دراسة : مشروع قانون الانتخاب مخالف للدستور
هوا الأردن -
أعد مركز إحقاق للدراسات والاستشارات دراسة قانونية بعنوان (المخالفات الدستورية التي تضمنها مشروع قانون الانتخاب لمجلس النواب لسنة 2015) بَيَّن فيها أن مشروع قانون الانتخاب لمجلس النواب لسنة 2015 الذي تم إرساله من قبل مجلس الوزراء إلى مجلس الأمة بغرفتيه من أجل دراسته ومناقشته وإقراره تضمن العديد من النصوص والأحكام المخالفة للدستور الأردني.
وأكد على ضرورة بحث مشروعية النصوص والأحكام التي تضمنها مشروع قانون الانتخاب قبل البحث والدراسة في ملاءمتها، فالبحث في المشروعية مقدم على البحث في الملائمة دائماً.
إلى ذلك قال المحامي إسلام الحرحشي مدير مركز إحقاق أنه وبموجب كتب رسمية طالب مركز إحقاق من مجلس الوزراء ومجلس الأعيان ومجلس النواب أن يستخدموا صلاحياتهم الدستورية وفق أحكام الدستور والتشريعات ذات العلاقة بتوجيه طلب تفسير للمحكمة الدستورية، بحيث يتم الطلب منها تفسير نصوص الدستور المشار إليها في الدراسة المرفقة لبيان إن كانت النصوص والأحكام التي تضمنها مشروع قانون الانتخاب المشار إليها في الدراسة تخالفها أم لا؟
وهذا نص الدراسة القانونية كما ورد:
دراسة قانونية: المخالفات الدستورية التي تضمنها مشروع قانون الانتخاب لمجلس النواب لسنة 2015
إعداد: مركز إحقاق للدراسات والاستشارات
المشرف العام: المحامي إسلام الحرحشي
يعتبر قانون الانتخاب لمجلس النواب قانوناً مكملاً للدستور، وهو من أهم قوانين المملكة الأردنية الهاشمية، إن لم يكن أهمها بعد الدستور، وتأتي هذه الأهمية كون هذا القانون متعلق مباشرة بنظام الحكم، فالمادة الأولى من الدستور تنص صراحة على أن نظام الحكم في المملكة الأردنية الهاشمية نيابي ملكي وراثي، أي أن الحكم في الأردن يرتكز دستورياً على المجلس النيابي والملك سواء بسواء.
وتقضي المادة (67) من الدستور أن تجري الانتخابات النيابية وفقاً لقانون الانتخاب، وبالتالي يكون واجباً وطبقاً للمبادئ والقواعد القانونية والقضائية والفقهية أن يكون هذا القانون متفقاً وخاضعاً للدستور نصاً وروحاً وغير مخالف له، وهذا ما تقضي به المبادئ والقواعد القانونية العامة في دولة القانون؛ إذ أن السيادة للقانون وفق مبدأ المشروعية الذي يقضي بأن لا يخالف التشريع الأدنى التشريع الأعلى شكلاً و/أو موضوعاً، وإلا كان جزاء التشريع الأدنى المخالف البطلان المطلق الذي لا ترد عليه إجازة في دولة القانون الملتزمة بمبدأ المشروعية.
من المزمع أن تجري الانتخابات النيابية في المملكة الأردنية الهاشمية بموجب قانون الانتخاب لمجلس النواب المرسل مشروعه إلى مجلس الأمة لإقراره وإصداره وفق أحكام الدستور شكلاً وموضوعاً، ولكن من خلال هذه الدراسة القانونية التي قام بها مركز إحقاق للدراسات الاستشارات وجدنا أن مشروع قانون الانتخاب لمجلس النواب لسنة 2015 قد تضمن مخالفات للدستور الأردني تجعل منه قانوناً غير دستوري، بل قانوناً باطلاً بطلاناً مطلقاً، لا ترد عليه إجازة في دولة القانون التي يخضع تشريعها الأدنى للتشريع الأعلى.
اولاً: مخالفة مبدأ استقلال السلطات العامة الذي اقره ويصونه الدستور الأردني، حيث لا يجوز أن تنشأ الدوائر الانتخابية في المملكة وأن توزع المقاعد النيابية فيها بموجب نظام تنفيذي،بل يجب أن تنظم بذات قانون الانتخاب
النص الدستوري المخالَف:
تنص المادة (67) من الدستور على ما يلي:
يتألف مجلس النواب من أعضاء منتخبين انتخابا عاماً سرياً ومباشراً ووفقاً لقانون الانتخاب .. الخ.
يقضي هذا النص بأن تنظم أحكام انتخابات أعضاء مجلس النواب بموجب القانون (قانون الانتخاب)، ومن المعلوم أن القانون هو التشريع الذي تصدره السلطة التشريعية (مجلس الأمة، والملك)، وعليه لا يجوز أن تجري الانتخابات وفقاً لنظام- يصدر عن السلطة التنفيذية – أو غيره.
لقد جاء في قرار المجلس العالي رقم 2 لسنة 2008 ما يلي:
(من القواعد الدستورية الجوهرية المتفق عليها فقهاً وتشريعاً وقضاءً ،أن الدستور هو المرجع الوحيد الذي يحدد اختصاصات السلطات وأسلوب ممارستها لها، وأنه لا يجوز إضافة أي اختصاصات جديدة لأية سلطة دستورية غير الاختصاصات التي نص الدستور عليها، كما أنه لا يجوز التعدي على الصلاحيات الدستورية لأية سلطة أو الانتقاص منها أو المشاركة فيها من قبل أية جهة أخرى، فعندما ينيط الدستور بسلطة من السلطات اختصاصات محددة أو صلاحية معينة، امتنع على السلطات الأخرى ممارسة هذا الاختصاص أو هذه الصلاحية، إذ أنه لا يؤخذ في القواعد والأحكام الدستورية بالقاعدة المأخوذ بها في الأحكام والقواعد المدنية القائلة (أن الأصل في الأمور الإباحة ما لم يرد دليلا لتحريم نصاً أو دلالةً)).. انتهى الاقتباس.
إن إنشاء الدوائر الانتخابية وتقسيمها على مستوى المملكة وتحديد عدد المقاعد لكل دائرة هو جوهر قانون الانتخاب وأساس أحكام الانتخاب، وعليه لا يجوز تنظيم هذه الأحكام إلا بموجب قانون فهذا الاختصاص معقود للسلطة التشريعية بموجب الدستور، ولا يحق للسلطة التشريعية التنازل عن اختصاصها الدستوري لأي سلطة أخرى، كما لا يجوز لها تفوض صلاحياتها واختصاصها إلا بنص يرد في الدستور، وقد خلا الدستور من هذا النص وبالتالي لا يجوز لها تفويض اختصاصها بموجب نص القانون، وبالتالي فالنص الوارد في قانون الانتخاب (المشروع) هو نص يخالف أحكام الدستور على نحو ما تم بيانه، وإضافة لذلك هو نص يخالف مبدأ استقلال السلطات.
وإذا كان لمجلس الوزراء صلاحية إصدار أنظمة لتنفيذ القوانين، فليس له إصدار أنظمة تشريعية إلا فيما حدد له الدستور على سبيل الحصر، كما أنه ليس للسلطة التشريعية أن تفوض اختصاصها هذا للسلطة التنفيذية أو غيرها إلا بموجب نص في الدستور الذي يحدد الاختصاصات للسلطات العامة في المملكة.
أي أنه لا يجوز أن يحيل قانون الانتخاب تنظيم الدوائر الانتخابية والمقاعد المخصصة لها إلى نظام.
إن ما قضت به المادة (8) من مشروع القانون بأن يتم تقسيم المملكة إلى دوائر انتخابية يخصص لها مائة وثلاثون مقعداً نيابياً وفقا لنظام خاص يصدر لهذه الغاية هو أمر مخالف لأحكام الدستور الأردني، إذ إن النظام الانتخابي وتقسيم الدوائر الانتخابية هما جوهر العملية الانتخابية وأساسها، وهما الغاية الأساسية لإصدار التشريع (القانون) وإن تفصيل أحكامهما وضبطها هو عمل تشريعي قانوني بامتياز وفق أحكام المادة (67) من الدستور، واختصاص إصدار القانون يناط حصراً بمجلس الأمة ومصادقة الملك، وهذا الاختصاص لا يجوز تفويضه لمجلس الوزراء بأي حال من الأحوال عبر إصدار القرارات أو الأنظمة حتى لو نص القانون على ذلك إذ أن صلاحية مجلس الوزراء دستورياً في إصدار الأنظمة تنحصر بنوعين من هذه الأنظمة:
1. الأنظمة المستقلة: وهي الأنظمة التي تصدر عن السلطة التنفيذية في المسائل المتعلقة في بالتقسيمات الإدارية وكيفية إدارة الدولة وتنظيم أعمال المؤسسات الحكومية وشؤون الموظفين وخلافه وهي المقصودة في المادة (120) من الدستور والتي جاء فيها (التقسيمات الإدارية في المملكة الأردنية الهاشمية وتشكيلات دوائر الحكومة ودرجاتها وأسماؤها ومنهاج إدارتها وكيفية تعيين الموظفين وعزلهم والإشراف عليهم وحدود صلاحياتهم واختصاصاتهم تعين بأنظمة يصدرها مجلس الوزراء بموافقة الملك.
2. الأنظمة التنفيذية: وهي الأنظمة التي يصدرها مجلس الوزراء بهدف تنفيذ أحكام القانون إذا نص القانون على ذلك وهذه الأنظمة لا يجوز لها أن تتضمن حكماً تشريعياً يُعدّل أو يلغي حكماً ورد في القانون ولا يجوز أن تتضمن أيضاً حكماً تشريعياً جديداً لم يرد في القانون نفسه، حيث قضت المادة (31) من الدستور بأن الملك يصدق على القوانين ويصدرها ويأمر بوضع الأنظمة اللازمة لتنفيذها بشرط أن لا تتضمن ما يخالف أحكامها)، ومن المُجمع عليه بكل وضوح تفسيراً وقضاءاً وفقها مهمة الأنظمة التنفيذية هي أن تتضمن القواعد التفصيلية اللازمة لتطبيق القانون وحسب لا أن تتضمن أحكاماً تشريعية جديدة لم يتضمنها القانون.
إن النظام الذي يتحدث عنه النص، هو بالضرورة نظام تنفيذي، تصدره الحكومة استناداً للمادة (31) من الدستور. ومن بديهيات علم القانون، أنه لا يجوز للنظام التنفيذي أن يضيف أحكاماً جديدة إلى القانون، كما لا تملك السلطة التشريعية أية صلاحية في الدستور تفوض بموجبها الحكومة إصدار أحكام جديدة في النظام تضيفها إلى القانون.
وعليه فإن إنشاء الدوائر الانتخابية هو حكم جديد، كما أن تحديد عدد مقاعد الدائرة الانتخابية هو حكم جديد أيضاً، ولا يجوز تشريع أي من الحكمين بموجب نظام يصدره مجلس الوزراء، ولذلك، فإن المادة (8/أ) سابقة الذكر، تسلب من السلطة التشريعية اختصاصها في تشريع تلك الأحكام الجديدة، وبالتالي فإن هذه المادة تغدو مخالفة لأحكام الدستور حتماً، وحتى من باب الملاءمة السياسية، فإنه لا يجوز إعطاء مجلس الوزراء (السلطة التنفيذية) صلاحية تفصيل الدوائر الانتخابية، ضيقاً أو اتساعاً، وتحديد مقاعد كل دائرة، بموجب نظام تستطيع أن تعدّله أو تغيّره في ساعة واحدة، لتحابي من تريد وتحرم من تريد.
