آخر الأخبار
ticker مندوبا عن الملك وولي العهد .. العيسوي يعزي عشيرة القطيشات ticker الجيل الخامس يعيد تشكيل مفهوم الترفيه في الأردن ticker مشاركة متميزة لطلبة عمان الأهلية ببرنامج إعداد قادة الذكاء الاصطناعي ticker الأردن يرحب بقرار الأمم المتحدة بعدم قانونية استمرار وجود إسرائيل في الأرض الفلسطينية ticker الحكومة تتقبَّل التَّهاني في "رئاسة الوزراء" الجمعة ticker الجمعية العامة تعتمد قرارا يطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ticker 5 سيدات يتسلمن حقائب وزارية في الحكومة الجديدة ticker تشكيل اللجان الوزارية .. والمومني ناطقاً رسمياً باسم الحكومة ticker زين وريد بُل تعلنان انطلاق بطولة "ريد بُل كار بارك درِفت 2024" في الأردن ticker كابيتال بنك يرسي معايير جديدة في التمويل الأخضر .. مشروع قرية أيلة مارينا نموذجاً ticker افتتاح مبنى قصر العدل في جرش ticker انتهاء أعمال التنقيب في موقع تل العصارة الأثري ticker هاريس: لا يجب إعادة احتلال غزة ticker بالأسماء .. هؤلاء مرشحين للدخول في الحكومة الجديدة ticker سيدات يُعدن تعريف النجاح ويصبحن مصدر إلهام لمجتمعاتهن ticker كابيتال بنك يتعاون مع شركة وصل للتوعية والتثقيف لدعم برنامج "شبّك وبادر" ticker 8600 متدرب ومتدربة التحقوا بالتدريب المهني ticker الخدمات الطبية تشهر تقنية الخلايا التائية لعلاج سرطان الدم الحاد ticker الحنيطي يزور قيادة لواء الحرس الملكي الآلي الأول ticker المقاصد يحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف

سرطان الخوف ... تحقيق صحفي حول سرطان الثدي في الأردن

{title}
هوا الأردن -

هوا الأردن - خاص - تحقيق د. إسلام العياصرة 


يعتبر سرطان الثدي من أكثر السرطانات شيوعا بين النساء في الأردن، فقد وصل عدد الحالات المشخصة في العام 2013م إلى ما يقرب من 1000 حالة وفق إحصاءات السجل الوطني للسرطان.

 

الكشف المبكر عن سرطان الثدي يرفع نسبة الشفاء من المرض إلى 95%، وتجمع الدراسات الحديثة على أن الكشف المبكر عن سرطان الثدي يمنع الورم من الانتشار خارج الثدي، وتكون فترة العلاج أقصر وتكلفتها أقل، وقد لا تضطر المصابة للوصول إلى مرحلة العلاج الكيماوي أو استئصال كامل الثدي. إحصائيات البرنامج الأردني لسرطان الثدي تشير إلى أن الكشف المبكر قلل نسبة المصابات بالمرض في الدرجتين الثالثة والرابعة إلى 35% بعد أن كانت 70%.

 

في هذا التحقيق الصحفي سأسلط الضوء على العامل الأبرز الذي يكمن خلف كل المشاكل التي تتعرض لها المصابة بسرطان الثدي: عامل الخوف، ذلك العامل الذي أسمته واحدة من المصابات: سرطان الخوف، الذي يلازم المصابة قبل اكتشاف الإصابة وعند الشك بوجودها وأثناء العلاج وبعد التعافي.

 

وَهْم الحَصانَة ورُهاب الإشاعات


ينشأ عند السيدات غير المصابات بسرطان الثدي ما يعرف بـ(وهم الحصانة) من الإصابة بالمرض، هذا الوهم الذي ينتج عن الظن الخاطئ بأن عدم ظهور الأعراض دليل على صحة الجسد وعدم وجود السرطان.


الدكتور بسام رجائي

الدكتور بسام رجائي 


الدكتور بسام رجائي رئيس قسم الخدمة الاجتماعية في مركز الحسين للسرطان يرى أن: (وهم الحصانة نابع من الخوف من مجرد التفكير بالمرض، خوف ينشأ عند سماعهن لقصص المصابات اللواتي قضين بسرطان الثدي، وتتجلى صورة الخوف الذي يصل إلى درجة الرعب في عدم سماح السيدات لأنفسهن حتى بذكر اسم المرض، ففي المحكية الأردنية تقول النساء"هذاك المرض" أو "المرض يلي ما ينطري" دون الإشارة إليه بالسرطان، ولهذا لا تكترث النساء بحضور ندوات تعريفية أو قراءة المطبوعات التوعوية بسرطان الثدي أو إجراء فحوص الكشف المبكر عنه).

