الهواتف الذكية ترسخ بـ"شتوة عمان" مفهوم المواطن الصحفي
علاوة على مهامها الرئيسية في تسهيل اتصالات الناس وربطهم بشبكة الإنترنت لتسيير أمور حياتهم اليومية الاجتماعية أو العملية، تلعب هواتفنا الذكية اليوم دور الراصد والموثّق والناقل للأحداث في وقت حدوثها في كافة مناحي الحياة: احداث الفرح والحزن، البناء والهدم، الإنجازات والكوارث، وغيرها من الأحداث......
فهواتفنا الذكية اليوم، ومعظمها مزودة بكاميرات ذات قدرات عالية، ومع ارتباطها وتوفيرها تطبيقات لشبكات التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك"، و"تويتر"، وتطبيقات التراسل مثل "واتساب"، اصبحت منصات إعلامية بامتياز، حوّلت المستخدم العادي إلى ما يسمى بـ "المواطن الصحفي" الذي اصبح بمقدوره - مع تسلحّه بهذه الاجهزة التقنية وتطبيقاتها ان ينقل الأحداث من مكان تواجده الى عامة الناس من مستخدمي الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، لدرجة أن كثيرا من وسائل الإعلام التقليدية أصبحت تعتمد على ما ينقله هؤلاء المستخدمون العاديون من محتوى " مكتوب، صور، فيديوهات" في تغطياتها الاعلامية لحدث ما.
هذا الدور الذي اصبحت تلعبه الهواتف الذكية وتطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي، ظهر بشكل بارز - ووفر مادة إعلامية دسمة تناولها الأردنيون وتناقشوا حولها خلال اليومين الماضيين عبر منصات الإعلام الاجتماعي، عندما رصدت هذه الهواتف معظم أحداث "الشتوة الأولى" في عمّان، صباح الخميس الماضي، وكانت المصدر الاساسي لمعظم ما تنالقته وسائل الإعلام حول الامطار الغزيرة التي داهمت العاصمة في اقل من ساعة، وتسببت بسيول وانجرافات نجم عنها وفاة أربعة أشخاص ومحاصرة مئات آخرين وسط انتقادات شديدة لامانة عمان والاستعدادات التي قامت بها لمواجهة مثل هذه الحالات الجوية.
فمنذ اللحظة الأولى لهطول الامطار الغزيرة التي فاجأت العمانيين، بدأ مواطنون عاديون - تواجدوا في شوارع العاصمة واحيائها صباح الخميس- باستخدام هواتفهم والتقاط صور وفيديوهات رصدت تدفق الامطار والسيول التي أغلقت الشوارع والانفاق، التقطوا ونقلوا مئات الصور والفيديوهات لمحاصرة وغرق السيارات في شوارع رئيسية في العاصمة، حصار الامطار للمواطنين في الشوارع ووسائل النقل وحتى في مساكنهم لا سيما المنخفضة منها في تسويات المباني.
لكن آخرين - وبعفوية تامة- نقلوا صورة "أكثر جمالا" بتصوير صور وفيديوهات لبطولات شباب أردنيين وكوادر للدفاع المدني انقذوا العشرات من المواطنين من موت محتم كاد يودي بحياتهم نتيجة مداهمة المياه الغزيرة لهم، لعل ابرزها الفيديو الذي وصفه كثيرون بـ " المثير" والذي كان الأكثر تداولا عبر شبكات التواصل الاجتماعي للشاب الاردني "راكان قطيشات"، الذي خاطر بحياته وانقذ 6 اطفال من عائلة واحدة داهمت منزلهم المياه الجارفة، عندما قام بخلع شبك الحماية لنافذة المنزل الذي تعرض لمداهمة مياه الامطار الغزيرة في منطقة حي نزال في عمان.
صور الفيديوهات التي رصدت حالة عمان وشوارعها ومنازلها، وبطولات الشباب وكوادر الأمن العام لانقاذ المحاصرين، تصدرت ما تداوله مستخدمو الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في الأردن خلال اليومين الماضيين، لا سيما فيديو انقاذ الشاب الأردني راكان قطيشات لستة اطفال، ولم يتوقف الامر عند المستخدم العادي، فوسائل إعلام رئيسية اعتمدت على ما انتجه مستخدمون عاديون من صور وفيديوهات دعما لتغطياتها الاعلامية التي حملت عنوان "عمان تغرق"، ذلك ما اشار اليه المستشار والمدرب في مجال الإعلام الاجتماعي خالد الأحمد.
وقال الاحمد لـ " الغد" ان " شتوة عمان" وتداعيتها تصدرت المشهد في شبكات التواصل الاجتماعي في الأردن وحتى المنطقة، حيث عجّت شبكات "فيسبوك"
و"تويتر" بملايين الصور والفيديوهات والبوسترات والتغريدات المتعلقة بالحدث، لافتا الى انه لولا تواجد وانتشار الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي لكانت تغطية وانتشار الاخبار المتعلقة بـ " الشتوة" محدودة.
واشار إلى أن ذلك يندرج تحت ما يسمى بـ "المواطن الصحفي" وهو المفهوم الذي ساعد على ظهوره ادوات الهواتف الذكية والإنترنت عريض النطاق وتطبيقات التواص الاجتماعي، لكنه اضاف بان لهذا المفهوم محاذير كون المستخدم العادي لا يمتلك خبرة الصحفي فهو ينقل الحدث بعفوية دون امتلاكه لادوات الاحتراف ما يستدعي في بعض الحالات التأكد من مصادر المحتوى الذي يجري تناقله بين عامة الناس.
ويقدر عدد مستخدمي الإنترنت في المملكة بحوالي 6.2 مليون مستخدم، فيما تقدر نسبة انتشار الهواتف الذكية بحوالي 705 من اجمالي اشتراكات الخلوي المقدر عددها بحوالي 12 مليون اشتراك، في وقت تظهر فيه ارقام غير رسمية بان عدد مستخدمي فيسبوك من الأردنيين يتجاوز اليوم الـ 4.1 مليون مستخدم، فيما يقدر عدد مستخدمي تويتر بحوالي الربع مليون مستخدم.
ويرى الخبير التقني، عبد المجيد شملاوي، بأن توافر شبكات الإنترنت عريضة النطاق واستخدام الهواتف الذكية وانتشارها الرهيب بين عامة الناس اسهم كثيرا في تطور مفهوم "المواطن الصحفي"، مؤكدا أهمية هذا المفهوم في سرعة وانتشار الخبر لاي حدث كان.
وقال شملاوي بان المؤسسات الحكومية يمكنها الاستفادة من هذه التقنيات والمحتوى الذي ينتجه المواطنون وذلك للوصول الى مواطن الخلل في الخدمات التي تقدمها، ورصدها للعمل على معالجتها؛ حيث وفرت هذه التقنيات طرقا جديدة للتواصل بين الناس والمؤسسات الحكومية، فضلا عن توفيرها وسائل جديدة للاعلام التقليدي يجب الاستفادة منها لتعزيز محتواها واسبقيتها في نقل الخبر.