المقاول الأردني .. بين التحديات وفرص الإصلاح

هوا الأردن - د. عزام العطاونة
لطالما شكّل قطاع المقاولات إحدى ركائز الاقتصاد الوطني، ورافعة حقيقية للتنمية وخلق فرص العمل. إلا أن هذا القطاع الحيوي يمر اليوم بمرحلة من أصعب مراحله، نتيجة تراكمات من السياسات المرتبكة، والتنازلات غير المبررة عن الحقوق المكتسبة، والصمت الطويل على مظالم واضحة أرهقت كاهل المقاول الأردني.
خلال السنوات الماضية، شهدنا تغييبًا منهجيًا لصوت المقاول المحلي في المشاريع الكبرى، حيث أُسندت العقود إلى شركات أجنبية، تحت ذرائع غير مقنعة، دون اشتراط الشراكة مع المقاولين الأردنيين أو نقل الخبرات لهم. وبدل أن تكون هذه المشاريع فرصة لتطوير شركاتنا وتعزيز خبراتها، أصبحت سببًا في تراجعها وتهميشها، بل وتهديد بقائها في سوق بات مشبعًا ومختلًا.
أما على صعيد العقود، فقد تراجعت معايير العدالة والشفافية في صياغة شروط عقود المقاولة الموحدة، لا سيما ما يتعلق ببنود التحكيم والشروط الخاصة، التي باتت تميل بشكل واضح لصالح صاحب العمل على حساب المقاول. تحوّلت العقود إلى أدوات إذعان مجحفة، تجرّ المقاولين إلى خسارات قانونية لا تعكس ضعف الحجة، بل ظلم الصياغة.
وفي مظهر آخر من التراجع المؤسسي، تم فتح باب الترخيص العشوائي لمقاولين جدد دون دراسة واقعية لحجم السوق واحتياجاته، بدلًا من دعم وتشجيع اندماج الشركات القائمة، ورفع تصنيفها وتوسيع تخصصاتها. هذا الأمر ساهم في خلق منافسة غير عادلة، وأدى إلى تفاقم البطالة المقنّعة داخل القطاع.
لا تقتصر التحديات التي تواجه المقاول الأردني على نقص المشاريع أو العقود المجحفة، بل تمتد إلى عبء مالي متصاعد نتيجة الارتفاع المستمر في الكُلف التشغيلية والالتزامات الشهرية الثابتة، التي باتت تهدد استدامة عمل معظم الشركات.
ففي الوقت الذي يعاني فيه المقاول من تراجع حجم الأعمال وتأخر مستحقاته المالية، نجد أن الالتزامات تجاه المؤسسات الرسمية لا تتوقف، بل تزداد يومًا بعد يوم. من الضرائب التي تُفرض دون مراعاة لظروف السوق الحقيقية، إلى الاشتراكات المرتفعة لمؤسسة الضمان الاجتماعي، مرورًا برسوم التراخيص، والتأمينات، والفوائد البنكية المرهقة، والكلف الإدارية المتزايدة.
ويُضاف إلى ذلك نفقات التشغيل الثابتة، من أجور ورواتب، وصيانة المعدات، وكلف التأمين، والإيجارات، والالتزامات التعاقدية مع الشركاء، والتي لا يمكن تجميدها أو تخفيضها حتى في فترات الركود.
هذه المعادلة المختلة لا يمكن أن تستمر، لأن استمرار الضغط المالي بهذا الشكل لن يؤدي إلا إلى انهيار المزيد من الشركات وخسارة آلاف الوظائف، في وقت نحن فيه بأمسّ الحاجة لتحريك العجلة الاقتصادية.
الفرصة لا تزال قائمة
اليوم، يعاني المقاول الأردني من مديونية متصاعدة، وشحّ في المشاريع، وضعف في الحماية القانونية، وغياب لرؤية استراتيجية قادرة على إعادة القطاع إلى مساره الصحيح. ومع ذلك، فإننا لا نكتب لنرثي الواقع، بل لنؤكد أن هذه اللحظة ينبغي أن تكون نقطة تحوّل لا قاع انهيار.
لقد تم انتخاب المجلس الخامس والعشرون لنقابة المقاولين، وهي فرصة ذهبية لا يجوز التفريط بها. الفرصة متاحة لإعادة ترتيب البيت الداخلي، واستعادة هيبة المهنة، والدفاع عن حقوق المقاول بكل الوسائل المشروعة.
نطالب بخطوات عملية تبدأ بإعادة النظر في آليات التعاقد، وتنظيم سوق العمل، وتحصين المقاول الأردني قانونيًا واقتصاديًا، بدل الاكتفاء بالشعارات والخطابات الموسمية.
إن المقاول الأردني لا يطلب امتيازًا، بل عدالة. لا يبحث عن حماية زائفة، بل بيئة عمل منصفة تليق بكفاءته والتزامه. لقد آن الأوان لأن ننتقل من رصد التحديات إلى بناء الحلول، ومن الانتظار إلى الفعل.
التاريخ لا يُكتب بالكلمات، بل بالأفعال. والمجالس لا تُقاس بعدد اجتماعاتها، والتقاطها الصور مع أصحاب الدولة والمعالي بل بحجم إنجازاتها. فلنجعل من هذه الأزمة شرارة التغيير الذي نطمح إليه.
"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون."