غياب البرجوازية الوطنية وانتهازية نخب الزواج بين السلطة والبزنس
غريب هو حالنا في الاردن خصوصا عندما يحاول المرء النظر في شكل التركيبة الطبقية والمجتمعية و او حتى تفسير الذوبان السريع للطبقة الوسطى واختفاء اية بارقة امل معها بانتقال صفوة هذه الطبقة لمرحلة تشكيل حالة وطنية قادرة على تشكيل حالات الوعي التنويري واسقاطه على مجمل تفاصيل المشهد السياسي والمجتمعي. أكثر ما يميز المشهد الاردني اليوم هو غياب أية حالة من حالات البرجوازية الوطنية الراعية لاي مشروع وطني أردني حقيقي. القراءة المنطقية لطبيعة تشكل طبقة البرجوازية الصاعدة يوضح أن ظهور هذه الطبقة في سياقها التاريخي يمثل واحدا من اهم عوامل التغيير المجتمعي الذي أدى الى ولادة حواضن مجتمعية لكثير من المشروعات الوطنية التي غيرت شكل وتركيبة وواقع كثير من الدول.
في الاردن –للاسف- أدى شرخ التطور الطبيعي الذي تعرض له المجتمع الاردني الى القضاء على حالات من البرجوازية الريفية كان من الممكن ان تشكل حاضنة مستقبلية لمشروعات وطنية حقيقية، حيث انتقلت من صيغة الاقطاع الى المساهمة في تشكيل المشروع العروبي خصوصا في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الاولي. ومع تغير واقع القوى المجتمعية في الاردن تشكلت فئات انتهازية استفادت من قربها من دائرة الحكم في علاقة خطيرة أدت الى تعزيز فكرة الاوليغاركية الحاكمة واختزال مشهد التطور المجتمعي بفئة منتفعة تفرض سطوتها حتى على رأس المال الوطني في علاقة زواج مصالحي طويل الامد بين السلطة والبزنس.
الكثير يسألون اليوم عن مستقبل أي مشروع وطني أردني و سر غياب أصحاب رؤوس الاموال عن تبني مشروعات وطنية او احتضانها. اولا دعونا نتفق ان نمطية تطور المجتمع الاردني اسقطت في حيثياتها مسمى البرجوازية عن كل أصحاب المال في الاردن من عابري السبيل الى العائلات التي تحاول تعبئة غياب البرجوازية الوطنية في بعض المفاصل لكن ضمن مشروع مقزم يهدف الى الحفاظ على ديمومة الواقع النفعي والعلاقة المصالحية ما بين السلطة وماكينة صنع المال وتدويره.
كثيرة هي المحاولات التي حاولت تعويض فكرة غياب المشروعات الوطنية او حواضنها الطبيعية من حالات البرجوازية الوطنية لكن في النهاية كانت الخلاصة واحدة: مشروعات مشوهة اعلامية او حزبية او حتى استعراضات مضحكة لولادة تيارات تقدمية مظاهرية لكنها في حقيقتها تمثل حالات من الاقطاعية الجديدة التي يسعى كل من يقف خلفها لتضليل الراي العام او المراقب الخارجي بفكرة وجود حراك راق يمتلك رؤية سياسية او مشروعا وطنيا تقدميا يختفي بمجرد انتهاء الحاجة او وقف التمويل.
الاردن امام تحديات ولادة مشروع وطني حقيقي يلبي طموح الاردنيين ويكسر نمطية ادارة الدولة والاستعراضات غير المقنعة ويضع حدا لتضخم صورة الاغتراب بين الاردني و دولته. لسنا مضطرين اليوم لمناقشة أسباب غياب ما يمسى البرجوازية الوطنية الاردنية عن تفاصيل المشهد السياسي الاردني، لكننا مجبرون ان نبحث عن حواضن وطنية حقيقية قادرة على انجاح كثير من المشروعات الوطنية بدءًا من مشروعات التنمية الحقيقية القادرة على اضفاء تغيير حقيقي على حياة الاردنيين ووصولا الى مشروع سياسي مستقبلي يجنب الاردن الارتهان لحالة الفراغ والتفريغ التي يعاني منها المشهد السياسي الاردني في تفاصيله كافة من الانتخاب الى التعيين. لا بد من ولادة حالة وطنية قريبة من فكرة تبلور البرجوازية الوطنية خصوصا ان الجميع بدأ يستشعر ضرورة التكاتف في مواجهة التحديات القادمة وضرورة ايجاد حالة وطنية قادرة على استيعاب طموحات الاردنيين واخراجهم من حالة الارتهان للنمط العقيم في ادارة المشهد السياسي والتعامل مع ديناميكية التغيير الاقليمي المتسارع.