الدوار
قبل بضعة أيام على حلول الذكرى الثانية والسبعين لاستقلال الأردن، وبالتزامن مع رفع أذان المغرب من ذلك اليوم ترجل جلالة الملك عبد الله الثاني من سيارته، وتوجه نحو مجموعة من رجال السير، وقد أنهكهم عناء ساعات الازدحام التي تسبق موعد الإفطار، وهم كذلك صائمون ينتظرون بفارغ الصبر اللحظة التي تبتل بها عروقهم.
في تلك اللحظة تقاسم الجميع "الملك ورجال السير" الماء مع قليل من التمر، وتبادلوا الأحاديث بصورة طبيعية، هي الصورة التي يعرفها الأردنيون منذ زمن الملك المؤسس عبد الله الأول، ومن بعده الملك طلال، فالحسين بن طلال طيب الله ثراهم، والتي يراها البعض حالة من التواضع الذي يتصف به الهاشميون، ويراه البعض الآخر إحدى سمات التوافق بين الشعب والنظام، يجري التعبير من خلالها عن المحبة والإخلاص المتبادلين.
وأيا كانت الطريقة التي ينظر بها المرء إلى تلك العلاقة المباشرة بين الملك وشعبه، وبينهما وبين أبنائهم في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، فذلك هو الأردن بطبيعة أهله ونظامه، المتصفة بالنبل والرفعة والطيبة، وكذلك بالمعاني العظيمة التي ورثها من مبادئ وقيم الثورة العربية الكبرى، التي تحضر دائما مع ذكرى الاستقلال، مثلما تحضر الأم في عيد ميلاد ابنها، لأن نشوء الكيان الأردني الهاشمي هو حصيلة الصراع المرير مع القوى ذاتها التي تواصل الآن حرمان الأمة العربية من حريتها واستقلالها ووحدتها القومية.
الهاشميون والأردنيون يعرفون الحكاية أكثر من غيرهم، ولذلك صاغوا معا مفهوما مختلفا للانتماء والولاء للدولة التي ما كان لها أن تتجاوز كل المحن والأزمات التي مرت بها لولا هذه العلاقة المتأصلة المتينة، مفهوما يقوم على أن المحافظة على الاستقلال يتطلب أعلى درجات الوعي والمثابرة من الشعب، وأعلى درجات الحكمة والحنكة والشجاعة من القائد، بما يحفظ مصالح الأردن العليا، ويحقق طموحاته المشروعة.
ربما لا يقف الأردن دائما على مفترق طرق بقدر ما يقف على "دوار بين طرق" فما أشبه دوار الصويلح في تلك اللحظة التي جمعت بين جلالة الملك ورجال السير، بالحالة الراهنة التي يمر فيها الأردن، وما أشبه المرور الآمن للملك إلى الدوار ومن الدوار، بثبات الأردن وهو يمضي آمنا وقويا في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، ويرسم طريقه الموصل لأهدافه، وسط تلك الاتجاهات المتشابكة والمتداخلة لطرق المنطقة المحيطة به من كل جانب.
دوار صويلح كشف بوضوح عن كلمة السر التي بها يفتح الأردن الطرق المغلقة، والأبواب الموصدة، وبها يصون نفسه ويحمي حماه ويقهر عداه.