الدور الأردني في غزة
جميع دول المنطقة التي تقدم مساعدات طبية وإغاثية للأشقاء المحاصرين في قطاع غزة، توظف هذه المساعدات لممارسة نفوذ سياسي في السياق الفلسطيني العام. وفي معظم الأحوال، تقدم هذه الدول المساعدات من خلال هيئات تابعة للتنظيمات السياسية المسيطرة في القطاع.
الأردن هو الاستثناء في حالة غزة. منذ العام 2009 أقامت القوات المسلحة الأردنية "الخدمات الطبية الملكية" مستشفى ميدانيا في غزة إثر العدوان الإسرائيلي الذي تعرض له القطاع في تلك الآونة.
تبدلت الأوضاع في غزة منذ ذلك الوقت، وسيطرت حركة حماس على مقاليد السلطة. وقف الأردن على الضد من خطوة حماس، وظل على موقفه المساند للسلطة الفلسطينية، ودخلت علاقته مع حماس في حالة مد وجزر طابعها العام تواصل في الحدود الدنيا.
لكن هذه التطورات لم تؤثر على دور الأردن الإنساني في القطاع. المستشفى الميداني وسع من نطاق خدماته، وأصبح من أهم المرافق الطبية في القطاع. خلال الأعوام العشرة الماضية، قدم المستشفى خدماته لمليونين ونصف المليون مراجع، وأجرى 40 ألف عملية جراحية وصرف 650 ألف وصفة علاجية، وفق تصريحات مدير الخدمات الطبية اللواء الطبيب معين الحباشنة لـ"الغد" يوم أمس.
ومع مرور الوقت، تحول المستشفى إلى محطة أردنية لاستقبال المساعدات التي ترسلها الهيئة الخيرية الهاشمية، وتوزيعها على المستحقين من أبناء قطاع غزة بالتعاون مع المنظمات التابعة للأمم المتحدة.
وفي مناسبات كالتي شهدناها بعد المجزرة الإسرائيلية الوحشية بحق غزة، لم يكتف المستشفى بتقديم الرعاية الطبية للجرحى في القطاع، إنما تولى نقل العشرات من الإصابات الحرجة إلى مدينة الحسين الطبية لتقديم أفضل خدمة علاجية ممكنة.
قطاع غزة في التوصيف الرسمي العربي ملف مصري، تتولى القاهرة متابعته سياسيا وأمنيا. وتعد القيادة المصرية المسؤولة عن إدارة الحوار بين الفصائل الفلسطينية وملف المصالحة الوطنية. دول عديدة في المنطقة؛ عربية وإقليمية، نافست مصر على هذا الدور وحاولت استغلال بند المساعدات الإنسانية للتأثير على مواقف الفصائل الفلسطينية المؤثرة في القطاع.
الأردن الوحيد من بين هذه الدول الذي نأى بدوره الإنساني عن السياسي. التزم باحترام دور مصر في القطاع ولم يحاول منافستها أبدا، مع أن بعض القوى هناك كانت مستعدة على الدوام لتوفير مظلة للدور الأردني، ومساحة للتحرك السياسي.
وللإنصاف، فإن حكومة حماس في غزة تعاملت بمهنية مع الدور الأردني، وأعطته المساحة الكافية للتحرك في المجال الإنساني من دون مضايقات، لا بل أشادت مرات عديدة بالخدمات الطبية الجليلة التي يقدمها المستشفى الأردني لأهالي غزة.
وما زاد من احترام الدور الأردني في غزة، أنه طوال هذه السنوات لم يسجل عليه ممارسة أي تدخل في الأوضاع السياسية الداخلية للقطاع أو توظيف خدماته الطبية والإنسانية لحساب طرف على آخر، فقد حرص على الوقوف على مسافة واحدة من الفصائل المتناحرة، وتوجيه الخدمة لعامة السكان للتخفيف عليهم من آثار الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة وحالة الحصار المزمنة.
الدور الأردني في غزة يترجم مبدأ أساسيا في السياسة الخارجية الأردنية، مفاده أن الأردن يبحث عن حلول لأزمات الأشقاء وليس لأدوار يلعبها، عادة ما تكون على حساب مصالحهم واستقرارهم.