معهد السياسة والمجتمع يطلق أول دليل تدريبي لحوكمة الأحزاب في الأردن
أطلق معهد السياسة والمجتمع الدليل التدريبي الأول من نوعه في الأردن حول حوكمة الأحزاب السياسية، والذي يهدف إلى تطوير الأداء المؤسسي للأحزاب وتمكينها من بناء هياكل تنظيمية أكثر فعالية وديمقراطية، في إطار جهوده الرامية إلى دعم التحول نحو أحزاب مؤسسية قادرة على ممارسة أدوارها بفاعلية داخل المشهد السياسي الأردني.
ويهدف الدليل إلى تطوير الأداء المؤسسي للأحزاب وتمكينها من بناء هياكل تنظيمية أكثر فعالية وديمقراطية، وترسيخ مفاهيم الشفافية والمساءلة والانفتاح الداخلي، باعتبارها ركائز رئيسية في بناء الثقة بين الأحزاب وأعضائها من جهة، وبينها وبين المجتمع من جهة أخرى، على طريق تعزيز الحياة الحزبية وترسيخ مفاهيم الشفافية والمساءلة داخل المؤسسات الحزبية.
ويتناول الدليل، الذي أعدّه المستشار الأكاديمي للمعهد الدكتور محمد أبو رمان، ومدير البرامج حسين الصرايرة، الواقع التنظيمي للأحزاب الأردنية، ويقدّم أدوات وآليات عملية لتطوير أنظمتها الداخلية بما يضمن تعزيز مبادئ الشفافية، والمساءلة، والديمقراطية الداخلية، ويواكب في الوقت ذاته التحولات التي تشهدها البيئة السياسية الأردنية في إطار مشروع التحديث السياسي.
ويُعدّ هذا الدليل إضافة نوعية في مجال التدريب السياسي والتنمية الديمقراطية، إذ يسعى إلى تمكين الأحزاب من تبنّي معايير الحوكمة الرشيدة في إدارة شؤونها، سواء في ما يتعلق باتخاذ القرار، أو إدارة الموارد، أو تنظيم العلاقة بين القيادة والعضوية، كما أنه إضافة نوعية للمكتبة السياسية الأردنية وموردًا معرفيًا موجهًا للأحزاب والقوى السياسية والمهتمين بالشأن العام، إذ يسعى إلى تحويل مفهوم “الحوكمة الحزبية” من إطار نظري إلى منظومة عمل قابلة للتطبيق والممارسة داخل الأحزاب، من خلال تقديم نماذج عملية وأدوات تقييم ذاتية تساعدها على تطوير أدائها المؤسسي.
يفتتح الدليل بتمهيد تاريخي وتحليلي يربط بين تطور العمل الحزبي في الأردن وضرورة المأسسة، إذ يعرض مراحل عودة الحياة الحزبية منذ ما بعد الاستقلال وحتى التحديثات التشريعية الأخيرة، ويستنتج أن الحوكمة هي الشرط لانتقال الأحزاب من «أحزاب الأشخاص» إلى مؤسسات حزبية مأسسة وفاعلة في الحياة الديمقراطية. ويشرح الدليل مبادئ الحوكمة الرشيدة في البيئة الحزبية بصورة تكاملية تشتمل على سيادة القانون، الشفافية، المساءلة، المشاركة، النزاهة، الإنصاف، الفاعلية، الكفاءة، والاستدامة. لكل مبدأ يتناول الدليل مكوناته العملية، مثل آليات الإفصاح المالي، آليات الرقابة الداخلية والخارجية، مدونات السلوك، وتضارب المصالح وآليات التمثيل والتمكين.
ويشتمل الدليل على أقسام متسلسلة، من بينها؛ تعريف الحوكمة ومفاهيمها وسماتها وآلياتها؛ الحوكمة الحزبية (المفاهيم والركائز والتطبيقات)؛ الديمقراطية الداخلية؛ المساءلة والشفافية المالية والإدارية والقانونية؛ والأحزاب واللامركزية الإدارية. كما يعرّف الدليل ما يسميه «رحلات الحوكمة الثلاث»؛ رحلة العضو، رحلة القرار، ورحلة الدينار؛ كأساس منهجي للمقاربات التدريبية.
وينتقل الدليل من التعريفات إلى كيفية تطبيق هذه المبادئ داخل الأحزاب، حيث يصوغ ثلاثة أضلاع لحوكمة الأحزاب تتركز حول الديمقراطية الداخلية، نظام الشفافية والمساءلة، والقدرة على الوصول والانخراط مع المحيط. كما يشرح ضرورة صياغة أنظمة داخلية واضحة، توزيع صلاحيات بين هيئات الحزب، وآليات فصل السلطات داخل الهياكل الحزبية لمنع تداخل “الخصم والحكم”.
