لميس في بلاد العجائب
قابلتها أول مرة منذ عامين في برية الأردن، حيث حضرت للمشاركة في فعالية للمنتدى الأردني للتخطيط إستضفنا فيها كل من الدكتور فهد الفانك والسيد واصف عازر للحديث عن التخطيط التنموي بين الماضي والحاضر، صافحها الدكتور فهد كإبنته، وحضناها كإختنا العزيزة. تأسرك لميس أندوني بإبتسامتها وتشعرك بأنك تعرفها منذ سنيين، وأنك تعرف كل شيء عنها، إلا انك ما تلبث ان تدرك أنك انت المكشوف أمامها لتداري حرجك أمام ما تحمل هذه الأميرة من كبريات الأحلام وعميق المعرفة. لم يكن أحد يظن بأن تلك الطالبة الوديعة، والهادئة ستكون يوما ما الصحفية التي يشار إليها بالبنان والتي يُستمع إليها بكل تركيز عندما تتحدث، وتُقرأ بكل إنتباه عندما تكتب. فما عُرف عنها أثناء وجودها في المدرسة الوطنية الأرثوذكسية هي تلك الأمورة الصامتة محبوبة الجميع، وهذا ما قالته لي المديرة ريما زنانيري، والتي لم تكن تتصور بأنها هي التي ستتحدث ويصمت الآخرين. مع لميس تشعر بأنك في حضرة الضفتين، فهي فلسطينية من بيت لحم، وأردنية من جميع المدن والقرى. وقد كرست جزءً مهما من حياتها للتعرف على شخصية خليل الوزير (أبو جهاد) رحمه الله وأستطاعت ان تجري معه سلسلة من المقابلات وهو المقل بها لحساسية الملفات التي كان يعالجها، وكم تاثرت عندما تم إغتيال هذه القامة الفلسطينية الكبيرة، لأنها وجدت في هذه الحادثة إنعطافة في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، بتنا نلمس آثارها على ما تبقى من الأرض الفلسطينية، وعلى ما تيسر من قدرة الناس للإلتفاف حول شعار التحرير والنصر. لقد عَرفت لميس بأن للإعلام قدرة كبيرة على فضح السياسات الإسرائيلية الممارسة ضد شعبها المقهور مسلوب الأرض والإرادة، فشقت طريقها الى العالمية ونشرت مقالاتها بالإنجليزية والعربية في جريدة الشرق الأوسط، وفي صحيفة لوموند الفرنسية، وفي الجوردن تايمز والأهرام والحياة، وأصبحت مراسلة صحفية للفينانشال تايمز، وباتت المواقع الإلكترونية المحترمة تتسابق لنشر مقالاتها في الشأن الدولي والمحلي. لم تعتمد الكاتبة العالمية لميس أندوني على حدسها الصحفي فقط، فقد عززت فطرتها بالدراسة الأكاديمية في كل من جامعة كليفورنيا بيركلي وجامعة هارفرد بالولايات المتحدة الأمريكية، وحاضرت ونشرت أبحاثها هناك، بحيث أصبحت مرجعاً يستدل من خلاله على ماهية الأوضاع في الشرق الأوسط وإستشراف مستقبله. وقد تنبهت كبريات المحطات التلفزيونية العالمية لهذه الكفاءة العالية، فعملت في قناة الجزيرة بالإنجليزية لفترة من الوقت، ولا أذيع سراً عندما أقول بأن جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال قد استرشد بكثير من آرائها بخصوص القضية الفلسطينية، وقد استضافها بمعية الملكة نور في منزلهما أكثر من مرة للحديث في الشأن السياسي ولإيصال رسائل معينة الى الرأي العام العالمي. رجعت لميس أندوني إلى الأردن في محاولة منها بأن تجد العمل المناسب في مجال الإعلام الذي تُحسن تحريك مفاصله، ولكنها لم تحسن التربع في القوالب الضيقة المتاحة على الساحة، ولم تقوى أصابعها على التطبيل والتزمير ضمن جوقة الإعلام الرسمي. عادت لميس للفضاء العالمي الذي يتسع لأجنحتها، فحطت في عاصمة الضباب (لندن) لتستلم مسئولية تحرير موقع اليكتروني بالإنجليزية لصحيفة محترمة، والتي تسعى لأن تتواجد في مجال الإعلام الدولي لشرح وجهة النظر العربية التقدمية إزاء ما يحدث في الشرق الأوسط والعالم، وهي مهمة أقرب الى المستحيل في ظل النفوذ الكبير للإعلام الصهيوني. مهمتك ليست بسهلة يا عزيزتي، وكم كنّا نتمنى أن تبقي بيننا، لأن في الوطن أناس يستحقوق الجلوس في حضرتك.