وسط البلد: مرآة عمان التاريخية والتراثية والشعبية
ما يزال وجه وسط البلد المتعب ينبض بالحياة بكل ما فيه من تفاصيل دقيقة، فرغم وجود الارصفة المنهكة من خطوات المارة والممرات الضيقة واكتظاظ شوارع وأزقة هذا المكان الا ان الكثير من الأردنيين يعتبرونه المكان الاجمل لكل يوم عماني.
ويضم وسط البلد في ثناياه سبيل الحوريات الذي يقع في شارع قريش ويرجع هذا البناء الى الفترة الرومانية في القرن الثاني الميلادي؛ حيث يعتبر من الأبنية المهمة في الحضارة الرومانية.
وأقيم سبيل الحوريات فوق مجرى نهر عمان القديم، وهو مكون من ثلاث حنايا وضعت فوق كل واحدة منها طاقات صغيرة نصف دائرية ورتبت في صفين يعلو أحدهما الآخر.
وكانت الواجهة الداخلية لسبيل الحوريات مغطاة بألواح الرخام، وفي الوسط حوض السباحة وكان ممتدا على طول البناء وبعمق يبلغ 26 قدماً، وفوق حوض السباحة أقيمت الحمامات والنوافير، والأعمدة التي يبلغ ارتفاعها 10 أمتار.
والسائر في هذا الشارع يشاهد انه لم يبق من سبيل الحوريات سوى برجين وقاعة الموسيقى والمسرح المدرج الذي ما تزال بقاياه قابعة في الجهة الشرقية للمدرج الروماني.
وينهض المدرج الروماني الواقع في وسط البلد من الجزء الشرقي لعمّان وبالتحديد على سفح جبل الجوفة أحد التلال المقابلة للقلعة، ويقع إلى جانب المدرج ساحة الفورم وتبلغ مساحتهما معا ما مجموعه 7.600 متر2 ويعود تاريخ البناء على الأرجح إلى القرن الثاني الميلادي وتحديدا بين عامي 138م و161م إبان عهد القيصر أنطونيوس بيوس.
واستخدم المدرج للعروض المسرحية والغنائية، بسبب جودة نظام الصوت فيه ويستعمل لغاية اليوم أحيانا للعروض الفنية، حيث يتسع المسرح 6.000 متفرج، ويعد بذلك أكبر من المسرح الجنوبي في جرش، الذي يتسع إلى 4.000 - 5.000 متفرج.
ولعل ما يميز وسط البلد بطابع خاص هو القيمة التاريخية والسياسية التي يتمتع بها، فمن واحة المسجد الحسيني والذي بُني في عهد الخليفة عمر بن الخطاب بهندسة راشدية تحمل عبق التاريخ منذ نحو أربعة عشر قرنا.
ولكل شارع في وسط البلد حكايته فهنا ستجد أهم شوارع التسوق شارعي الملك طلال والملك فيصل؛ حيث تباع الملابس التقليدية والعصائر المحلية والمثلجات والعطورات، بالاضافة الى صابون زيت الزيتون ومنتجات البحر الميت.
ويتنوع المجال التجاري في وسط البلد فهو المكان الأكثر اكتظاظا في المملكة؛ حيث كان يعتبر مركز عمان الاقتصادي والتجاري القديم من بداية القرن وحتى مطلع الثمانينيات.
وتتعدّد أسماء الأسواق في وسط البلد المحاطة بجبال عمان الشاهقة، فهنا يقع سوق البخارية وهو أول سوق في عمان، مقابل ساحة المسجد الحسيني الكبير؛ وسمي بهذا الاسم نسبة إلى تجار هاجروا إلى الأردن من مدينة بخارى من أوزبكستان، بحثاً عن الأمان في الدول الإسلامية.
عندما يدخل الزائر سوق البخارية فإنه يشاهد التمازج الحضاري بين كل ما هو قديم وحديث، فهناك واجهات المحلات المزينة بالبضائع الجميلة المتنوعة من التحف الخزفية إلى المنسوجات القديمة والمطرزة والمسابح، والتحف الفنية النادرة ومنتجات الأخشاب والخيزران والصلصال التي تصنع منها الأدوات المنزلية القديمة بالإضافة إلى أدوات الموسيقى مثل الربابة والعود والدف، وهناك الكثير من البضائع المنتجة الحديثة والتي تنتج بلمسات حرفية رائعة يخيّل فيها للزائر وكأنها تحف أثرية قديمة.
كما ويوجد بوسط البلد سوق منكو والذي يعتبر من معالم منطقة وسط البلد في مدينة عمّان حيث أنشأ في العام 1926 م، وينطلق من هذا السوق درج منكو والذي تم استيراد الواح بلاطه من تركيا في تلك الفترة، وقد سمي هذا الدرج باسم درج منكو على اسم السوق أيضا والذي يربط بين وسط البلد وسوق منكو ومحلات صبري الطباع بشارع بسمان في الشارع الخلفي والذي بدوره يتعرج باتجاه جبل عمان الخلفي ليلاقي حي جبل عمان القديم والذي يمتد من الدوار الأول باتجاه شارع بسمان.
وقد ضم حي جبل عمان القديم أوائل العائلات الارستقراطية الرأسمالية التي سكنت عمان والتي ما تزال قصورهم ومنازلهم شاهدة على عظمة هذه المدينة وتاريخها العريق من بدايات مراحل التأسيس حيث نرى قصر منكو والذي يتعبر أول قصر انشئ في عمان والذي يسمى القصر الأحمر مطلا على مدينة عمان من أعلى التله بشرفاته المممتدة وحديقته المشهورة.