 

 

نبيلة محمود

المؤلفة المسرحية نبيلة محمود 


المؤلفة المسرحية نبيلة محمود (41عاما) والمتعافية من مرض السرطان تروي لنا كيف أنها قبل الإصابة تعاملت مع قصص السيدات اللواتي أصبن بسرطان الثدي على طريقة التطهير في الملاحم الإغريقية: (نحن نتعاطف مع بطل الملحمة ونبكي عليه فقط من أجل طرد فكرة الخوف من أن نُصاب بما أصيب به، أو كما قال فرويد: نحن نسعى لأن نتجنب الألم أكثر من سعينا لأن نجد السعادة).

 


الدكتور مجد الدين خمش

الدكتور مجد الدين خمش


وفي السياق ذاته، يرى أستاذ علم الاجتماع الدكتور مجد الدين خمش: (أن النزوع نحو نكران الذات عند الأمهات يجعلهن يهملن العناية بصحتهن إما لانشغالاتهن باليوميات الأسرية أو بسبب الخوف من فكرة الإصابة بمرض يحد من عنايتهن واهتمامهن بالعائلة).


 

الدكتورة تمارا كيلة

 الدكتورة تمارا كيلة 


بعض المرضعات يخشين تشخيص الإصابة بالمرض خوفا على الطفل الرضيع. وعلى ذلك تعلق الدكتورة تمارا كيلة أخصائية الجراحة العامة: (سرطان الثدي بحد ذاته لا يعيق عملية الإرضاع، لأن الخلايا السرطانية لا تنتقل للطفل عن طريق الفم، فيمكن للسيدة مواصلة عملية الإرضاع أثناء عملية تشخيص المرض والفحوصات المخبرية والشعاعية، لكن الخضوع للعلاج الكيماوي أو الشعاعي يؤثران على الإرضاع، وعلى السيدة الانتظار حتى يخلو جسمها من المواد الكيماوية أو الشعاعية قبل مواصلة الإرضاع، ووجود سرطان في إحدى الثديين لا يعيق عملية الإرضاع بوساطة الثدي الآخر ما دامت السيدة لم تبدأ بالعلاج، وثمة دراسات تربط الإرضاع بالتقليل من نسبة الإصابة بسرطان الثدي).


في مجتمعاتنا رسخت في الوعي الجمعي عند النساء شائعات ومغالطات أسهمت في تعزيز خوفهن من سرطان الثدي، وأسهم المخيال الشعبي في رسم صورة قاتمة لهذا المرض الذي يأكل جسد المرأة ويسير بها نحو الموت المحتوم، وفي الطريق إلى هذه النهاية وفق الشائعات تمر المصابة بمنعطفات تتعرض فيها لجراحة استئصال الثدي والتعرض للأشعة وتساقط الشعر وعدم القدرة على الإنجاب والضعف الجنسي وما إلى ذلك من شائعات منافية للحقيقة والواقع، ترى الأخصائية الاجتماعية مجدولين النعيمات أن: (هذه الإشاعات التي لا تنطبق على حالات سرطان الثدي كلها، ويترتب عليها عزوف السيدات عن إجراء فحوصات الكشف المبكر والتعايش مع فكرة عدم الحاجة إليها).


الدكتورة يسار قتيبة

الدكتورة يسار قتيبة


المجتمعات المحافظة في الغالب تتحرج سيداتها من أن يقوم طبيب بالكشف عليهن، فيمتنعن عن إجراء فحوصات الكشف المبكر، ترى الدكتورة يسار قتيبة مديرة وحدة الكشف المبكر في مركز الحسين للسرطان أن: (الكوادر النسائية المدربة في مراكز الكشف المبكر متوفرة وبكثرة، وكذلك هناك سعي جاد على مستوى التشريعات القانونية لمنح القابلات صلاحية طلب صورة من السيدات في حال الاشتباه بالإصابة).



البعدان الاقتصادي والجغرافي حاضران أيضا في تفسير العزوف عن فحوصات الكشف المبكر، فالخوف من تحمل تكاليف الفحوصات وبعد السيدات في المناطق النائية عن مراكز الفحص يسهمان في غض الطرف عن الفحص .



