تشريعات قانونية مُلزمة تبتر العداء للمسلمين

هوا الأردن - سارة طالب السهيل
في الخامس عشر من أذار الجاري، ذكرى الاحتفال باليوم الدولي لمكافحة كراهية الإسلام منذ تبني أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة البالغ عددهم 193 عضوا بالإجماع قرارا عام 2022، كانت قد اقترحته باكستان نيابة عن منظمة العالم الإسلامي، يجعل 15 آذار من كل عام يوما لمحاربة الإسلاموفوبيا.
يدعو نص هذا القرار إلى «تكثيف الجهود الدولية لتقوية الحوار العالمي» بشأن تعزيز ثقافة التسامح والسلام على المستويات جميعها، على أساس احترام حقوق الإنسان وتنوع الأديان والمعتقدات.
وهو قرار مهم يدل على يقظة الضمير الإنساني، رغم استمرار العداء للإسلام والمسلمين وتشويههم، ولكن للأسف، فان هذا القرار غير ملزم؛ مما أدى إلى عدم تفعيله على الوجه الأكمل الذي يحفظ سلامة الإسلام والمسلمين وكرامتهم وحقوقهم الإنسانية في الحفاظ على معتقداتهم وهويتهم الإسلامية.
جاء هذا القرار على خلفية قيام رجل مسلح بقتل 51 مصليا مسلما وجرح 40 آخرين في هجوم إرهابي بشع خلال صلاة يوم الجمعة في مسجدين مختلفين في نيوزيلندا. وصور الإرهابي جريمته، وبثها على فيسبوك مباشرة، وشاهدها الملايين في العالم في تحد صارخ لحق الإنسان في الحياة والسلام والمعتقد الديني.
فهذا العمل الإرهابي الجبان كان نتيجة شحن أصحاب النفوس المريضة والعقول العنصرية بالعداء للإسلام وتشويه صورته والتحريض ضد المسلمين على أرض الواقع أو عبر الإنترنت والتخويف منهم بزعم أنهم يمثلون خطرا على قيم الغرب وحريته فيما عرف بمصطلح الإسلاموفوبيا.
ويأخذ العداء للإسلام والمسلمين في الدول ذات الأقلية المسلمة أشكالا متعددة منها التمييز في مختلف مناحي الحياة حيث يواجهون العنصرية والتمييز في الحصول على السلع والخدمات، وفي العمل والتعليم، وفي بعض الدول يحرمون من الجنسية، أو من تسوية أوضاعهم القانونية كمهاجرين.
وقد استفحلت الإسلاموفوبيا التي تعني الخوف من المسلمين والتحيز ضدهم بشتى طرق التضييق والعداء بحقهم، حتى صارت وباء خطيرا بحسب وصف تقرير صادر عن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الدين أو المعتقد، والذي أقر بأن الشك والتمييز والكراهية الصريحة تجاه المسلمين قد وصلت إلى أبعاد وبائية.
ولا شك في أن الإسلاموفوبيا تتعارض تماما مع حقيقة واقعية يدركها الذين هاجروا إلى الغرب خاصة أصحاب العقول والكفاءات العلمية هم من ساهم في نهضة الغرب الحديثة، واندمج معظمهم في المجتمعات الغربية، وصاروا جزءا من النسيج الاجتماعي بهذه الدول.
يزعم متبنو الإسلاموفوبيا، أن الثقافة الإسلامية تمثل تهديدا على القيم الغربية الخاصة بحرية الفرد، فأين الإيمان بهذه الحرية في حق المسلم في الحفاظ على معتقده الديني وثقافته الإسلامية، وبرزت دعوات قبول الآخر، ومعظم الشعوب والدول الإسلامية والمسلمين المهاجرين مارسوا قبول الآخر، غير أن الآخر الغربي يرفض قبول المسلم، فهل يعقل أن نقبل الآخر والآخر لا يقبلنا تحت مزاعم واهية وعنصرية فجة تنتصر للعرق الأبيض دون غيره؟!
