قراءة في انتخابات الرئاسة السورية
منذ بداية الأزمة السورية والتي للتآمر نصيب بها وهناك مراهنات وتنبؤات على ما يمكن أن تقود إليه هذه الأزمة المفتعلة والمتزامنة مع مصالح القوى العظمى والدول التي تدور بفلكها من دول المنطقة. وتابعنا ورأينا أن تلك المراهنات والتنبؤات قد جاءت نتائجها على غير ما كان البعض يأمل ويتمنى. كانت المراهنة على دور روسيا بتغيير موقفها من النظام السوري وذلك قياسا على حالات سابقة كان للموقف السوري دورا حاسما في توجيه دفة الأحداث وكيفية رسمها وإخراجها. لكن والأزمة السورية تتصاعد ما زال الموقف الروسي يزداد صلابة مما أدى بالإدارة الأمريكية مضافا لها قناعة الرئيس الأمريكي الديموقراطي الشخصية تفادي الصدام أو على الأقل تأجيله. وهذا بالمقابل عزز من موقع الرئيس السوري ومنحه الفرصة الذهبية للمناورة والتقاط الأنفاس والوقت للتخطيط للخروج معافى من الأزمة بينما مكونات الصراع على الأرض من داعش وجيش حر وجيش نصرة وغيرهم من مؤيدين ومعارضين من سلفيين وجهاديين وإخوانيين وقاعدة تزداد الفرقة والشقة بينهم ويحتد الصراع حتى باتت الصورة الظاهرة للعالم توصيل رسالة مفادها أن هناك صراعا دينيا واقتتالا لمنافع شخصية يغذى من قبل بعض دول المنطقة, بل ربما تصفية حسابات بين تلك الدول وجدت من الساحة السورية الأرض الشديدة الخصوبة لكي تقوض وتناكف إحداها الأخرى. فهناك من يدعم طرفا من أطراف الصراع في سوريا ويقف موقف المعادي لنفس الطرف بدول أخرى. لذا فالدعم والتأييد ليس دافعهما مصلحة سوريا وشعبها أو نظامها الحاكم بقدر ما هو مناكفة وثأر واستقواء وتهميش. وهذه العناصر المتصارعة والمدفوعة دفعا عسكريا وماليا وتسليحيا, لا نرى بها قيادات مؤهلة صالحة وحائزة على ثقة الشعب السوري لقيادة سوريا نحو الأمان والإستقرار, وبالتالي فرصها بالفوز بالإنتخابات الرئاسية بعد أيام معدودة ضئيلة جدا إن لم تكن معدومة. وهذا من شأنه تعزيز موقف الرئيس بشار الأسد لتجعل منه اللاعب الوحيد والمتفرد والضامن لتحقيق الفوز. ولا ننسى بهذا الخصوص التفاهم الأمريكي الإيراني الذي أفاد النظام السوري وعمل على تغيير استراتيجيات التعامل مع الأزمة وكيفية الخروج منها. وفي الأساس وبعيدا عن المواقف الرسمية للدول وحكوماتها, هناك قناعة راسخة ومتجذرة لدى الشعب السوري خصوصا والشعوب العربية عموما أن هناك نوايا مبيتة لسوريا الشعب والدولة والكيان كدولة مجاورة لإسرائيل والوحيدة المتبقية من الدول العربية التي تشكل قلقا لإسرائيل بعد تحييد وتقييد مصر باتفاقية سلام وإنهاك العراق خلال الإحتلال وحل جيشه وتشريد قياداته والتخلص من نظام حكمه العروبي وتركه للصراع الطائفي والإقتتال الداخلي لا يقوى على التأثير على مدللة أمريكا. لكن أسوأ ما في الأمر أن سوريا تُستنزف عسكريا واقتصاديا وبشريا وتخور قواها وهذا ما لا نتمناه لكنه الواقع المر والأليم بسبب هذا الصراع الطاحن والدامي. وإن شئنا أو أبينا وبعيدا عن المكابرة بالمحسوس والملموس, فإن سوريا الأرض والوطن والدولة والشعب تخسر الكثير لأن الأزمة تتشعب وتطول إذ هذا ليس بصالحها. هذا إذا أضفنا أنواع الحصار الإقتصادي المفروضة والعراقيل التي توضع أمام النمو والتقدم الإقتصاديين من قبل القوى المتنفذة. وبعد هذا العرض السريع للصورة العامة, نخلص إلى أن فرص الفوز متوفرة لدى الرئيس أضعاف ما يتوفر للآخرين. فالصورة الماثلة للعالم هي أن النظام يقاتل إرهابيين ويحاول استعادة الإستقرار والأمن للدولة والنهوض بها اقتصاديا واجتماعيا وعسكريا بعد الإستنزاف الذي مسبباته خارجية أكثر منها داخلية مما يخلق تفهما وتعاونا وتعاطفا وتضامنا من الشعب بالإتجاه الذي يخدم الرئيس. والخلاصة, لا أحد يملك سوى مباركة خيار الشعب السوري المقبل بعيدا عن العواطف والمصالح والتأثيرات مثلما ندعو بالمقابل النظام القادم النزول عند مطالب الشعب والأخذ بالديموقراطية والتعددية والإنفتاح على الشعب حتى تستقر الأوضاع ويبدأ البناء من جديد. حمى الله الأمة والغيارى على الأمة والله من وراء القصد. ababneh1958@yahoo.com