انقطاع الكوابل البحرية يبرز أهمية المسارات البديلة لحماية الإنترنت

أكد خبراء في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أن انقطاع الكوابل البحرية أخيرا في البحر الأحمر، لم يكن أمرا مفاجئا، إذ سبق أن شهد هذا المسار عدة انقطاعات، ما كان أحد الدوافع الرئيسة للعمل على تطوير مسارات بديلة أكثر أمانا.
وقالوا، إن المملكة لم تشهد أي انقطاع شامل في خدمات الإنترنت رغم الاضطرابات الأخيرة التي أصابت عددا من الكوابل البحرية في البحر الأحمر، ومع ذلك قد يلاحظ المستخدمون بعض التأخير في زمن الاستجابة عند تصفح أو استخدام المحتوى الدولي المستضاف خارج البلاد في بعض الخدمات.
وأضافوا، أن انقطاع الكوابل البحرية يبرز بوضوح الحاجة الملحة إلى إيجاد مسارات بديلة لمسار البحر الأحمر، إذ تتضاعف المخاطر كلما اقتصر الاعتماد على ممر واحد فقط.
وأدى انقطاع عدة كوابل بحرية دولية في البحر الأحمر إلى تباطؤ ملحوظ وخدمات غير مستقرة للإنترنت في أجزاء من دول آسيا والشرق الأوسط، ووصفت هذه الحادثة بأنها أحد أبرز الأعطال الأخيرة في قطاع الاتصالات الدولي.
وأعلنت هيئة تنظيم قطاع الاتصالات أخيرا، عن اضطرابات في الكوابل البحرية في البحر الأحمر، حيث سجل تباطؤ وارتفاع في زمن الاستجابة في عدد من دول المنطقة، وقام بعض مزودي الحوسبة السحابية بإعادة توجيه الحركة للحفاظ على استمرارية الخدمات.
وأكدت الهيئة أنه لم يسجل في الأردن أي انقطاع وطني شامل، إلا أن المستخدمين قد يلحظون بعض التأخير عند النفاذ إلى المحتوى الدولي.
وقال مدير شؤون المرخصين والمستفيدين في هيئة تنظيم قطاع الاتصالات المهندس زيد القاضي، إن الكوابل البحرية هي الرئيسية التي تنقل حركة البيانات بين الدول عبر المحيطات والبحار، وهي عبارة عن ألياف ضوئية مخصصة للربط بين الخوادم ومراكز البيانات الموجودة في الدول المختلفة.
وأضاف إنه بالنسبة للحادثة الأخيرة، فهي تتعلق بانقطاع كابلين بحريين، ويرجح – دون تأكيد رسمي – أن يكون سبب الانقطاع ناتجا عن أعمال بحرية تجارية قبالة سواحل جدة، لكن حتى الآن لم يصدر أي موقف رسمي من الجهات المعنية في المنطقة.
وبالنسبة للأردن، فإن كوابلنا البحرية في مدينة العقبة ليست مرتبطة بشكل مباشر مع تلك الكوابل، بل تتصل بشكل رئيسي مع مصر والبحر المتوسط، إضافة إلى ذلك لدينا تنويع في مصادر الربط من خلال الكوابل البحرية والأرضية عبر الحدود مع الدول المجاورة، ما يمنحنا مرونة واعتمادية أكبر في حركة البيانات الدولية.
وأوضح أن الانقطاع أدى إلى تباطؤ أو حتى انقطاع شامل لخدمات الإنترنت في دول مثل باكستان والهند وبعض دول الخليج، نتيجة الازدحام على حركة البيانات.
ويذكر أن الكابلين المتأثرين – ومن بينهم كابل "فالكون" – كانا ينقلان أكثر من 17 بالمئة من الحركة الدولية في المنطقة، ومن المعروف أن البحر الأحمر يعد "عنق زجاجة" تمر عبره ما بين 15- 20 كابلا بحريا.
