كيف تفهم الأحداث وتقيم؟
ثمة لبس وإشكاليات في فهم الأحداث وتقييمها في غزة، كما في سورية والعراق ومصر، وفيما سبق أن حدث من قبل ويحدث اليوم في كل مكان في العالم. ويؤدي ذلك، كما العادة، إلى نزاع واختلاف واتهام، وبغضاء وعداوة.
يبدو لي أن مردّ الحالة إلى الخلط بين الفهم والموقف. فالناس على اختلاف مواقفهم ومستوياتهم، يعتقدون من دون أن يلاحظوا، أن موقفك في التأييد والمعارضة، والحب والكراهية، يشكل فهمك وملاحظتك للأحداث وما يجري؛ فإذا كنت مؤيدا للمقاومة في غزة ورافضا للعدوان الإسرائيلي، فإنه ليس مسموحا لك أن ترى وتفكر في القوة والضعف لدى طرفي الصراع في المشهد القائم، ولا تستطيع أن تقول أو تكتب أو تتصرف إلا في التأييد لطرف والكراهية للطرف الآخر.. "ليس ثمة وقت للفلسفة والتنظير والتحليل والنقد"! تبدو خائنا مثبطا، وفي أحسن الأحوال متخاذلا ويائسا. وبالطبع، فإن المؤيد والمنفعل لفظيا وعاطفيا ونقاشيا في مديح المقاومة وكراهية إسرائيل يبدو بطلا ومقاوما. وينقسم الأصدقاء والزملاء والأقارب، وحتى العائلة الواحدة تتفرق وتتنازع. والأولاد الصغار يدفعون الثمن أيضا، فيُقحمون في النزاع، ويدفعون الثمن من ألعابهم وعيدياتهم وتسليتهم.
مؤكد في حالة الصراع العربي/ الفلسطيني/ الغزي مع إسرائيل أن جميع العرب والفلسطينيين يرفضون العدوان الإسرائيلي. ويعلم كل إسرائيلي أن العرب والفلسطينيين لا يرغبون في وجود إسرائيل، حتى عندما ينخرطون في تسوية سياسية قائمة على حدود 67. وليس سرا خافيا على الطرفين أنهما يديران تسوية وعلاقات ناتجة عن موازين الصراع ونتيجة الحروب بينهما، ولا علاقة لها برؤية أيديولوجية أو سياسية، وأنه في اللحظة التي تتغير فيها هذه الموازين والنتائج تتغير الخريطة القائمة. ولكنه أيضا فهم وتقدير يمتد إلى أي دولة أو قوة في العالم؛ إذ ليس ما يمنع تركيا أو إيران أو مصر أو العراق أو سورية من التوسع والامتداد على حساب الجيران سوى موازين الصراع والقوة والعلاقات الدولية والإقليمية. مصر تمددت جنوبا في وادي النيل، وظل حلم توحيد الوادي قائما حتى فترة سابقة قريبة، بحيث يمكن قراءته وملاحظته في الكتب والأدبيات المتداولة اليوم. حسن البنا، على سبيل المثال، في رسائله يقول إن مصر هي وادي النيل، وإن أي حكومة تتخلى عن وحدة وادي النيل حكومة خائنة. كما تمددت مصر شرقا واحتلت المشرق العربي برمته العام 1830، ولم ينسحب محمد علي طائعا مختارا. وبالمناسبة، فقد احتفظت مصر بسيناء منذ العام 1830، ولم تكن قبل ذلك جزءا منها. وتوغلت أيضا في جزيرة العرب. وقل الأمر نفسه عن تركيا عندما احتلت المشرق العربي العام 1516 ولم تنسحب منه مختارة ومتحيزة لاستقلال هذه الشعوب، وهي ما تزال تحتفظ حتى اليوم بدرة المدن العربية وحواضرها التاريخية الجميلة والعريقة، أنطاكية، وأورفا، وماردين، ونصيبين، وديار بكر. وكذلك الأمر بشأن إيران التي توسعت في الغرب والجنوب العربي، وما تزال تحتفظ حتى اليوم بأجزاء واسعة من مدن العرب وبلادهم. وقبل ذلك لم يقصر العرب في احتلال البلدان.
محاولة فهم ما يدور، وملاحظة المسائل كما هي، ليس خيانة ولا تفريطا، ولا يدعو إلى العداوة والكراهية. وفي المقابل، فإن رفض الحقائق والوقائع واعتبار ذلك يضر بالمقاومة، ليس بطولة ولا شهادة. الطرفان يعيشان في الأردن والضفة والناصرة والجليل وسائر البلاد العربية ويتحدثان ويناقشان.. ويؤيدان الحق الفلسطيني!