ثانياً: مخالفة مبدأ المساواة بين الأردنيين وعدم التمييز بينهم، الذي اقره ويصونه الدستور.
النص الدستوري المخالَف: (تنص المادة 6/1) من الدستور على ما يلي:
الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والوجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين
وقد بيّن هذا النص أن الأردني هو من يحمل الجنسية الأردنية وفق أحكام قانون الجنسية؛ أي أن علاقة المواطن بالدولة هي علاقة قانونية، تنشئ له مركزاً قانونياً، يكون له حقوق على الدولة، وعليه واجبات لها، وكفل الدستور بمقتضى المادة (6/1) لهذه المراكز القانونية المساواة أمام القانون وأوجب عدم التمييز بينها على أساس العرق أو اللغة أو الدين، بصراحة النص، أو أي أساس آخر غير مشروع يمس مبدأ المساواة ضمناً.
وإذ يقضي الدستور في المادة (67) أن يتم انتخاب أعضاء مجلس النواب (الأردنيين) وفقاً لقانون الانتخاب، فهل الأردنيون أمام هذا القانون سواء ولا تمييز بينهم في حقهم في الانتخاب والترشح؟؟
إن الناظر إلى تقسيم الدوائر الانتخابية وتوزيع المقاعد فيه والتي يجب أن تعد جزءاً من القانون لا يتجزأ منه، التي تعد أساس قانون الانتخاب، يجد أن هناك تمييزاً بين الأردنيين على أساس العرق أو الدين أو الجنس، وهو تمييز غير مشروع بصراحة نص المادة (6/1) من الدستور ومقتضاها. والبيان على النحو الآتي:
1-لقد ميز القانون بين الأردنيين على أساس الدين؛ فالأردنيون المسلمون حدد لهم القانون الغالبية العظمى من المقاعد في مجلس النواب، بينما الأردنيون المسيحيون حدد بعض هذه المقاعد، رغم أن أتباع كلتا الديانتين أردنيون، وكفل الدستور لهم المساواة أمام القانون في توفير الفرصة لهم ليكونوا أعضاء في مجلس النواب دون أن يُميّز بينهم تمييزاً على أساس الدين وهو تمييز غير مشروع بصراحة المادة (6/1) من الدستور، فالقانون ضمن لفئات طائفية معينة العضوية في مجلس النواب، وحدد لهم دوائر محددة، وحدد لهم عدد المقاعد في المجلس، فالمسيحي مثلاً، رغم انه أردني وكفل الدستور له المساواة مع مواطنه المسلم، لا يجوز له أن يكون نائباً عن كثير من الدوائر الانتخابية وان كان مقيما بهذه الدوائر، فالقانون ميّز بين الأردنيين المسيحيين وبين الأردنيين المسلمين على أساس الدين، وهو تمييز غير مشروع بصراحة نص المادة (6/1) من الدستور.
2-لقد ميّز القانون بين الأردنيين على أساس العرق؛ فالأردني كونه شركسياً أو شيشانياً حدد له القانون أن يكون نائباً عن بضع دوائر انتخابية فقط، وبالمقابل حرمه من فرصته في أن يكون نائباً عن بقية الدوائر، رغم انه أردني، وكفل الدستور له المساواة مع مواطنه العربي وغير العربي، فالتمييز بين الأردنيين على أساس العرق غير مشروع بصراحة نص المادة (6/1) من الدستور.
3-وكذلك في دوائر البادية المغلقة، نجد أن القانون ميّز بين الأردنيين على أساس العرق وهو تمييز غير مشروع بصراحة نص المادة (6/1) من الدستور، فحرم عشائر معينة بالاسم في النظام من حقهم في أن يكونوا نواباً عن غير هذه الدوائر، وحرم الأردنيين من غير هذه العشائر أن يكونوا نواباً عن دوائر البادية، رغم أنهم جميعاً أردنيون، وكفل الدستور لهم المساواة أمام القانون وعدم التمييز بينهم على أساس العرق.
