هل انقلب الأردن على حكومة المالكي
منذ الإعلان عن عقد مؤتمر للمعارضة السنية العراقية في عمان، برعاية أردنية رسمية حسب تأكيد مشاركين فيه، علق سياسيون بالقول إن الأردن ماكان ليقدم على هذه الخطوة لو كان لديه أدنى شك بحظوظ رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي بتشكيل الحكومة من جديد.
تعزز هذا التقدير بعد صدور البيان الختامي للمؤتمر الذي دعا صراحة لإقصاء المالكي من أية تشكيلة حكومية كشرط لمشاركة القوى السنية في العملية السياسية. لكن البيان الذي رفض فكرة إحياء"الصحوات" من جديد، خلا من أية إشارة تجاه تنظيم "داعش" الذي يسيطر على مناطق واسعة في العراق، وهو مادفع بأنصار المالكي وعديد القوى الشيعية في العراق إلى القول بأن المؤتمر كان خدمة مجانية لداعش، ودعما مباشرا لها.
الحكومة العراقية تتجه لتحميل الأردن المسؤولية عن المؤتمر ونتائجه، لهذا استدعت بغداد سفيرها في عمان للتشاور، في خطوة تعكس احتجاج حكومة المالكي وغضبها من استضافة الأردن للمؤتمر. وخلال اليومين الماضيين تبارت كتل وشخصيات نيابية عراقية في توجيه الانتقادات العنيفة للأردن ووصفه بناكر الجميل.
باختصار ما تم تحقيقه من تقدم في العلاقات بين الحكومتين بعد سنوات من الجفاء يكاد يتحطم من جديد.
هل كان الأردن يضع في الاعتبار رد فعل حكومة المالكي عندما وافق على استضافة المؤتمر؟
مثل هذا الأمر ليس تفصيلا يمكن أن يغيب عن ذهن الحكومة، ففي البال حزمة من المصالح المشتركة بين البلدين، أهمها مشروع أنبوب النفط من البصرة إلى العقبة، وما يمثله العراق من سوق رئيسي للبضائع والمحاصيل الزراعية الأردنية. أما بالنسبة لكمية النفط التي يقدمها العراق للأردن بأسعار تفضيلية والبالغة عشرين ألف برميل يوميا، فهى متوقفة منذ عدة أشهر بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة حسب ما أعلنت مصادر حكومية من قبل.
يمكن للبعض أن يقول بأن استضافة الأردن لمؤتمر المعارضين السنة ماهي إلا لمسة تضامن مع سنة العراق، خاصة أن كثيرين ممن شاركوا فيه يقيمون أصلا في الأردن. ويمكن تذكير القيادات الشيعية الغاضبة من مؤتمر عمان، بعشرات الاجتماعات التي استضافتها عمان للمعارضين لنظام صدام حسين، ومن بين من شاركوا فيها شخصيات تحتل مناصب متقدمة في العراق حاليا.
لقد كان الأردن، وفي السنوات الأخيرة من حكم نظام صدام حسين، محطة رئيسية للمعارضة العراقية، لابل غرفة عمليات لعديد الشخصيات المعارضة وجلهم من شيعة العراق.
لكن ذلك ليس كافيا للإجابة عن الأسئلة المطروحة، والسبب أن الأردن غيّر من سياساته تجاه جيرانه في السنوات الماضية؛ نأى بنفسه عن التدخل بشؤونهم، واتخذ مواقف متوازنة من الأطراف المتصارعة في دول الجوار. في العراق تحديدا بذل الأردن جهودا كبيرة لتحسين علاقاته مع حكومة المالكي، وقبل أشهر قليلة فقط كان رئيس الوزراء عبدالله النسور في بغداد لتسريع خطى التعاون الثنائي، فما الذي تغير كي ينقلب اليوم على المالكي؟
هناك بلا شك تطورات كبيرة في العراق تبرر مراجعة الموقف السياسي الأردني، لكن الحكومة كانت تقول حتى وقت قريب إن الصورة في العراق ضبابية، فهل أصبحت الصورة الآن من الوضوح بحيث تسمح للأردن استباق المتغيرات المتوقعة، بتعزيز العلاقة مع أطراف المعادلة الجديدة في العراق، أم أننا وبسبب الصورة الضبابية هذه صرنا نتخبط وسط الظلام؟