وأضاف القاضي، في الأردن تتابع الشركات بالتعاون مع الهيئة الوضع عن كثب، وحتى الآن لم تسجل لدينا تباطؤات تذكر، وإن حدثت فهي مؤقتة، كما أن شركات عالمية كانت قد أعلنت سابقا عن احتمالية تأثر خدماتها، لكنها سرعان ما أعادت توجيه حركة بياناتها بطرق بديلة لضمان الانسيابية.
وأشار إلى أننا في الأردن لم نتأثر بشكل مباشر بالانقطاع بالمجمل، نظرا لعدم وجود ربط مباشر مع الكوابل المعطلة، إلا أن الازدحام العالمي قد يترك بعض الأثر غير المباشر وهو ما يتم التعامل معه عبر إجراءات احترازية تتخذها الشركات، مثل تنويع مصادر الربط ومراقبة حركة البيانات الدولية، وفي حال رصد أي تباطؤ يتم تبليغ الهيئة بشكل فوري.
من جهته قال الرئيس التنفيذي المؤسس لمجموعة مدينة العقبة الرقمية المهندس إياد أبو خرما، إن ما شهدناه أخيرا في البحر الأحمر لم يكن مفاجئا بالنسبة لنا، إذ شهد هذا المسار سابقا عدة انقطاعات، وكان ذلك أحد الدوافع الأساسية التي جعلتنا نركز منذ البداية على تطوير مسارات بديلة أكثر أمانا.
وأضاف من هنا جاء عملنا للتكامل مع العديد من المشاريع الإقليمية أهمها: الربط مع الشركات السعودية عبر معبر الدرة في العقبة، بالإضافة إلى العمل مع شركة C3 السعودية لتنفيذ مشروع كيبل EMC، ومع المصرية للاتصالات في تنفيذ مشروع كيبل Coral Bridge، الذي يمثل واحدا من مجموعة مسارات بديلة نعمل على تنفيذها بالتعاون مع شركاء عالميين، حيث يربط الكيبل العقبة مباشرة بطابا عبر مسار قصير وفعال، مستفيدا من الموقع الاستراتيجي للأردن عند نقطة التقاء آسيا وأفريقيا وأوروبا.
وأوضح أنه ومن خلال بنيتنا التحتية المحايدة والمفتوحة أمام جميع المشغلين، نمنح المؤسسات والشركات خيارات إضافية تقلل من المخاطر وتضمن استمرارية الأعمال حتى في أوقات الأزمات.
وأكد أبو خرما، أن هذا النوع من المشاريع يوضح أن الاستعداد المسبق هو الطريقة الأكثر فاعلية لضمان استمرارية الأعمال وحماية الخدمات الرقمية.
بدوره، قال استشاري الاتصالات والتحول الرقمي والتقنيات الحديثة المهندس بلال الحفناوي، إن المملكة لم تشهد أي انقطاع شامل في خدمات الإنترنت رغم الاضطرابات الأخيرة التي أصابت عددا من الكوابل البحرية في البحر الأحمر، ومع ذلك، قد يلاحظ المستخدمون بعض التأخير في زمن الاستجابة عند تصفح أو استخدام المحتوى الدولي المستضاف خارج البلاد في بعض الخدمات.
وأوضح أن استمرارية خدمات الإنترنت والتخفيف من أثر الانقطاعات على الأردن تعود إلى عدة عوامل أبرزها: تنوع مسارات الربط الدولية، حيث يستفيد الأردن من موقعه الاستراتيجي الذي يمنحه ميزة التعدد في هذه المسارات، والتي تشمل الكوابل البحرية المتصلة بمدينة العقبة، والبنية التحتية المتوسطية، بالإضافة إلى المسارات البرية التي تمر عبر السعودية باتجاه الخليج.
