرفاعي خاله، والرئيس سمير الرفاعي ابن خاله.
ولد في عمان عام 1961 أكمل المرحلة الثانوية من دراسته في بريطانيا، والجامعية في جامعة جورج تاون في الولايات المتحدة الأمريكية وتخرج منها حاملا شهادة البكالوريوس في العلاقات الدولية والقانون والمنظمات الدولية.
عمل في بداية حياته بين عامي 1985 و1992 في الديوان الملكي في المكتب الصحفي للمغفور له بإذن الله الملك الحسين، ثم سكرتيرا خاصا للأمير الحسن ولي العهد آنذاك الذي ناسبه بزواجه من الأميرة سمية بنت الحسن.
انتقل إلى لندن عام 1992 لتأسيس وإدارة مكتب الإعلام الأردني هناك، عاد إلى الوطن عام 1994 عندما عين مديرا للتلفزيون الأردني ثم مديرا عاما لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون.
تدرج في عدد من الوظائف الحكومية من بينها رئيس ديوان الخدمة المدنية، وعين وزيرا للإعلام وناطقا رسميا باسم الحكومة عام 1998 ثم عمل في القطاع الخاص بعد استقالة الحكومة عام 1999.
في عام 2005 عاد إلى العمل العام عندما عين ناطقا رسميا باسم الحكومة، ومن ثم وزيرا للدولة لشؤون الإعلام والاتصال عام 2007 المنصب الذي شغله حتى وصوله إلى مبنى وزيرا للخارجية عام 2009 مع حكومة الرئيس نادر الذهبي.
أعيد تعيينه وزيرا للخارجية في حكومة ابن خاله سمير الرفاعي عام 2009 وأيضا في حكومة الدكتور معروف البخيت عام 2011 وفي حكومة الرئيس عون الخصاونة عام 2011، وأعيد تعيينه وزيراً للخارجية في حكومة الدكتور فايز الطروانة في عام 2012، وفي حكومة الدكتور عبدالله النسور في عامي 2012 و2013.
يقول مقربون منه أنه يحمل حالياً ملف انضمام الأردن لمجلس التعاون الخليجي، وبأن المنظومة الخليجية تفضله للتعامل في هذا الملف الذي يبدو أنه فقاعة إعلامية قيلت في لحظة "ضعف خليجية"، ففي الوقت الذي يرى فيه جودة أن 95% من الأردنيين يؤيدون انضمام الأردن فإن وزير الخارجية العماني المخضرم العلوي يوسف بن علوي بن عبدالله أبلغ جودة مباشرة في اجتماع رسمي أن 95% من الخليجيين لا يحبذون هذا الانضمام.
احتضان وزير الخارجية الأميركي جون كيري له في "مجموعة أصدقاء سورية" في ختام اجتماعهم في لندن فهم في أكثر من عاصمة بأنه خيار واشنطن المفضل في هذا الموقع.
علت أصوات كثيرة مطالبة بإقالته بعد أزمة اختطاف السفير فواز العيطان في ليبيا، وحمله كثيرون مسؤولية الملف كاملا، والواقع أن جودة لم يكن على اطلاع نهائيا بتفاصيل الملف الذي تكفلت به الأجهزة الأمنية من الألف إلى الياء، لذلك جانبت تصريحاته الدقة أحيانا.
لا يكترث كثيرا للإشاعات التي تظهر هنا أو هناك فيما يتعلق بخلافه مع الرئيس النسور أو مع زميله وزير الداخلية حسين المجالي.
لا يربط مسؤولون بين جودة واستقالة الأمير زيد بن رعد من منصبه كمندوب دائم للأردن لدى الأمم المتحدة، إذ يؤخذ على الأمير عدم التزامه بالمواقف الرسمية للدولة الأردنية في مداخلاته في مجلس الأمن؛ كالملف السوري مثلا، وفي شأن الأزمة الأوكرانية، أدلى الأمير بتعليقات منحازة، تجاوزت الموقف الرسمي، وتزامنت مع زيارة كانت مقررة للملك عبدالله الثاني إلى موسكو.
يشيع منافسوه حاليا بأنه على وشك مغادرة مقعده في الدوار الثالث في أول تعديل قد يجريه النسور على حكومته الثانية، لكن مطلعين يستبعدون ذلك لأن جودة هو خيار القصر والديوان الملكي، وقد يكون خيار جهات دولية أو شقيقة.