خبراء يحذرون من "خنق" مؤسسات المجتمع المدني بدعوى مكافحة التطرف
فيما أكد خبراء وقيادات مجتمع مدني أهمية محاربة التطرف والإسراع بإقرار قانون تجريم الكراهية، فقد حذروا، من جانب آخر، من "خطورة ان تعمل الحكومة على خنق وتقييد الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني تحت مبرر الرقابة ومكافحة التطرف".
وقال هؤلاء، إن مؤسسات المجتمع المدني لا ترفض فكرة الرقابة على الجمعيات، وإنما "ترفض اسلوب الرقابة المتبع"، لافتين الى ان "ما تلجأ له الحكومة الآن هو رقابة استباقية على مؤسسات المجتمع المدني، في حين ان المطلوب ايجاد منظومة للرقابة البَعدية، بحيث تتم محاسبة الجمعيات في حال إخلالها بالقوانين او بثها لخطاب كراهية او خطابا تحريضيا".
واعتبروا ان "اجراءات الحكومة، وتحديدا حكومة عبدالله النسور السابقة بالتعديلات المقترحة على مشروع القانون المعدل لقانون الجمعيات، وآلية التمويل، لن تتسبب سوى بتضييق الخناق على مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل على نشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان والانفتاح والتنوير". وحذروا من أن "بعض الجهات التي تتخذ من الجمعيات غطاء لها لنشر فكرها المتشدد والرافض للآخر، والذي يروج لأفكار رجعية، غالبا ما تحصل على تمويلها عن طريق التمويل الفردي الذي لا يتم ادخاله ضمن بيانات وسجلات محاسبية".
وكانت الخطة الوطنية لمكافحة التطرف، والتي نشرتها "الغد" مؤخرا، تضمنت بندا يتعلق بتعزيز الرقابة على عمل الجمعيات، ينص على "تعزيز عملية مراقبة الجمعيات وتقييم ادائها وبناء القدرة المؤسسية لها للقيام بدور فاعل في مجال التوعية والتنوير المجتمعي ضد الظواهر السلبية وفي مقدمتها التطرف والتكفير للتمكن من إطلاق عملية حوار مجتمعي دائم".
وأثار هذا البند انتقادات قيادات في المجتمع المدني، معتبرين أن "مكافحة التطرف تكون عبر تعزيز مؤسسات المجتمع المدني وليس عبر تشديد الرقابة الاستباقية عليها".
وما زاد من مخاوف منظمات المجتمع المدني تزامن الاعلان عن الخطة مع إعداد الحكومة السابقة مسودة لقانون معدل للجمعيات، ووضع آلية جديدة للحصول على التمويل الاجنبي للجمعيات، وهو ما اعتبر حينها "مزيدا من التقييد لعمل ومشاريع الجمعيات، ما يعني حتما مزيدا من التضييق على الحريات العامة".
وفي انتقادهم للتشديدات في مسودة معدل قانون الجمعيات، وعلاقة التضييق بمكافحة التطرف، قال هؤلاء، انه "في حال ثبت ان هناك جمعية تخالف القانون أو تهدد الأمن الوطني فهناك منظومة قانونية متمثلة في عدد من القوانين مثل قانون محكمة أمن الدولة، وقانون العقوبات وغيرها من القوانين التي تفصل بها المحاكم، وعليه فإن منح الوزير صلاحية التنسيب بحل الجمعية هو منحه صلاحية المحاكم والقضاة في قوانين أخرى".
الناطق باسم وزارة التنمية الاجتماعية فواز الرطروط يقول بهذا الخصوص، ان "من مهام وزارة التنمية الاجتماعية بموجب التشريعات الناظمة مراقبة وتقييم عمل الجمعيات"، مشيرا في هذا السياق الى أهمية "التمييز بين نوعين من المهام هما الاشراف والرقابة أما المهمة الاخرى فهي تمكين ودعم الجمعيات".
ويوضح الرطروط في هذا السياق طبيعة الدعم بقوله انه يشمل "مساعدتها في بناء القدرة لتكون شريكا في التنوير ومكافحة التطرف، ولذلك قدمت الوزارة الدعم لعدد من الجمعيات والمبادرات لمشاريع مختلفة من بينها مشاريع مكافحة التطرف ونشر الفكر التنويري".