4-لقد خالف القانون مبدأ المساواة بين الأردنيين وعدم التمييز بينهم الذي اقره الدستور، عندما خصص وحدد مقاعد للنساء، وقد جاء التمييز هذه المرة على أساس الجنس، وهو تمييز غير مشروع بمقتضى المادة (6/1) من الدستور، فتخصيص بضع مقاعد للنساء في مجلس النواب مخالف لمبدأ المساواة بين الأردنيين وعدم التمييز بينهم على أسس غير مشروعة رجالا ونساء الذي اقره الدستور.
ويجدر بنا التساؤل في هذا المقام... وعلى فرض مشروعية تخصيص هذه المقاعد للنساء – مع عدم التسليم – لماذا تم تخصيص بضع مقاعد لهن فقط؟؟ في الوقت الذي تمثل نسبة الإناث في المملكة ما يقارب (50%) من مجموع المواطنين، أي لماذا لا يخصص لهن نصف المقاعد في مجلس النواب؟؟
ويجدر بنا أن نسأل في هذا المقام... لماذا هذه الفئات الدينية أو العرقية أو الطائفية يخصص لها الجدول مقاعد في مجلس النواب دون فئات أخرى من مثل الفئات العرقية التالية: (الكردية أو التركمانية أو البخارية أو...الخ)، أو الفئات الطائفية: الدرزية أو غيرها؟؟
أليس في هذا الوضع الذي يقيمه القانون تمييزاً بين المواطنين الأردنيين على أسس غير مشروعة ومخالفة لأحكام الدستور مخالفة صريحة، في حين ساوى الدستور بين الأردنيين ومنع التمييز بينهم على أساس أعراقهم وديانتهم أجناسهم بنص صريح.
إن وظيفة القانون أن يكافئ فرص الأردنيين في أن يكونوا نواباً في مجلس النواب، لا أن يضمن لهم التمثيل على أسس واعتبارات غير مشروعة مخالفة لأحكام الدستور، أي على أساس العرق أو اللغة أو الدين بصراحة النص أو على أساس الجنس بضرورة مقتضاه، ويكون تكافؤ الفرص بان يحدد القانون لكل دائرة عدداً من النواب دون تخصيص على أساس العرق أو اللغة أو الدين أو الجنس، كأن يذكر الدائرة س لها عدد من النواب، دون تحديد دينه أو لغته أو عرقه أو جنسه، فبذلك يساوي بين الأردنيين على اختلاف أصولهم ومنابتهم وديانتهم وأجناسهم في الفرصة في أن يكونوا نواباً عن هذه الدائرة أو الدوائر ولا يميّز بينهم.
وذلك خلافاً للوضع الكائن في ظل دستور (1947) والقانون الأساسي لشرق الأردن (1928) اللذين كانا يراعيان وضعاً استثنائياً يستوجب رعاية الأقليات العرقية أو الطائفية، فقد كان دستور (1947) يقضي في المادة (33)، وكان القانون الأساسي (1928) يقضي أيضاً في المادة (25/أ) بوجوب رعاية التمثيل العادل للأقليات، فهذا استثناء على القاعدة العامة الدستورية في المساواة قد جاء بنص دستوري، أما دستورنا الحالي (1952) فقد ألغى هذا النص، الآمر الذي يوجب أن نلتزم ونخضع للقاعدة العامة في المساواة وعدم التمييز بين الأردنيين في الحقوق والواجبات على أساس العرق أو اللغة أو الدين، فالاستثناء لا يكون مشروعاً إلا إذا كان بنص من مستوى النص الذي يحكم القاعدة العامة، وغير مشروع إذا كان بمقتضى تشريع من مستوى أدنى، التزاما بمبدأ التدرج القانوني.
