الانفصال اتجاه عالمي
ليس صحيحأً أن العولمة قربت الشعوب من بعضها البعض لدرجة الوحدة والتكامل، وأن وسائل الاتصال الحديثة حولت العالم إلى قرية واحدة، ذات حكم مركزي يتمثل في مجلس الأمن الدولي ومنظمات الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وما إلى ذلك من الهيئات الدولية التي تنازلت لها الدول عن جزء من سيادتها.
على العكس من ذلك هناك توجهات إنفصالية واضحة: كتالونيا تريد الانفصال عن إسبانيا، كويبك تريد الانفصال عن كندا، الأكراد يريدون الانفصال عن العراق، بل إن العرب الذين يتغنون بالوحدة كشعار يتمسكون بالانفصال كواقع.
في هذا المجال نشير إلى انفصال السودان عن شماله ، وانفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية، ومطالبة الجنوبيين بالانفصال عن اليمن الشمالي. وهناك عدة أقطار عربية مرشحة للانقسام والتشظي لدرجة أن البعض أخذ يترحم على اتفاق سايكس بيكو الذي لم يصل إلى هذا المدى من تجزئة وتمزيق الوطن العربي.
من أبرز عمليات الانفصال بوسائل ديمقراطية ما يطالب به القوميون الاسكتلنديون من الاستقلال عن المملكة المتحدة (بريطانيا)، بعد أكثر من 300 سنة من الوحدة. وقد تم الاتفاق على الاحتكام إلى الصناديق وإجراء استفتاء على الانفصال مقرر إجراؤه في 18 أيلول القادم.
في العـادة تكمن خلف الاتجاهات الانفصالية حوافز ومطامع اقتصادية، فالمناطق ذات الثروات الطبيعية ترغب في الانفصال لتستأثر بالثروة بدلاً من اقتسـامها على مستوى الوطن. والمعروف أن بترول الشمال يتبع اسكتلندا، والاعتقاد الشائع هناك أن الانفصال يعني تحسن في الوضع الاقتصادي للمواطن الاسكتلندي.
في هذا المجال يجري تطويع الاقتصاد لخدمة الاهداف السياسية، فالانفصاليون يؤكدون أن حصة الفرد الاسكتلندي سترتفع بمقدار ألف جنية سنوياً بعد الانفصال، في حين تؤكد الحكومة المركزية في لندن أن حصة الفرد الاسكتلندي ستنخفض في ظل الانفصال بمقدار 1500 جنية، وكل منهما يقدم دراسات وأرقاماً أعدها اقتصاديون (محترمون) يدّعون الحياد والموضوعية.
في المقابل تراجعت الاتجاهات الوحدوية بحيث لا نكاد نجد مثالاً نشير إليه سوى جزيرة القرم وشرق أوكرانيا الذي يفضل الاتحاد مع روسيا ولكن ليس قبل الانفصال عن أوكرانيا.