الدكتورة نسرين قطامش

الدكتورة نسرين قطامش


مديرة البرنامج الوطني لسرطان الثدي الدكتورة نسرين قطامش تقول:(إن البرنامج يمنح (كوبونات) مجانية للسيدات في حال الاشتباه بالمرض تمكنهن من إجراء الفحص السريري وفحص الماموجرام الذي يتراوح سعره، من غير دعم بين (30-60 دينارا)، والكشفان السريري والإشعاعي يتمان في المركز الصحي من قبل طبيبات مدربات ومؤهلات لإجراء الفحص، مع مراعاة خصوصية المرأة قبل إجراء الفحص وبعده، كما أن البرنامج الوطني الأردني للسرطان اعتمد مشروع وحدة الماموغرام المتنقلة التي تصل إلى المنازل في المحافظات).  


 

شراء الوقت


عند حدوث ألم مفاجئ وغير معتاد في الثدي، أو ظهور أعراض على الثدي من مثل: كتل وإفرازات أو انبعاج في الحلمة أو تغير في لون الجلد،  تقوم السيدة بمراجعة العيادة الطبية للاطمئنان على وضعها الصحي، وفي حال الاشتباه بوجود ورم سرطاني يدفع الخوف من تأكد الإصابة بسرطان الثدي السيدة المشتبه بإصابتها إلى المماطلة في إجراء الفحوصات  مما يسهم في تفاقم الورم، أخبرتنا الدكتورة يسار قتيبة: (أن المرأة إجمالا لا تريد لأحد أن يخبرها بأنها مصابة بسرطان الثدي، والجملة الشائعة التي نسمعها دائما من السيدة:( ما بدي أعرف)، وعندما تؤجل زيارتها للفحص تزداد حالتها سوءا، ومن الممكن أن ينتشر المرض عندها ليصل إلى العظام مع تطور المرض).

 

 

النهايات المفتوحة

 

تلجأ كثير من السيدات اللواتي تأكدت إصابتهن بسرطان الثدي إلى إخفاء خبر الإصابة، أو تأجيل الإعلان عنها إلى حين، فبعد استيعاب الصدمة الأولى تكون مسألة إخبار الأسرة المعضلة الحقيقية التي تواجهها المصابة، فالخوف من ردة فعل الزوج والأبناء والأصدقاء وزملاء العمل سبب رئيس في تباطؤ المصابة في الإعلان عن مرضها.

 

الخوف من الآلام والعذابات الجسدية التي تتوقع المصابة أن تتعرض لها عما قريب يستولي على تفكيرها، ويستمر هذا الخوف بالتعاظم ليصل بالمصابة إلى تمثل الموت تحت تأثير الفكرة المغلوطة الشائعة: (سرطان الثدي لا شفاء منه).   

 الدكتور إبراهيم زريقات

الدكتور إبراهيم زريقات 


في مرحلة ما بعد تأكيد الإصابة تجد المرأة نفسها مطالبة باتخاذ قرار خوض معركة العلاج، هذا القرار الذي يخضع لعوامل عديدة تتحكم بسرعة اتخاذه أو عدمها، القاسم المشترك الأكبر بين هذه العوامل والمحددات هو: الخوف، أستاذ الارشاد النفسي الدكتور إبراهيم زريقات يرى أن: (ما ترسب في وعي أغلب المصابات من أن استئصال الثدي وتساقط الشعر وغيرها من الآثار الجانبية نتيجة حتمية للإصابة بسرطان الثدي هو ما يعزز خوف المصابة من اتخاذ قرار علاج، خصوصا عندما يكون مستقبل العلاقة الزوجية مرتبطا بهذه الآثار).


 

الدكتور محمد الطراونة

الدكتور محمد الطراونة 


بعض المصابات يتأخرن في اتخاذ قرار العلاج بدعوى التخوف من مستوى الخدمات الطبية المقدمة محليا، والقلق بشأن الفواتير والنفقات عامل حاسم في سرعة الانخراط في مراحل العلاج، وعلى هذا يرد الدكتور محمد الطراونة مدير مديرية الأمراض غير السارية في وزارة الصحة: (لا مبرر إطلاقا لهذا الخوف فالأردن متقدم جدا في هذا المضمار من حيث التشخيص وطرق العلاج ودعم ما بعد التعافي).

