إندبندنت: فوز هاريس لن يزيل ظلّ ترامب القاتم عن روح أمريكا
قالت صحيفة "إندبندنت” إن خسارة المرشح الديمقراطي في الانتخابات الأمريكية، التي لن تعرف نتائجها النهائية إلا بعد أسابيع، لن تلغي المعركة الداخلية في داخل أمريكا. فلو فازت كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية، في انتخابات 5 تشرين الأول/نوفمبر، من المتوقع ألا يعترف ترامب بالفوز، أو يحضر حفل التنصيب.
وقالت الصحيفة، في افتتاحيتها، إنه من الإنصاف القول إن يوم التصويت قد لا ينهي المسألة، بل ستكون بداية مرحلة أخرى مريرة وغير مؤكدة في صدمة الانتخابات.
وفي الوضع المثالي، فإن الاتجاه نحو التصويت المبكر، هذه المرة، وإدخال قوائم وأنظمة أكثر دقة، بعد تجارب الماضي، يعني أن النتيجة سوف تكون واضحة بسرعة نسبية.
والواقع أن مسؤولي الانتخابات، أو أبطال الديمقراطية الأمريكية الهادئين وأصحاب الضمير، بذلوا، على كل حال، جهودًا خارقة لضمان نزاهة التصويت، وجعله خاليًا من الاحتيال، قدر الإمكان.
وأشارت الصحيفة إلى أن النتيجة قد لا تكون متقاربة، كما تقترح استطلاعات الرأي. وربما حصل أحد المتنافسين على نتيجة كبيرة "لا يمكن التلاعب بها”، كما يقول التعبير الساخر.
وتحدث محللون بارزون عن شكّهم في استطلاعات الرأي المتقاربة، والتي جاءت نتيجة تدخل إنساني من أجل تصحيح عيوب التحيز السابقة.
وأشار محللون آخرون إلى الطبيعة المتحزّبة لاستطلاعات الرأي، والتي تعكس الاستقطاب داخل مؤسسات الإعلام التي طلبت من شركات الاستطلاع القيام بها.
وحتى لو كانت السياسات الأمريكية منقسمة، كما هي مستقطبة، فإن عدة آلاف من الأصوات في الولايات المتأرجحة، مثل بنسلفانيا، قد ترجح الميزان بشكل حاسم في المجمعات الانتخابية، ما يعطي ترامب أو هاريس "النصر” الحاسم، بدلاً من تبريره بناءً على الأصوات الشعبية (كما حدث مع هيلاري كلينتون التي تفوقت بـ 3 ملايين صوت على ترامب في عام 2016).
وستقدم النتائج الأولية لنا صورة عن المشاركة الانتخابية، وخاصة مشاركة النساء والمرشح المفضل.
ومرة أخرى، فهذه البيانات لا تعني الكثير، وتظلّ محلًا للخلاف. ونعرف أيضًا أن حملة ترامب حضّرت الأرضية لتقديم الطعون، وإعادة فرز الأصوات والتقاضي.
ومنذ رفض ترامب قبول الهزيمة، في عام 2020، كان يعمل على تقويض الثقة في النظام الانتخابي، لدرجة أن العديد من أنصاره، حتى قبل الإدلاء بصوت واحد، كانوا مقتنعين بأن الانتخابات "سرقت” منذ فترة طويلة، طالما لم يفز مرشح، وإن بشكل غير منطقي. وهناك شائعة قاتمة عن الجمهوريين في بعض الولايات المتأرجحة، وفي الكونغرس الجديد، لتعطيل عملية المصادقة على النتائج الانتخابية، بطريقة ما، والتي من المقرر أن تكتمل في جلسة 6 كانون الثاني/يناير، وهو التاريخ الذي يذكر بتمرد عام 2021.
وفي خطابه الذي أثار الفضول في ماديسون سكوير غاردنز، قال ترامب إنه، ورئيس مجلس النواب، مايك جونسون، لديهما "سر صغير”. وخلاصة الأمر، هناك مخاطر، كما حدث في 2020، أو عام 2000 عندما كانت نتائج جورج دبليو بوش وآل غور متقاربة، وقد لا نعرف النتيجة إلا بعد أسابيع، وربما لن يعترف ترامب بالنتيجة، أو يحضر حفل تنصيب هاريس، كما فعل في حفل تنصيب جو بايدن.