ومن أبرز العوامل أيضا الخطط المستقبلية الرامية الى تعزيز هذا التنوع، من خلال مشاريع لربط كوابل بحرية وبرية جديدة بين أوروبا وآسيا، وأيضا التبادل المحلي للبيانات إذ يعتمد الأردن بشكل كبير على مراكز بيانات محلية تستضيف المحتوى والخدمات الأكثر استخداما في البلاد، ما يقلل من الحاجة للوصول إلى المحتوى الدولي في كل مرة، وبالتالي يخفف الضغط على الكوابل البحرية، وأخيرا برزت جاهزية المشغلين في الأردن للتعامل مع هذا النوع من الاضطرابات، حيث قاموا بتحويل حركة البيانات إلى مسارات بديلة فورا، ما يضمن استمرارية الخدمة.
وشدد الحفناوي، على ضرورة اتباع بعض الخطوات لتفادي خطورة انقطاع الكوابل البحرية في المستقبل مثل: تنويع مسارات الاتصال، وعدم الاعتماد على مسار واحد، وكذلك الاستثمار بشكل أكبر في البنية التحتية البرية من خلال تطوير شبكات برية مكتملة تربط المناطق الرئيسية لضمان استمرارية الخدمة، والاعتماد على مراكز البيانات المحلية بشكل أكبر لاستضافة المحتوى الرقمي والخدمات الأكثر استخداما، ما يقلل من الاعتماد على الكابلات الدولية.
ومن ضمن الخطوات أيضا التفكير في البدائل المبتكرة مثل: استخدام شبكات الأقمار الصناعية كبديل جزئي أو مكمل للكابلات الأرضية والبحرية خاصة في المناطق النائية أو في حالات الطوارئ، والعمل على مشاريع كابلات برية تربط بين القارات لتجاوز المخاطر البحرية، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، والصيانة الدورية والرصد المستمر، وتطوير القوانين والتشريعات لحماية الكابلات البحرية من الأضرار المتعمدة أو غير المقصودة، بالإضافة إلى قوانين تسهل إجراءات الإصلاح في المياه الدولية.
وفي هذا السياق، قال الخبير الدولي في البنى التحتية الرقمية ومدير البرامج العالمية في DE-CIX (أكبر منصة تبادل إنترنت في العالم) ماركو براندشتيتر، إن انقطاع الكوابل البحرية يبرز بوضوح الحاجة الملحة إلى إيجاد مسارات بديلة لمسار البحر الأحمر، إذ تتضاعف المخاطر كلما اقتصر الاعتماد على ممر واحد فقط.
وأضاف إنه ومن هنا تبرز مكانة الأردن، ولا سيما العقبة، كمركز محوري قادر على توفير بدائل استراتيجية وربط مسارات جديدة تمنح المنطقة نقطة ارتكاز إقليمية آمنة، كما أظهرت الحادثة أيضا أهمية توطين المحتوى وتعزيز نقاط تبادل الإنترنت المحلية، إذ إن إبقاء حركة البيانات قريبة من المستخدمين يقلل بشكل كبير من أثر الأعطال ويعزز استمرارية الخدمات.
يذكر أن العقبة شهدت أخيرا الإعلان عن إطلاق كيبل كورال بريدج الذي نفذته مجموعة مدينة العقبة الرقمية عبر ذراعها للاتصالات "نايتل" بالشراكة مع المصرية للاتصالات، حيث يمتد الكيبل الجديد لمسافة قصيرة لا تتجاوز 15 كم، لكنه يوفر قيمة استراتيجية كبيرة من خلال تقليل زمن الاستجابة وزيادة سعة الشبكات، وإضافة تنوع جغرافي في مسارات الاتصال.
ويشير خبراء إلى أن أكثر من 99 بالمئة من البيانات الدولية تنتقل عبر كوابل بحرية، وغالبية المسارات بين آسيا وأوروبا تمر بالبحر الأحمر، وهذا التركز يجعل المنطقة نقطة ضعف حقيقية في حال حدوث أعطال أو أزمات، لذلك فإن الاستثمار في مسارات إضافية لم يعد خيارا ثانويا، بل ضرورة اقتصادية وأمنية لضمان استمرارية الخدمات الرقمية وحماية تدفق البيانات الحيوي. بترا