ثالثاً: مخالفة لمبدأ العمومية الذي اقره ويصونه الدستور
النص الدستوري: تنص المادة 67 من الدستور على ما يلي:
يتألف مجلس النواب من أعضاء منتخبين انتخاباً عاماً سرياً ومباشراً ووفقاً لقانون الانتخاب.. الخ.
يتبين لنا من هذا النص أن الانتخاب يجب أن يكون عاماً، وهو حق يمارسه ويستعمله جميع الأردنيين البالغين سن الرشد السياسي، وليس خاصاً بفئة أو فئات دون أخرى، ولا يستثنى من هذا الحق احد أو فئة، سوى الذين ليس لديهم أهلية لممارسة الحقوق السياسية وفق القواعد والمبادئ القانونية العامة، مثل من لم يبلغوا سن الرشد السياسي، أو المحجور عليهم لذاتهم أو لأي سبب آخر، أو المفلس قانونياً ولم يستعد اعتباره، أو المحكوم عليه بجرم متعلق بالشرف والأمانة أو بجناية ولم يستعد اعتباره فهذه الفئات من المواطنين ليست أهلاً لممارسة واستعمال الحقوق السياسية ومنها حق الانتخاب بسبب نقص الإدراك لاختيار الأفضل والأنسب أو لعيب لحق بعقولهم أو لعيب لحق بذمتهم جعل منهم مواطنين غير ثقات لاختيار نواب الأمة، فهذه العلل التي من اجلها منعوا أو حرموا من ممارسة واستعمال حقهم في الانتخاب.
النص المخالف: أما ما تضمنه القانون من نص:
يوقف استعمال حق الانتخاب لمنتسبي القوات المسلحة والمخابرات العامة والأمن العام وقوات الدرك والدفاع المدني أثناء وجودهم في الخدمة الفعلية، ما هو إلا قيد غير مشروع على مبدأ العمومية الذي أقره ويصونه الدستور.
فالعسكريون هم إحدى فئات المواطنين الذين تتوافر فيهم الثقة والشرف وحسن الاختيار ويتمتعون بالأهلية لممارسة حقوقهم السياسية ومنها حق الانتخاب لمجلس النواب، ولا يجوز أن يكون وجودهم في الخدمة العسكرية المشرفة سبباً لنقص أهليتهم السياسية، فيوقف حقهم في الانتخاب، وما وقف استعمال الحق إلا حرمان من استعمال حق الانتخاب، كما أن هذه الفئة تتأثر بالقرارات التي يتخذها مجلس النواب كغيرهم من المواطنين، ودستورياً ومنطقياً لهم الحق الكامل في أن يشاركوا في اختيار ممثلي المواطنين والشعب (النواب) وممارسة واستعمال حق انتخاب أعضاء مجلس النواب، وذلك أسوة بفئات المواطنين الأخرى المتمتعة بهذا الحق، وهذا الحق يمارسه ويستعمله العسكريون في الدول المتقدمة والديمقراطية.