وعليه فأي شيء قد يحدث، إلا أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستكون بمثابة تحد "لم نشهد له مثيلاً في تاريخ بلادنا”، على حد قوله.
وطالما زعم ترامب بأنه الرئيس الأفضل الذي مرّ على أمريكا، وأنه أفضل من جورج واشنطن وأبراهام لينكولن، سواء في كونه رجل دولة، أو من ناحية الإنجاز. والحقيقة هي أنه سيكون الأخطر الذي وصل إلى السلطة، لو عاد إليها. إن الرئيس ترامب، رقم 47، سيكون أخطر من ترامب 45، لأسباب واضحة من سجله وخطابه وشهادة كل من عمل معه في المرة الأولى تقريبًا. وسيحرض الأمريكيين، مرة أخرى، ضد بعضهم البعض، كما فعل في 6 كانون الثاني/يناير 2021، في واشنطن العاصمة، وفي شارلوتسفيل، وفي عدد لا يحصى من الخطب. وسيسعى، على حد تعبيره، إلى "الانتقام”.
وسوف يضع مُعارضَ اللقاحات والتطعيم، ومناهض الفلورايد في الماء، روبرت كينيدي جونيور، على رأس وكالات الصحة الأمريكية.
وسيفرض تعريفات جمركية ضخمة على الواردات، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى ركود التجارة العالمية. وسيعين جنرالات موالين له شخصيًا، وليس للدستور، وسيكون مستعدًا لاستخدام الجيش ضد شعبه، "العدو الداخلي”، وسيهدد وسائل الإعلام، ويتنمّر عليها.
وسيعين إيلون ماسك في الحكومة، ويوكله بمتابعة موضوع "كفاءة الحكومة”.
كما سيقوم بتقويض حلف الناتو والتقرّب من فلاديمير بوتين، ويضعف أوكرانيا، ويعطي بنيامين نتنياهو اليد المطلقة في الشرق الأوسط وضد إيران.
وسينسحب ترامب، مرة أخرى، من معاهدات المناخ، ويرحّل ملايين الأطفال الذين ولدوا في أمريكا، وسيعطي المشرّعين الحق لمنع الإجهاض.
وسيتحقق كل هذا، وأكثر من ذلك، بفضل المحكمة العليا التي منحته "حصانة مؤهلة” في المستقبل من الملاحقة القضائية، وهي الهدية التي أفلتت من يد ريتشارد نيكسون.
وتشير الصحيفة إلى ما يسمى بمشروع 2025، وأنه سيعين المتعصبين له في الخدمة المدنية بغض النظر عن خبرتهم.
وسيعمل على تسييسها بشكل أكبر من أي إدارة سابقة، تمامًا كما فعل مع المحاكم.
كل هذا سيعرض بنك الاحتياطي الفيدرالي والدولار للخطر. هذه هي القضية ضد ترامب، فلماذا ستعطي نسبة 40% أو أكثر أصواتها له؟ ولماذا اجتذب، إذا كانت التقارير صحيحة، المزيد من الشباب السود والعرب الأمريكيين إلى قضيته؟ الحقيقة الواضحة التي لا مفرّ منها هي أن ترامب أثار صدى لدى العديد من الأمريكيين الذين يشعرون، كما لا يكلّ ولا يملّ الرئيس السابق من إخبارهم، أنهم في حال أسوأ مما كانوا عليه قبل أربع سنوات.
فهم يائسون من انتقال وظائف التصنيع إلى الخارج، وغاضبون من كلفة السكن، ومن الضرائب، وأكثر من هذا؛ خائفون منحجم الهجرة.
ومن الواضح أن إدارة بايدن لم تنجح في الاستماع لمخاوفهم، وخاصة ما يتصل بالسياسة الخارجية. ولم تتقبل هاريس دائمًا الحجج، وتكسب ما يكفي من المتشككين.
وفي النهاية، سيتم تسوية نتيجة هذه الانتخابات، لأنه يجب فعل هذا. وقد يتطلب الأمر تدخلاً قضائيًا، كما حدث في تنصيب جورج دبليو بوش عام 2000. ورفض شكاوى ترامب، التي لا أساس لها في عام 2020. لكن الانقسامات- والمشاكل التي أدت إلى نشوئها- لم تنتهِ بعد.