مسجد "المسيح عيسى" في مادبا .. نموذج التعايش الديني

على مسافة ليست بالبعيدة عن العاصمة الأردنية عمان، وبموازاة ما يسمى بـ"طريق الملوك" التاريخي، الذي يزيد عمره على 5000 عام، تقع مدينة مادبا الأثرية التاريخية، والتي يطلق عليها "مدينة الفسيفساء"، نتيجة اكتشاف العديد من الآثار الفسيفسائية المحفورة والمرسومة تحت أرضها، المليئة بالآثار التاريخية النادرة، والتي تعود في غالبها إلى العصرين البيزنطي والأموي.
التعايش الديني
إلا أن أكثر ما يميز المدينة، هو صورة التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين، فالمدينة تعتبر الأكثر في الأردن من حيث الاكتشافات الأثرية التي تعود إلى الديانة المسيحية والإسلامية على حدٍّ سواء، من بينها كنيسة القديس جورج، العائدة للروم الأرثوذكس، الكائنة في غرب المدينة.
مسجد "المسيح عيسى"
وعلى مقربة من كنيسة مبنية على أطراف المدينة، قرر الحاج غالب العتيبي، بناء مسجدٍ في محافظة مادبا على الطراز الإسلامي الحديث، وبكلفة مالية عالية، واستناداً إلى قصة قديمة، حدثت قبل 60 عاماً، وتقول بأن إمام أحد مساجد مادبا مرض مرضاً شديداً في شهر رمضان، وهو الأمر الذي منعه من إعلام المسلمين الصائمين بدخول موعد الإفطار، فلاحظ هذا الأمر القائم على الكنيسة المجاورة للمسجد، فعلم الرجل المسيحي بأن شيئاً ما قد حدث لجاره المسلم، فما كان منه إلا أن بدأ بقرع أجراس الكنيسة ليعلم المسلمين بأن موعد الإفطار قد حان.
اهتمام شعبي وإعلامي
وبدأ أول مسجد في الأردن والعالم العربي، يطلق عليه اسم "مسجد المسيح"، والذي بني قبل 3 أعوام، يثير اهتمام الناس من مسلمين ومسيحيين في مدينة مادبا، وفي غيرها من محافظات المملكة، بل إن المسجد أصبح محجاً للمسلمين لزيارته والصلاة فيه، فهو مع ما يحمله من اسم فريد ونوعي، يمثل تحفةً معمارية جديدة في فن العمارة الإسلامية.
وبات المسجد اليوم يمثل رمزاً للتعايش والاستقرار الاجتماعي والتسامح الديني بين الأردنيين (مسلمين ومسيحيين)، كما بدأت وسائل الإعلام المحلية بتسليط الضوء على هذا المسجد الذي يتميز بمزايا خاصة قل نظيرها في غيره من مساجد المملكة.
صراع ديني وطائفي
ويأتي بناء المسجد الملاصق للكنيسة للتعبير عن صورة عكسية وحالةٍ غريبة، نشأت حديثاً من خلال موجاتٍ من الصراع الطائفي والديني بين العرب أنفسهم، يمثل- بحسب أستاذ الشريعة أحمد الدويك، حالة استثنائية لعلاقة أخوية كانت دائماً مرسومة في وجدان الأردنيين جميعاً، من خلال علاقات طيبة وودية بين المسلمين والمسيحيين في الأردن".
وأضاف يقول: "نحن في نهاية المطاف مواطنون أردنيون، ونعيش على تراب واحد، وهذا بالضبط ما نسميه بـ"التعايش الديني" الذي نسعى لترسيخه في غير بلدٍ عربي".
علاقات أخوية قديمة
ولا تبدو حالة التعايش القائمة بين المسلمين والمسيحيين في الأردن، ومحافظة مادبا على وجه الخصوص، جديدة؛ إذ إنه وقبل خمسة عقود من القرن الماضي، تبرع أحد أبناء العشائر المسيحية في محافظة مادبا بقطعة أرض يملكها؛ لبناء مسجد ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال، والمعروف حالياً بـ"الجامع القديم".
بدوره، أكد مدير أوقاف مادبا، د.خليل الطوالبة، أن بناء وتسمية مسجد السيد المسيح عيسى عليه السلام، يهدفان إلى إظهار روح التآخي المسيحي الإسلامي في المدينة، موضحاً أن "لا مانع شرعي من إطلاق أسماء الأنبياء والرسل على المساجد"، مشيراً إلى "إطلاق أسماء الأنبياء على مساجد في أنحاء من المملكة، ومن بين هؤلاء سيدنا المسيح عيسى عليه السلام".
تحفة معمارية
يبلغ عدد المساجد في محافظة مادبا 150 مسجداً تخضع لإشراف رقابة مديرية الأوقاف الأردنية، ومساحة مسجد "المسيح عيسى بن مريم" تقدر بنحو 1000 متر مربع على أرض مساحتها 1129 متراً مربعاً، وهو مؤلف من 3 طوابق: أرضي، ومصلى للنساء، وآخر للرجال، إلى جانب رواق وقبة طولها حوالي 51 متراً.
ويمثل المسجد المبني حديثاً، لوحة هندسية رائعة الشكل، قريب في بنائه، من مسجد قبة الصخرة المشرفة، على شكل ثماني ومن الحجر النظيف، وبلغت كلفة بنائه، ما يزيد على نصف مليون دولار أمريكي.
أما الجدران الداخلية للمسجد فتتضمن لوحات فنية مكتوباً عليها آيات قرآنية، بعضها يتعلق بما ورد عن السيد المسيح، إضافة إلى رسومات ولوحات فنية معمارية مصنوعة من خشب البلوط المستورد.