عمال مطاعم الوجبات السـريعة .. مصائد الموت وفقدان الوظائف
عمال أردنيون تحت وطأة الخوف والقلق وانعدام الأمان الوظيفي.. عمال مسكونون بتساؤل حذر وترقب دائم لمصيرهم الوظيفي ومصير عائلاتهم التي يعيلونها، هذا الحال في سوق العمل الاردني يكاد يتضخم بل ينفجر وسط تعرٍّ للسياسات الاجتماعية الحامية والضامنة للآمن الوظيفي.
تسريح العامل وفقدانه لوظيفته، حتى ولو قضى سنوات طويلة في العمل، فالمسألة لا تتعدى صرف بدل أجور عن 3-6 شهور حسبما ينص على ذلك قانون العمل الأردني، وفي السنوات الأخيرة كثر الحديث عن عمليات تسريح جماعية للعمال الأردنيين، فهولاء أصبحت أعدادهم بالآلاف.
المسرَّحون عن العمل من الأردنيين، لا يجدون أحدا يتبنى قضاياهم، وعدد كبير منهم يفقد وظيفته ويُستبدل بعامل من جنسية أجنبية، على مرأى من أعين وزارة العمل وأذرعها التفتيشية، والمسألة تلك لا تتعلق بمؤسسات إنتاجية أصيبت بأزمة مالية أو إدارية، أو أن بنيانها قد تهدَّم نتيجة لتعرضها لأزمة أو إرباك وخلل في نشاطها وعملها التجاري، بل هي مؤسسات قائمة خاصة في قطاع مطاعم الوجبات السريعة «ديلفيري»، حيث أنه قطاع يزدهر ويكبر وهامش أرباحه يتضخم مقارنة بقطاعات أخرى أصابها بعض من اعتلالات الاقتصاد الاردني.. عمال أردنييون ينضمون شهريا الى جيش المتعطِّلين من العمل.
مؤسسات لم تتعرض الى هزات مالية، ولم تشهر إفلاسا كاملا أو جزئيا، ولكنها تستغل ببساطة قانون العمل خاصة المادة المتعلقة بإعادة «هيكلة المؤسسات» التي تجيز لصاحب العمل فسخ عقد العمل دون مبررات موضوعية أو منطقية.
هي ببساطة سياسة مراوغة وتحايل على القانون، تنتهجها منشآت ومؤسسات لا تريد زيادة كلف تشغيلها، تتحدى الحقوق الإنسانية والطبيعية والوظيفية للعامل، على حساب كرامته وأمنه الوظيفي، يزداد توحش هذه السياسة الانتهازية مع غياب الرقابة الحكومية وتدنيها.
إن قضية موت السائق الذي يعمل في أحد مطاعم الوجبات السريعة في عمان خلال العاصفة الثلجية، والتي أثارت تفاعلا إعلاميا وشعبيا غاضبا من حولها، تفي ببعض الغرض لفضح ما يعانيه العمال الأردنيون في قطاع مطاعم الوجبات السريعة، وكيف أن القضية طرحت الكثير من الأسئلة عن هشاشة وتردي وانعدام الأمن الوظيفي الذي يجابه عمالا، لا يقوون إلا على الانصياع وإطاعة أوامر «صاحب المال».
وفي القضية ذاتها تختبئ أسئلة لا بد من فردها، تجعلنا نستيقظ بين فترة وأخرى على جرائم بشعة يروح ضحيتها عمال أبرياء، وتتعلق بالسلامة والأمن المهني للعمال، وتدك في عمقها استهتارا مكشوفا لـ«أصحاب المال» بأرواح العمال وتعريضهم للمخاطر دون توفير أدنى حد للسلامة العامة.
عسانا ننجر وراء ذلك السؤال عن جريمة وقعت أمام أنظارنا، ولعل الجهات الحكومية تجيب عنه حيث تعهدت بفتح تحقيق بحادث وفاة الشاب، وسماح إدارة المطعم باستعمال هكذا نوع من «السيارات الصغيرة» غير المؤهلة فنيا وميكانيكا لمواجهة ظروف جوية غير عادية، وفي ذروة تحذير الجهات المعنية من الصقيع والانجماد، وإبلاغ المواطنين بعدم الخروج فيها.
قضية تثير قلقا واسعا عما يتعرض إليه عمال أردنيون في قطاع مطاعم الوجبات السريعة وقطاعات أخرى، يثير حساسية لا بد من التقاطها في هذه اللحظة لإعادة النظر في سياسة الحماية الاجتماعية للعمال الأردنيين، فتلك القضية تكشف معاناة صارخة وعميقة للآلاف من الأردنيين في -سن الزهو- يكابدون قسوة الحياة وعيشها لتوفير الحد الأدنى من مستلزمات العيش الكريم.