 


الدكتور عبد الغني الطباخي

الدكتور عبد الغني الطباخي 


هنالك مصابات يؤجلن بدء رحلة العلاج ويسلكن طريق العلاجات البديلة أو ما يُعرف بالطب الشعبي، كالوخز بالإبر وخلطات الأعشاب والمستحضرات الشعبية واليوجا وغيرها، ويرى الدكتور عبد الغني الطباخي استشاري علم الأمراض أن: (هذه العلاجات ربما تصلح كعلاجات تكميلية لكنها لا يمكن أن تكون بديلا عن العلاج الطبي، ويجب على المصابة الراغبة باستعمالها أن تناقش فائدتها المحتملة وآثارها الجانبية مع المختصين).  



الدكتور عبد الرحمن إبداح

الدكتور عبدالرحمن إبداح 


بعض المصابات وعلى اختلاف دياناتهن وطوائفهن، وخوفا من المصير المجهول، يلتمسن الأمان في أحضان الدين، فينزعن نحو الزهد بالدنيا ويتغافلن عن العلاج، ومصابات أخريات، وخوفا من المجهول أيضا، يأخذن بتحقيق الرغبات المؤجلة، ويتعاملن مع سرطان الثدي من منظور أنه مقدمة طبيعية لموت قادم، الدكتور عبد الرحمن إبداح المتخصص في الدعوة والإرشاد علق على ذلك: (إن العلاقة مع رب العالمين يجب أن تكون في حال السعة ليتذكرنا الله في حال الضيق، ومن المهم اتباع أمره سبحانه في التداوي فما جعل الله من داء إلا وجعل له دواء، وهذا يدفعنا لعدم القنوط ويحثنا على الأخذ بالأسباب والسعي وعدم التواكل، لذلك يجب الإقدام والانتظام على الفحوصات الدورية للثدي والإسراع في استشارة الطبيب والالتزام بالعلاج).

 

الأب نبيل حدّاد

الأب نبيل حداد 


أما الأب نبيل حداد مدير مركز التعايش الديني فإنه يرى أن: (العلاقة من الإنسان وربه ليست مرتبطة بزمن الإصابة، وأن الهروب إلى الغيبيات هو هروب من الواقع نحو الوهم الذي سيسهم في تفاقم الحالة وليس في علاجها، فلتعش المصابة حياتها لتستطيع كسر حاجز الخوف والانتصار على المرض).

 


العودة إلى المربع الأول


طبيا من المحتمل إصابة المتعافية من مرض سرطان الثدي مرة ثانية، الأمر الذي يجعل الخوف من تجدد الإصابة ملازما للمتعافيات.


متعافيات من سرطان الثدي

متعافيات من سرطان الثدي  


إن انخراط المرأة التي أصيبت بسرطان الثدي في عمليات التشخيص ابتداء والعلاج لاحقا، يوفر لها كما من المعلومات الطبية يقدمها الفريق العلاجي يجعلها مدركة أن هذا المرض لا ينتقل بالعدوى ولا يورث، لكن جهل هاتين الحقيقتين السائد عند كثير من المحيطين بها يجعل من تعاطيها مع الأسرة (الزوج والأبناء) ومع المجتمع تعاطيا مشوبا بالتخوف والحذر، مما يجعلها تميل إلى الانطواء والعزلة وعدم الرغبة في التعاطي مع المحيط.



النزوع للانعزال والخوف من الآخر قد يتبددان لدى المتعافية مؤقتا عند انضمامها لما يعرف بمجموعات الدعم النفسي، ومرد ذلك كما يرى الأخصائيون النفسيون تشابه المخاوف والضغوط المجتمعية التي تشترك فيها المتعافيات أعضاء المجموعات على قاعدة (كلنا متشابهات)، لكن التحرر من الخوف يتلاشى خارج دائرة هذه المجموعات.

 

ختاما، إن نظرة إحصائية في هذا التحقيق، تبين للقارئ أن مفردة (خوف) وما يشترك معها في المعنى من مفردات أخر كالتخوف والمخاوف والقلق والرعب، قد وردت أكثر من خمسين مرة في نص عدد كلماته أقل من (1500 مفردة)، مما يدفعنا إلى الوصول لنتيجة مفادها أن الخوف بصوره المختلفة سبب رئيس في تفاقم معاناة المصابات بسرطان الثدي، هذا الخوف الذي إذا انتصرنا عليه صارت الإصابة بسرطان الثدي كأي إصابة بأمراض أخرى يتجاوزها المصاب وينتصر عليها.

تابعوا هوا الأردن على