وبخصوص الرقابة على عمل الجمعيات، قال ان "الرقابة والإشراف على الجمعيات هي احدى مهام الوزارة بموجب التشريعات الناظمة لها، وهي اجراءات يحكمها قانون وهو قانون الجعيات"، مشيرا الى ان هناك نحو 5000 جمعية ثلثاها تقريبا جمعيات خيرية خاضعة لوزارة التنمية الاجتماعية.
وعن حل الجمعيات قدر الرطروط "حل نحو 100 جمعية كل عام"، لافتا الى ان اسباب الحل تتراوح بين ارتكاب المخالفات، أو عدم ممارسة أي نشاط لمدة عام، او بناء على طلب القائمين على الجمعية نفسها.
في وقت اكد فيه الرطروط تحويل عدد من الجمعيات سنويا للمدعي العام بناء على خلفية مخالفات وتجاوزات قانونية، ولم يفصح الرطروط ما إذا كان اي من هذه الجمعيات قد ارتكب مخالفات تتعلق بالقيام بأعمال غير مشروعة مرتبطة بالتطرف والإرهاب، في وقت تؤكد فيه مصادر أن حالات الجمعيات التي تم التحقيق بها لمخالفات تتعلق بالإرهاب تكاد لا تذكر او معدومة.
وفي المقابل، يرى مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية أحمد عوض، أن "محاربة التطرف لا تكون عبر تضييق عمل مؤسسات المجتمع المدني، وإنما عبر اصدار قانون تجريم الكراهية وانفاذه"، داعيا الى اقرار هذا القانون بأسرع وقت كونه حاجة ماسة اليوم.
واكد انه، "ليس منطقيا حرمان افراد المجتمع من حقهم في التنظيم والانتساب الى الجمعيات بدعوى مكافحة الفكر المتطرف، فمكافحة هذا الفكر والتطرف والارهاب يكون عبر اصدار قوانين تجرم الكراهية والتطرف".
ويقر عوض بوجود جمعيات تعمل على نشر فكر متشدد ومخالف لتوجهات الدولة المدنية، مشيرا الى جمعيات خيرية تنشط في مجال تزويج القاصرات بحجة توفير الحماية لهن خصوصا الفتيات اللواتي يعانين من اوضاع اقتصادية صعبة او الفتيات اللاجئات.
ويتابع "محاسبة هذا النوع من الجمعيات امر ممكن وفق القانون خصوصا ان زواج القاصرات مخالف للقانون، وهنا يأتي الحديث عن الرقابة البَعدية لعمل الجمعيات وما اذا كانت مخالفة للقانون".
ويقول "هناك جمعيات تعمل تحت غطاء الدعوة الى الدين تروج لأفكار مخالفة للقانون، وتعتمد على تبرعات فردية وهذه التبرعات في الغالب لا تدخل ضمن الاجراءات المحاسبية والموازنة، وهذا النوع من الجمعيات من الممكن متابعتها وفق اجراءات قانونية بحيث يكون الاجراء القضائي هو الفيصل".
وفي هذا السياق، يشير عوض الى أن الاجراءات التي اتخذتها الحكومة بخصوص آلية الحصول على التمويل الاجنبي والتعديلات على قانون الجمعيات عملت على تضييق الخناق على الجمعيات التي تعمل وفق اسس محاسبية وشفافية عالية ولديها نظم محاسبة.
ويوضح أن الجمعيات التي تضررت من آلية الرقابة على التمويل الاجنبي هي مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل على نشر ثقافة التنوير واحترام معايير حقوق الانسان والديمقراطية.
وأعرب عن أسفه من ان من شأن "بعض اجزاء الخطة الوطنية لمكافحة الإرهاب ان يعزز التطرف، وتحديدا الجوانب التي تتضمن تضييقا على الحريات العامة كعمل الجمعيات"، موضحا " البيئة الاكثر ملاءمة لتفشي ظاهرة التطرف تأتي من التضييق على حريات الجمعيات والمجتمع المدني بشكل عام".
ويشير الى ان "غلق باب الديمقراطية بمفهومها الشامل وعدم احترام حقوق الانسان وغياب سيادة القانون وعدم المساواة والتفاوت الاجتماعي، تشكل البيئة الخصبة التي يترعرع فيها الفكر التطرف، وأي اجراءات لمكافحة التطرف تقوم على فرضيات أخرى، هي (تغميس خارج الصحن)، ولن تسهم في وضع حد لهذه المنظومة الفكرية المتنامية".
