الدواعش في الأردن.. أين المفاجأة؟
نشرت صحيفة الصباح العراقية الاثنين مقالا للكاتب الاردني حازم مبيضين ، حمل عنوان " الدواعش في الأردن.. أين المفاجأة؟ " .
وفيما يلي نص المقال :
لم تفاجئ غزوة الدواعش لقلعة الكرك المراقب المتمعن والمحايد للوضع في الأردن، فالتيار السلفي الجهادي حاضر بقوة في المجتمع، ومتغلغل حتى في بعض مفاصل الدولة، بما هو إفراز طبيعي لفكر الإخوان المسلمين، المُعترف بهم رسمياً، وهو وليد شرعي لذلك الفكر الذي يرفع السيف على راياته، وقد أنجب وزراء أداروا أخطر الوزارات "التربية والتعليم" فعبثوا في المناهج، وقلبوها ليكون الجيل الجديد رافداً لتنظيمهم، ولهم نواب منتخبون يتدخلون في صياغة التشريعات، وزعماء السلفيين الجهاديين طلقاء يبوحون بما في صدورهم من حقد لوسائل الإعلام، تحت سمع الحكومة وبصرها، ويتواصلون مع نظرائهم في سوريا والعراق بحرية عزيزة على غيرهم، وكأن صاحب القرار يأمل بهدنة معهم، أو هو يرعاهم لخلق توازنات وهمية مع بقية القوى السياسية، سواء كانت قومية التوجه أو يسارية الجذور أو حتى وطنية، والسلفيون الجهاديون بدشاديشهم القصيرة وسراويلهم "الشرعية" ولحاهم التي تغطي صدورهم، يصادفونك في كل زاوية، وما عليك إلاّ زيارة أي دائرة حكومية في وقت صلاة، لتلحظ عدد الموظفين المتغيبين عن مكاتبهم بحجة أداء الصلاة، ومع كل هذا يُبدي البعض دهشته من غزوة قلعة الكرك.
نشهد اليوم دون اندهاش النتائج القبيحة لسياسات الحكومات، التي آثرت التحالف مع حركة الإخوان المسلمين دون غيرها، ومنحتها فرص العمل في المؤسسات الرسمية، وإلى حد تحكمها بالإعلام الرسمي، والتربية والتعليم، والأوقاف، والجامعات، ففرضت عقليتها وثقافتها المتخلفة على المجتمع، كما فرضت حالة التغريب على اليسار والقوميين والليبراليين، وتم إقصاء رموز هذه التيارات، ولنا هنا أن نُذكّر بأن مؤسس تنظيم القاعدة وأستاذ أسامه بن لادن هو الشيخ عبد الله عزام، وأن مؤسس داعش هو أبو مصعب الزرقاوي شيخ أبو بكر البغدادي، وإذا كان رئيس الوزراء الأسبق الليبرالي طاهر المصري، أكد ضرورة استخلاص العبر ومراجعة السياسات والتعلم من الأخطاء، وأن الأمر أصبح بحاجة إلى جرأة ومزيد من الوضوح، وأنه يجب على المسؤولين وبعيداً عن الأضواء، ان مراجعة ما حدث، وعلى كل شخص أن يصحح خطأه أو يستقيل، وأن عواقب عدم تجاوب المسؤولين مع متطلبات الشعب أمر خطير، فإن على صاحب القرار مراجعة قناعاته، والأخذ بالنصيحة من رجل ترفع عن المناصب، حتى أنه رفض حل مجلس النواب الذي ناكفه وطرح الثقة بحكومته في عهد الراحل الملك حسين، وآثر الاستقالة على أن يشوه مسيرة الديمقراطية الناشئة.
على أن ما يبدو حتى اللحظة، أن صاحب القرار يتريث في الاستجابة لمطالب الشارع، بإقالة كبار المسؤولين عن الإخفاقات في أحداث الكرك، رغم أن من الصعوبة بمكان استمرار الطاقم الأمني الذي أدار الأزمة الأخيرة، مع إدراكه لضرورة تغيير الرؤوس والنهج، وليس مجرد المناقلة في الأسماء فقط.
صحيح أن شباب الكرك فزعوا لقوى الأمن الضعيفة التسليح، وساندوها وهي ترد على الدواعش بما ملكت أيديهم، وأن البعض فسّر ذلك بانعدام الحاضنة الشعبية للفكر الظلامي، غير أن من يعرف هذه المحافظة الناشطة سياسياً، يعرف أن فكر السلفية الجهادية يسري فيها كالنار في الهشيم، وأن الدولة إما راضية عن ذلك أو غافلة عنه، أو خائفة من مواجهته، وأن خطباء مساجدها يروجون للفكر الظلامي كلما صعد أحدهم المنبر، والمتابع لوسائل الإجتماعي يستطيع رصد فرح الدواعش بغزوة الكرك، وغضبهم من فشلها، وإذا كانت السلطات الأردنية أعلنت انتصارها على أربعة من الدواعش بخسارتها عشرة شهداء، وبعد معركة استمرت ساعات، فإن اليوم التالي شهد معركة ثانية في موقع آخر من المحافظة، تمكّن فيها داعشي من قتل عدد من أفراد الشرطة في معركة استمرت أيضا لساعات، كل ذلك يعني حتمية ولوج مرحلة جديدة من مواجهة الدواعش، تبدأ من التعاطي مع الحواضن الإجتماعية وعدم إنكارها، ووضع حد لحماية بعض العشائر لأفرادها المتطرفين، فغزوة الكرك فرصة لضرب بؤر التطرف، وعلى وجه الخصوص الحواضن العشائرية لمجموعات الذئاب المنفردة، سواء انتموا لداعش، أو لأي فرع في التيار السلفي الجهادي بكل تلاوينه ومسمياته.
وبعد، فإنه لابد من مراجعة ما وضحته الأحداث الأخيرة من ثغرات أمنية، لن يكون مجدياً معها التغني ببلد الأمن والأمان، ولا تجاهلها أو حتى إنكارها، مع قراءة دقيقة لأسباب الخسائر الكبيرة في أرواح رجال الأمن، والإجابة على سؤال يتعلق بانتهاء الذخيرة خلال عملية الاشتباك، واضطرار المواطنين المدنيين للتدخل بسلاحهم وذخيرتهم، وعدم إلقاء اللوم عليهم بسبب هذا التدخل، بدل توجيه الشكر لهم، والثغرات المتمثلة بغياب الإعلام الرسمي عن الحدث، وتركه الساحة للجمهور والفضائيات الخارجية التي تابعت الحدث من أرض المعركة لحظة بلحظه، والأهم مبررات غياب المبادرة الاستخبارية قبل حصول المواجهات، خصوصاً بعد سقوط مقولة التفوق المعلوماتي، التي ظهر بأنها مضللة محلياً، وإن كانت صحيحةعلى الصعيد الإقليمي، والمطلوب اليوم وضع خطط متكاملة للتعاطي مع اختراق الدواعش لمجتمعنا، بدون تسرع وأن لا تكون قائمة على رد الفعل، فرُبّ ضارّة نافعه.