هل تخلت الحكومة نهائيا عن خيار التحوط من أسعار النفط
الارتفاع الأخير لأسعار النفط نحو مستوى 60 دولارا للبرميل يقرع الجرس، خصوصا بالنسبة للدول المستوردة للنفط، التي يمكن اعتبارها المستفيد الأكبر من الانخفاض القياسي لأسعار الخام الأسود خلال الستة أشهر الماضية.
في الحالة الأردنية، تزيد حساسية الاقتصاد لتذبذبات أسعار النفط نتيجة انخفاض معدلات الأجور وارتفاع فاتورة الدعم الحكومي للطاقة الكهربائية المعتمدة في توليدها على النفط ومشتقاته.
كما أن الرأي العام يزيد من هذه الحساسية عبر الضغط على الحكومة نحو تأجيل اصلاحاتها واعادة تقدير موازناتها وتوسيع نفقاتها نتيجة الانخفاض الطارئ على أسعار النفط.
عندما بدأ النفط بالانخفاض، خرجت الى الأفق أفكار و مقترحات بضرورة تحوط الحكومة من احتمالية عودة الأسعار الى الارتفاع.
الا أن الطرح السابق جوبه بمجموعة من الانتقادات أبرزها أن الحكومة ليست "تاجرا أو شركة"، بالاضافة الى ما سرده مسؤول مالي رفيع حول تجربة مريرة للملكية الأردنية عندما قامت بالتحوط من احتمالية ارتفاع أسعار النفط عند مستوى 140 دولارا للبرميل.
كما أن أصحاب الانتقادات السابقة أصبحوا يدعون بصحة خيارهم نتيجة استمرار انخفاض أسعار النفط، مما وفر على الحكومة تكلفة التحوط المادية والمعنوية فيما لو استجابت للمقترحات المشار اليها سابقا.
في الاقتصاد العلمي والعملي، لا يوجد "صح" مطلق أو خطأ مطلق؛ حيث تتباين صحة القرار الاقتصادي حسب القراءات المستقبلية والظرف القائم والآلية المتبعة.
أي أن صحة خيار التحوط تختلف ما بين سعر 80 دولارا للبرميل وسعر 50 دولارا للبرميل، وتختلف حسب احتمالية ارتفاع الأسعار، وتختلف حسب آلية التحوط المستخدمة.
الاستعراض المتمعن للعوامل السابقة اليوم يرجح كفة خيار تحوط الحكومة من احتمالية عودة أسعار النفط عالميا الى الارتفاع، وذلك للأسباب التالية:
أولا: ارتفاع حجم الفاتورة النفطية نسبة للاقتصاد الوطني، و انخفاض سعر النفط الى مستوى مريح للاقتصاد ومناسب لبناء الموازنة وتوقعاتها، وبمعنى أن القيمة الاقتصادية للتحوط عند مستوى 50 دولارا أعلى من القيمة الاقتصادية التحوط عند مستوى 80 دولارا.
ثانيا: توفر آليات مرنة وغير مكلفة و"محدودة الخسائر" للتحوط مثل "خيارات الشراء" التي لا تزيد تكلفتها على 2 % من قيمة النفط المنوي شراؤه، ولا تمنع من الاستفادة من انخفاض أسعار النفط مستقبلا عبر التخلي عن هذه "الخيارات" وشراء النفط من السوق العالمي على السعر المنخفض. ضمن هذه الآلية، يستطيع الأردن التحوط من كامل فاتورته النفطية السنوية بأقل من 80 مليون دينار سنويا يمكن اضافتها على تسعيرة المحروقات على 12 شهرا وبحيث تصبح غير ملموسة لجمهور المستهلكين.
ثالثا: الأوضاع الجيوسياسية غير المستقرة عبر العالم، واحتمالية عقد صفقات سياسية تحت الطاولة، وقوة أداء الاقتصاد الأمريكي، وانخفاض شهية شركات الطاقة للتنقيب على النفط، وغير ذلك من عوامل يمكن أن تعود بأسعار النفط الى مستوياتها المرتفعة السابقة خلال زمن قياسي.
بالمناسبة، ما حدث مع الملكية الاردنية سابقا من تجربة مريرة للتحوط ناتج عن استخدام آلية التحوط الخاطئة عبر شراء كامل احتياجات الشركة من الوقود مقدما، مما ادى الى خسارة فادحة عندما عاودت أسعار النفط انخفاضها في تلك الفترة.
أما اليوم، فتستخدم الملكية آلية التحوط المناسبة عبر "خيارات الشراء" وهو ما سمح لها بالاستفادة من انخفاض أسعار النفط خلال الأشهر الستة الماضية. ذلك أن تكلفة التحوط 2 % بينما تراجعت أسعار النفط 60 %، أي أن الشركة استفادت بـ 58 %.