ويتفق الرئيس التنفيذي لمركز حرية وحماية الصحفيين نضال منصور مع عوض في أن "التشديد على الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني كوسيلة للحد من التطرف غير مبرر ولا يمكن فهمه الا بأنه تضييق على الحريات وحقوق الانسان وحق التجمع والتنظيم".
ويتابع منصور "موقفنا واضح نحن لا نرى المجتمع المدني محصنا من الرقابة لكن يجب ان تكون بَعدية وليست استباقية"، لافتا الى أن اتفاقيات التمويل التي توقعها مؤسسات المجتمع المدني تكون مبنية على نصوص واضحة، كما ان هناك نصوصا واضحة بعدم جواز استخدام التمويل لأهداف غير مشروعة.
وتساءل "هل الحكومة خلال وضعها للخطة اكتشفت أي حالة لجمعية او مؤسسة مجتمع مدني استخدم بها المال او الموارد المالية لتمويل الإرهاب؟"، مضيفا، "بحسب معرفتي فإن هذا الامر لم يتم سابقا، وفي حال تم نتمنى من الدولة الاعلان عنه".
وبين ان "البنك المركزي يراقب أموال المؤسسات والشركات وهناك رقابة على الحوالات المالية، وبالتالي الحديث عن ان ربط التمويل بالارهاب ليس منطقيا"، مشيرا في هذا السياق الى قانون الجمعيات النافذ والذي ينص على ضرورة ان يكون للجمعيات حسابات في البنوك العاملة في المملكة وان لا تتمتع هذه الحسابات بالسرية المصرفية.
وبحسب المادة 17 من قانون الجمعيات الساري "على الجمعية ايداع جميع اموالها لدى البنوك العاملة في المملكة، ولا تتمتع حساباتها بالسرية المصرفية في مواجهة أي استفسار مقدم بشأنها من الوزير المختص او امين السجل على الرغم مما ورد في أي تشريع آخر".
وبحسب المادة ذاتها، "على الجمعية ان تعلن في تقريرها السنوي عن أي تبرع او تمويل حصلت عليه وان تقيد الجمعية في سجلاتها المالية اسم الجهة المتبرعة او التمويل ومقداره والغاية التي سينفق عليها وأي شروط خاصة بذلك.
واذا كان التبرع او التمويل مقدما من شخص غير اردني، فعلى الجمعية اتباع الاجراءات المحددة، وحدد شروطا يجب ان تتوفر في التبرع او التمويل.
ويقول منصور "من يريد دعم الارهاب لن يتجه الى تأسيس مؤسسة مجتمع مدني او جمعية"، رائيا ان هناك حاجة ماسة لتوفير دعم وتعزيز اكبر لمؤسسات المجتمع المدني "في التنوير والحوار وإقامة ورشات العمل التي تكرس مفاهيم حقوق الانسان وبرامج التبادل لكن الواقع العكس وهو تضييق".
وكانت ورقة للمركز الدولي لقوانين منظمات المجتمع المدني اعتبرت مسودة قانون الجمعيات تقييدا لعمل الجمعيات تحديدا في البنود المتعلقة بإنشاء الجمعيات وتمويلها. ولفتت الى ان مسودة القانون تنص على حظر تسجيل أي جمعية لها غايات غير مشروعة أو تتعارض مع الامن الوطني او السلامة العامة او الصحة العامة او النظام العام أو الآداب العامة أو حقوق الغير وحرياتهم في المملكة.
واعتبر المركز أن هذا النص "مجحف بحق حرية تكوين الجمعيات، حيث انه ليس من الجائز تقييد عمل الجمعيات بناء على اسس فضفاضة وغامضة وقابلة للتفسير التعسفي".
وقالت الورقة انه في حال ثبت ان هناك جمعية تخالف القانون أو تهدد الأمن الوطني فـ "هناك منظومة قانونية متمثلة في عدد من القوانين مثل قانون محكمة أمن الدولة، وقانون العقوبات وغيرها من القوانين التي تفصل بها المحاكم، وعليه فإن منح الوزير صلاحية التنسيب بحل الجمعية هو منحه صلاحية المحاكم والقضاة في قوانين أخرى".