إن كراهية الإسلام والمسلمين، والتي تجلت في مظاهر عديدة، ومنها حرق المصاحف أو الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، أو الاعتداءات على الأقليات المسلمة في الغرب من جانب الموتورين المتعصبين لأعراقهم الغربية قد ولد العداء تجاه الإسلام، واندفع بعض المسلمين للذود عن دينهم وثقافتهم برد فعل عنيف كما قوبلوا بالعنف وكراهية دينهم، فالعنف يولد العنف والكراهية تولد كراهية موازية، وهذه سنة كونية عبر عنها العلم الحديث، بمبدأ مهم وهو «لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه».
وأنا كرافضة للعنصرية اتجاه الإسلام أرفض أيضا التعنصر اتجاه أي ديانة أو قومية أو مجموعة أخرى.
والنتيجة أن كارهي الإسلام يتسببون في انتشار العداء والبغضاء والأحقاد بين بني البشر بما يقضي على جهود السلام والأمن الدوليين بمثل هذه الممارسات التي تهدم حق الإنسان في العيش بسلام وفق معتقده الديني وهويته.
إن كراهية الإسلام فتنة نائمة لعن الله من يوقظها، فهي مبعث هدم الحضارة الحديثة، التي تمجد العلم والتكنولوجيا، لكنها لم تمجد حق الإنسان في قناعته الدينية، والغريبة أن الدنيا لم تقم أو تقعد على الملحدين الذي ينتشرون كالنار في الهشيم بدعوى حقوق الإنسان، فأين حق الإنسان المسلم هو الآخر في الحفاظ على معتقده الديني؟!
وبالتالي إن تنامي موجات الكراهية للإسلام والمسلمين خاصة بالدول الغربية التي تتغنى بحقوق الإنسان يشكل خطورة على الأمن والسلم الدوليين، الأمر الذي يتطلب من منظمات حقوق الإنسان والهيئات الثقافية والتعليمية والإعلامية في العالم كله السعي الدؤوب لنشر ثقافة الاختلاف الديني، وإبراز حقيقة أن بعض العمليات الإرهابية التي نفذها بعض المسلمين لا تعني وصم الإسلام والمسلمين بالإرهاب. إن عمليات تشويه الإسلام سيدفع الكثيرين إلى العنف لوقف هذا التشويه كما شاهدنا في عمليات الدهس في أوروبا، ولن يتوقف العنف والعنف المقابل والمتبادل إلا بمعاقبة من يشوه الإسلام ورموزه، وليس تركهم بلا عقاب بدعوى حرية التعبير، فيجب عقابهم قانونيا بطريقة حضارية وسلميّة تعلمهم حرية التعبير والرأي والاعتقاد، كما يجب عقاب من ينفذ أعمال عنف.
وعلى المؤمنين بالسلام العالمي أن يبذلوا جهدهم في نشر ثقافة قبول الآخر ومواجهة حملات تشويه الإسلام بحملات موازية تبرز سماحة الإسلام ووسطيته، والدعوة إلى نبذ العنصرية ومحاربتها بشتى أشكال الدعاية بجانب الطرق القانونية، وعلى الإعلام الغربي أن يصحح نهجه في التوقف الفوري عن ربط الإرهاب بالإسلام والمسلمين. بينما تجب على المؤسسات الثقافية الدولية والعربية والإسلامية تقديم الثقافة الإسلامية علي وجهها الناصع البياض عبر تقديم رموزها من المبدعين والمفكرين والأدباء والعلماء وكيف استنارت أوروبا إبان عصور ظلامها بالعصور الوسطى من نور الثقافة الإسلامية.
وعلى المسلمين أنفسهم أن يثبتوا للعالم بسلوكهم وتعاملهم وحسن جوارهم وحسن أخلاقهم وحسن مشاركتهم في الحياة العامة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، أن يكونوا قدوة ونموذجا يحتذى به في القيم والمبادئ والأخلاق والآداب العامة، وأن يكون تعاملهم المتسامح السامي هو خير دليل وخير سفير وخير دفاع عنهم وعن صورتهم المشرفة بالعالم.
الراي