توثيق التاريخ الشفهي الأردني
هوا الأردن -
هوا الأردن - دول عظيمة زالت، وأمّم كثيرة بادت، وشعوب عديدة رحلت في أودية التاريخ، وحضارات العالم القديم يحكى عنها ولا يحكى فيها، ومع ذلك لا تزال لبعضها شواهد تدلّ عليها وتحفظ لها تاريخها، وانكب علماء التاريخ والآثار ينقّبون لمعرفة تاريخ الأمم، ذلك أن الزمن الذي عاشت فيه تلك الأمم والدول والحضارات لم تكن تملك مقومات التأريخ والأرشفة التي ينعم عالمنا بها اليوم، ومع هذا لا تجد اليوم دولة وشعبا يحترم ذاته وتاريخه إلا ويحافظ على هويته التاريخية عبر شواهد وآثار مبنية، أو كتبا تضم تاريخ أهل تلك البلاد.
أين نحن من هذا كله، إن كنا نفخر بالمدينة المنحوتة «بترا» والمدرج «اليوناني» لا الروماني كما يفهم البعض في وسط العاصمة عمان، وأعمدة «فيلادلفيا» شاهدة حضارة «عمون» المطلة على «سبيل الحوريات» المنسي الى جانب سوق الخضار المشهور، وبشوارع «جرش» والمدن السبع في الشمال الأغرّ، وفي قصر المشتى والخرّانة وعمرة في البادية الوسطى، ومثلها أم الجمال وغيرها في البادية الشمالية، ثم لا فضل لنا في وجودها، إلا إن الملك لله يؤتيه من يشاء، فآتانا الله هذه الأرض وكتب لنا الدولة والحدود بث فيها أجدادنا الذين حمّوا هذا التراب، وشارك الجميع في صنع تاريخ أردني خالص مضارع، أضاع جزءا منه البعض كهذا، كما يضيع دخان السجائر من بين شفاه نافثها.
صعقت حينما سمعت من شباب، أحدهم مهندس وخريج جديد والبقية خريجو جامعات، أن عمّان كانت تتبع القدس مثلا، وأن فلسطين كانت دولة قائمة بذاتها ولها إدارة حكومية ولا يعرفون كيف قامت دولة اسرائيل ومن أين جاء سكانها، يا للمصيبة! فيما اتصل بي أحد الأصدقاء ينقل لي بأسى أن مجموعة من الطلاب الجامعيين لا يعرفون عدد محافظات ومدن المملكة، ومنهم لا يعرف أين تقع مدينة الشوبك، فأسأل نفسي: هل الذنب ذنب هؤلاء الشباب الذي لا يعرف بعضهم اسم جده الخامس، أم ذنب المناهج الدراسية والبنية المنهجية للمدارس والجامعات أم ذنب سياسات الدولة أم الذنب ذنبنا جميعا.
سألت المهندس، وهو مقدسي، عن الحاج أمين الحسيني، فأجابني: مين هذا؟، تحدثت عن شخصيات فلسطين التاريخية وعن الحكومات الأردنية ورجالات عِظام، فاستمعوا بشغف على جهلٍ لكثير من المعلومات، وهم يسألونني مين سليمان النابلسي.. هزاع شو؟ أما وصفي التل فشكلت معلومة أنه كان قائدا في جيش الإنقاذ بفلسطين صاعقة جحظت لها أعينهم، فالرمز الأردني الخالد لا يزال متهما في نظر الأجيال التي لا تعرف تاريخ عائلاتهم، مع أنه بريء براءة الذئب من دم يوسف.
كثير من حقائق ووقائع التاريخ الأردني التي كانت متداولة لم تكتب ولم تتضمنها بطون الكتب، ومن عاصر التاريخ الجميل لهذا الوطن الحنون ورجالاته من الرعيل الأول والبناة الحقيقيين، لم يجد للأسف الجرأة في كتابة الوقائع كما هي، والحقائق دون أي تحريف أو تزييف لسبب أو لآخر، لخوف أو لطمع، ولاكت الألسنة العديد من زعامات البلاد الحقيقيين بدافع الحقد أو الحسد، لا أحد يريد أن ينقل الحقيقة أويوثقها، ولو نقلها عن ألسن الناس الثقاة كما هي لكفاه، ولكن امتلأت الحكاية التاريخية بالأكاذيب حينا، وبالتلميع والنفاق والمجاملة أحيانا كثر.
الشواهد الحضارية التي تذّكر ببطولات الجيل الأول من أبناء الدولة الأردنية وجنود وقادة الجيش للأسف زالت وكانها رمال طريق عصفت بها الريح، وأعمدة الإدارة المدنية والقضائية ورجالات العوائل وشيوخ العشائر والقبائل الضياغم الفياصل نقرأ عنهم أحيانا في كتب المستشرقين والرحالة الأجانب، فيما لا تجد ذكرا لأحد منهم في كتب التاريخ الوطني ولا على ألسن الجيل.. لذلك يجب جمع وتوثيق التاريخ الشفهي المحكي الأردني وإنصاف رجالاته الذين طمست إنجازات رجالاته لسبب أو لآخر، فيما طفت على السطح شخصيات كارتونية ينتهي ذكرها بانتهاء مهامها، ولا حظ للوطن فيها.
Royal430@hotmail.com