إن فئة العسكريين هي فئة على قدر عال من المعرفة والوعي والإدراك وحسن التقدير والاختيار، كيف لا وهم من حملة الشهادات العلمية في الطب والهندسة والحقوق والإدارة وغيرها من التخصصات، لهذا من غير المبرر ولا المستساغ أن يهدر حقهم في إبداء رأيهم في اختيار ممثلي المواطنين والشعب وهم جزء من هذا الشعب وفئة لها كل الاحترام والتقدير من هؤلاء المواطنين، يتأثرون كغيرهم بقرارات هذا المجلس ضمن اختصاصاته؛ فمثلاً: قانون الخدمة العسكرية للضباط والأفراد / وهو قانون يقره مجلس النواب، هذا القانون يتأثر به العسكريون بشكل مباشر، أليس من حق العسكريين إن يختاروا نواباً عنهم ليعبروا عن رأيهم في هذا القانون وما يتضمنه من أحكام مهمة من مثل الأحكام الخاصة بانتهاء وإنهاء الخدمة العسكرية لتحديد ضوابط موضوعية وشفافة محددة لها، وأن لا تكون شخصية وعشوائية؟؟
إن عدد العسكريين الأردنيين يقارب الثلاثمائة آلف مواطن، ولقد أدى العسكريون كامل واجباتهم تجاه الوطن، ولهم في خدمتهم المشرفة في المؤسسة العسكرية الفضل، فلماذا ينتقص هذا القانون حقهم في الانتخاب خلافاً لأحكام الدستور الذي يقر ويضمن لهم هذا الحق ولا يمنعهم من ممارسته ولا يمنعهم من استعماله؟؟
وعليه فإن حق العسكريين في الانتخاب هو حق مشروع اقره ويصونه الدستور بنص وواضح أبلج، والنص الذي يوقف استعمال هذا الحق في القانون، ما هو إلا نص يخالف الدستور مخالفة واضحة تستوجب بطلان هذا النص بطلاناً مطلقاً، وعدم إجازته إذا ما أردنا أن نكون في دولة القانون ملتزمين بمبدأ المشروعية.
رابعاً: خالف مشروع قانون الانتخاب لسنة 2015 أحكام الدستور بعدم تضمين القانون دوائر انتخابية لتمثيل جزء من أراضي المملكة الأردنية الهاشمية.
النص الدستوري المخالَف: (تنص المادة (1) من الدستور):
المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة ملكها لا يتجزأ ولا ينزل عن شيء منه...الخ
المخالفة لأحكام الدستور:
لم تتضمن الدوائر الانتخابية في مشروع قانون الانتخاب دوائر انتخابية لكل من محافظة القدس ومحافظة نابلس ومحافظة الخليل والمقاعد المخصصة لكل منها والتي قد تضمنها قانون الانتخاب لمجلس النواب (قانون رقم 22 لسنة 1986) المنشور في الجريدة الرسمية عدد (3398) الصادر بتاريخ (17/5/1986)، حيث تعتبر هذه المحافظات دستورياً وقانونياً جزء من أراضي المملكة الأردنية الهاشمية ولا يجوز التنازل عنها بمقتضى المادة (1) من الدستور، الذي لا يجيز التنازل عن اي جزء من أراضي المملكة الأردنية الهاشمية، ويقع باطلاً بطلاناً مطلقاً لا ترد عليه إجازة في دولة القانون الملتزمة بمبدأ المشروعية أي عمل أو أي إجراء من شأنه التنازل عن أي جزء من أراضي المملكة الأردنية الهاشمية.
وأما التحجج بقرار فك الارتباط، فما هو إلا محض كلام لا أساس له من الصحة والمشروعية، فلا وجود لما يسمى (قرار فك الارتباط)، ولا مشروعية له إن وجد، وإلا فأين هو هذا القرار المزعوم؟ ومن أصدره؟ وما نصه؟ ومتى صدر؟ وما سنده؟ وما مدى مشروعيته ان كان قد صدر؟ إن وجود القرار المزعوم مرتبط وجوداً وعدماً بالإجابة على هذه الأسئلة، وإلا فإنه غير موجود أصلاً.
لما تقدم يتبيّن لنا بجلاء إن مشروع قانون الانتخاب لسنة 2015 وخصوصاً هذه المواد والأحكام المشار إليها آنفا مخالفة للدستور (القانون الأعلى)، وهذه المخالفة تبطله وتبطلها بطلاناً مطلقاً، بطلاناً لا ترد عليه إجازة في دولة القانون الملتزمة بمبدأ المشروعية، وعليه يكون الانتخاب الذي سيجري بموجب هذا القانون باطلاً، ونتائجه باطلة، فما يبنى على الباطل فهو باطل وفق المبادئ والقواعد القانونية والقضائية والفقهية.