نظرة إلى القمة
لا تحظى القمم العربية سوى باهتمام ضئيل من النخب السياسية والكتاب الصحافيين والذين غالبا ما يؤشرون على أجواء الخلافات العربية التي تحول دون إمكانية إيجاد موقف قومي قادر على التعامل مع الأزمات التي تهدد الأمن القومي العربي، وتعيق جميع أشكال التعاون العربي المشترك، حتى تشكلت صورة نمطية لتلك القمم يلخصها بيان ختامي معد سلفا من وزراء الخارجية الذين يتشكل منهم المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية.
ولا تنكر بيانات القمة – التي تكتب بلغة منمقة – تلك الأزمات التي تحيط بأجواء القمة، حتى أن بيان قمة الظهران الأخيرة استخدم تعبير "لا غرو" ومعناه في القاموس "لا عجب" في أن الأمة العربية مرت بمنعطفات خطرة "جراء" أي بسبب الظروف والمتغيرات المتسارعة على الساحتين الإقليمية والدولية، وأدركت ما يحاك ضدها من مخططات تهدف إلى التدخل في شؤونها الداخلية وزعزعة أمنها، والتحكم في مصيرها، الأمر الذي يجعلها أكثر توحدا وتكاتفا وعزما على بناء غد أفضل، إلى آخر مقدمة البيان.
ومع ذلك يظل انعقاد القمم في حد ذاته مؤشرا على تمسك الدول الأعضاء بالجامعة العربية كإطار للتعبير عن القضايا والمصالح العربية، حتى وإن اختلفت فيما بينها حول المواقف من تلك القضايا أو المصالح، متجاوزة حالة التوتر التي لا تكاد تغيب عن أي قمة من القمم التي تنعقد بصفة دورية، وتنتقل رئاستها من بلد لآخر، فضلا عن التباين في مستوى التمثيل، الذي يعبر كذلك عن "الحرد" تارة، وعن عدم الانسجام مع الدولة المضيفة تارة أخرى، وهكذا.
لا يغيب الأردن أبدا عن القمم العربية ولا يلقي بالا للتوترات في العلاقات الثنائية اعتقادا منه بقدرته على القيام بدور إيجابي مهما كان حجمه، من أجل توجيه البوصلة نحو الأولويات التي يتوجب على قاعدة الدول أخذها في الاعتبار، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وقد كان ذلك واضحا وضوح الشمس في الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين بصفته رئيس الدورة السابقة للقمة العربية والذي أعطى الأولوية الأولى لقضية الشعب الفلسطيني والقدس الشريف ودعا قادة الأمة إلى مساندة الفلسطينيين لنيل مطالبهم المشروعة في إقامة دولتهم بعاصمتها القدس الشرقية.
بشكل حازم وصارم، أكد جلالة الملك بطلان وعدم شرعية القرار الأمريكي بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ورفضه القاطع لهذا القرار، وتأكيده على أن القدس عاصمة فلسطين العربية، وحذر من أي إجراءات من شأنها تغيير الصفة القانونية والسياسية الراهنة للقدس حيث سيؤدي ذلك إلى تداعيات مؤثرة على الشرق الأوسط بأكمله.
هكذا أعاد جلالة الملك توجيه الدفة نحو القدس وفلسطين، وهو الذي ظل يحذر منذ سنوات من أن كل التفاعلات التي تشهدها المنطقة ناجمة عن عدم حل القضية الفلسطينية حلا عادلا، وبقائها مبررا للمزايدات الإقليمية والتدخلات والأجندات الخارجية، وغير ذلك مما يجعل إسرائيل تظن أن الدول العربية ستنسى القضية بسبب انشغالها بالمخاطر الأخرى المحيطة بها.
وحسنا فعلت المملكة العربية السعودية أنها أسمت القمة "قمة القدس" وفي ذلك تأكيد على أن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى للأمة العربية، رغم كل الظروف والتحديات، والقدرة على التأثير، وهذا ما يريده الأردن، ويسعى من أجله، كي يدرك الجميع أن لب الصراع هو القدس، وأن بمصيرها يرتبط مصير المنطقة والعالم بأسره، تشهد على ذلك مراحل التاريخ والأزمان، حتى يومنا هذا.