من يدفع لتجذير ثقافة المحاصصة البغيضة
هوا الأردن -
هوا الأردن - تابعنا خلال اليومين الماضييين التفاعلات المصاحبة لمحاولة كتلة في مجلس النواب خلال مشاورات تشكيل الحكومة فرض منطق المحاصصة السياسية على طبيعة الفريق الوزاري القادم، ومما يثير في هذا التوجة ما يولده منطق المحاصصة من ندب قاتلة في خاصرة اي دولة وفي مستقبل اي شعب يسعى الى الاصلاح وتكريس الديمقراطية كمنهج حياة.
الكتلة المعنية اخطئت كثيرا في موقفها ومطلبها، عندما فرضت في حوراتها مع رئيس الحكومة منطق المحاصصة في دولة لها هوية وطنية راسخة لا تقبل القسمة على اثنين او ثلاثة، واخطئت كذلك عندما ذهبت مع اخرين للضغط من اجل التجنيس في دولة لها ولشعبها هوية نضالية ينبغي ان لا تشوه وان لا تحرف عن مسارها في محاولات ليس لها من تفسير الا التوطين ومغادرة الاوطان، وزرع مصادر القلق والتوجس من الاخر في رحم الشعب الواحد.
ما ينبغي ان يدركه متعهدي المحاصصة والمدافعين عنها بقصد او بغير قصد، انها داء ولم تحل في مجتمع الا وانهكته وضربت في اسس استقرار دولته، وانها لا يمكن ان تكون وسيلة للاصلاح او معبر عنه او طريقا لبناء نهج ديمقراطي سليم، لان الديمقراطية واداواتها ومؤسساتها تصبح عندها ليست اكثر من طريق لتقسيم الغنائم بين مجموعات متنازعة، او ان كانها تذهب نحو سحب البلد الى نوع من الديمقراطية التوافقية حيث تعيش وتنمو فيها فكرة المحاصصة، ونسيت ان مثل هذا النوع من الديمقراطيات قاتل ولا يقوم الا في الدول والنظم الهشة .
بالمقابل، فأنه لا يمكن النظر للمحاصصة من زاوية واحدة واتجاه واحد او عندما تعبر عن شكل سياسي، فنكون كمن تضع رأسها في الرمال، او كمن يرى الحقيقة وفق مقاساته، فهل يمكن ان تكون المحاصصة حكرا على نوع معين من المطالب ان تختصر بالمحاصصة السياسية، الم يسبق هؤلاء وانا ارفض مطلبهم، نواب اخرون طالبوا بمحاصصة سياسية اجتماعية، ثم اليست الكوتات في قانون الانتخاب تعبر عن شكل من اشكال المحاصصة، والانحياز الطبقي والفئوي في الوظائف وتقلد المناصب العامة والقبول في الجامعات والتعيين في بعضها الم يعبر في احد صورة عن محاصصة...الخ، اشكال المحاصصات التي نعرفها متعددة اجتماعيا واقتصاديا ومنفعيا، وعندما نرفض نوعا محددا فقط من المحاصصة اليس ذلك ايضا من قبيل المحاصصة؟.
اخشى ان تكون المحاصصة لدينا باتت تقترب من ان تكون ثقافة وسلوكا يوميا، وليست حكرا على جانب معين او مجالا بعينه، والادق ان لا تستثار غرائزنا تجاه المحاصصة فقط عندما تطرق من زاوية، اذ ينبغي ان ترفض المحاصصة في كافة اشكالها وصورها واساليبها وطرقها، لانها النقيض للعدالة والمواطنة.
في حالة كحالتنا وما تحملة من تشابك ديمغرافي وسياسي واجتماعي، الاصح ان نستمر على اساس بناء الدولة المدنية الحديثة القائمة على المواطنة والعدالة والتنوع وتكافؤ الفرص وقبول الاخر، وان نذهب باتجاه تشريع قانون للمواطنة، يحافظ على الهوية الوطنية الجامعة، ويرفد الهوية النضالية باسباب البقاء والحياة، ويوفر قوة دفع لبناء الدولة المدنية الحديثة بثقة، بحيث تنبذ كل اشكال المحاصصة ويجرم كل من يدفع نحوها بما يرقى الى جرم الخيانة العظمى.
لنتقي الله في بلدنا واهلنا، لقد ترك لنا من سبقنا عشرات السنين من الاستقرار والامن والنماء فماذا سنترك نحن لابنائنا في ظل هذه الثقافة البغيضة.