ويقدّم الدليل مقاربة مبتكرة من خلال ما يسميه “رحلات الحوكمة الثلاث” داخل الحزب؛ أولها رحلة العضو، التي تتناول مسار تطور العضو الحزبي منذ الانضمام وحتى المشاركة الفاعلة في صنع القرار، وتسلّط الضوء على أهمية العدالة التنظيمية وتمكين الأعضاء، مروراً بخطوات الانضمام، شروط العضوية، مراجعة الطلبات، برامج التعريف والتدريب للمنضمّين الجدد، آليات التصعيد التأديبي وإجراءات الخروج، ومسارات التدرّج القيادي داخل الحزب. يقدّم الدليل نماذج لآليات تقييم العضوية وآليات دمج الشباب والنساء. ثم رحلة القرار التي ترصد مسار صناعة القرار الحزبي من القاعدة إلى القمة، بما يعزّز التشاركية والتوافق الداخلي ويحدّ من الفردية في إدارة الشؤون الحزبية، إذ يعرض «خوارزمية صناعة القرار» في الحزب بدءًا من جمع المعلومات مرورًا بالنقاش الداخلي، وصولًا إلى آليات التوافق أو التصويت، ثم التنفيذ والمتابعة والتقييم. يتضمن الدليل تمارين عملية مثل تصميم «شجرة قرار» وعرض آليات لمراجعة القرارات وقياس فعاليتها.
إضافة إلى رحلة الدينار التي تشرح آليات تعزيز الشفافية المالية داخل الأحزاب، وضمان سلامة مصادر التمويل وإدارة الإنفاق وفقاً للمعايير القانونية والأخلاقية، ويبين الدليل مصادر الإيرادات المحتملة (اشتراكات، تبرعات، دعم مؤسسي)، نظام تسجيل الإيرادات، إعداد الموازنات، إجراءات الموافقة والنشر، آليات الصرف التي تشترط موافقات مسبقة، وعمليات المراجعة الداخلية والخارجية. كما يقترح تمارين عملية مثل خارطة تدفق مالي توثّق مسار الأموال من المصدر حتى المصروف.
وأوضح المعهد في بيانه أن إعداد هذا الدليل يأتي ضمن رؤيته الاستراتيجية لتعزيز أدوات الفعل السياسي ودعم جهود الدولة في بناء أحزاب وطنية فاعلة، تمتلك برامج واقعية تستجيب لأولويات المواطنين وتعمل ضمن أطر مؤسسية واضحة. كما يعكس هذا الإصدار إيمان المعهد بأهمية الانتقال من “ثقافة الأشخاص” إلى “ثقافة المؤسسات” داخل الحياة الحزبية الأردنية، باعتبارها شرطًا أساسيًا لنجاح عملية التحديث السياسي، مؤكداً أن هذا الدليل يأتي في إطار التزامه المستمر بتطوير أدوات الفعل السياسي ودعم التحول نحو ممارسات حزبية مؤسسية، انسجاماً مع رؤى الدولة الأردنية في تحديث المنظومة السياسية وتمكين الأحزاب لتكون فاعلاً حقيقياً في العملية الديمقراطية.
ويؤكد الدليل الذي طوّع المناهج والمحتوى ليتلاءم مع خصوصية التجربة الحزبية الأردنية، ما بين متطلبات القانون الجديد للأحزاب (شروط التأسيس، نسب الشباب والنساء، إلخ) والتجارب الانتخابية الأخيرة والتحديات المؤسساتية أمام الأحزاب الجديدة، أنه أداة عملية لبرامج تدريبية موجهة للأحزاب والكوادر الحزبية والقيادات الشابة، وينبني عليه تصميم تدريبات متقدمة في التخطيط الإستراتيجي، كتابة البرامج، الإدارة المالية، وبناء الكوادر، بهدف تعزيز ثقة الجمهور في الأداء الحزبي وتحويل الأحزاب إلى مؤسسات قادرة على المنافسة السياسية بمقاييس مهنية.
ومن المنتظر أن يُستخدم هذا الدليل في برامج تدريبية موسعة تستهدف الأحزاب السياسية والكوادر الحزبية الشابة، ليكون مرجعاً عملياً في بناء ثقافة الحوكمة وتعزيز ثقة المواطنين بالأداء الحزبي والمؤسسات السياسية في الأردن. في حين أنه لا يكتفي بالنظرية؛ بل يوفّر أدوات قابلة للاستخدام في ورش عمل: قوالب للأنظمة واللوائح الداخلية، نماذج لشجرة قرارات، خارطة تدفق مالي، قوائم مرجعية لتقييم الحوكمة داخل الحزب، ودراسات حالة لتحليل قرارات سابقة. كما يتضمن أنشطة جماعية (مجموعات عمل) لتصميم خارطة طريق للحزب وفق معايير الحوكمة. عبر مزج النظرية مع أدوات تنفيذية وتمارين عملية قابلة للتطبيق داخل الأحزاب. ويوفر للممارسين إطارًا متكاملاً لبناء هياكل تنظيمية شفافة، آليات صنع قرار تشاركية، ونظم مالية محكمة، وهي ركائز أساسية لأي مشروع تحديث سياسي فعّال.
