التعديلات الدستورية لا تعني رحيل الحكومة
يوم الأحد المقبل، سيقرّ مجلس النواب التعديلات الدستورية التي تقدمت بها الحكومة، بعد أن منحها المجلس صفة الاستعجال، واستفاض بمناقشتها في جلسة الثلاثاء الماضي. مجلس الأعيان بدوره لن يتأخر في إقرارها. وعليه، فمن المتوقع أن تصبح جاهزة بشكل نهائي مع نهاية الأسبوع المقبل.
سأل مراقبون: هل يمكن أن نشهد ولادة حكومة برلمانية، مطعمة حزبيا، بعد إقرار التعديلات الدستورية، كون ذلك الهدف كان المسوّغ السياسي لإجراء هذه التعديلات، وبهذه السرعة؟
أحد أهم الأسباب التي دفعت بأغلبية النواب إلى دعم التعديلات الدستورية، وتمريرها على وجه السرعة، هو طموحهم بتشكيل حكومات نيابية؛ لا بل إن العديدين منهم صاروا على قناعة بأن أول حكومة تخلف حكومة الدكتور عبدالله النسور ستكون نيابية خالصة.
سياق التطورات يعطي النواب الحق في التفكير على هذا النحو. ويغدو صعبا بجد أن يقبل النواب حكومة جديدة فيما تبقى من عمر مجلسهم، تخالف في تشكيلتها الموجبات التي استندت إليها وجبة التعديلات الدستورية الثانية.
لكن هذا الطموح يصطدم بتقييم رسمي لمجلس النواب الحالي، يرى أن التشكيلة الحالية للنواب، وتجربة الكتل النيابية، ما تزال متواضعة، ولا يمكن الوثوق بها لولوج عصر الحكومات البرلمانية الكاملة. صحيح أن مجلس النواب حقق قفزات إصلاحية تمثلت في تطوير نظامه الداخلي؛ بما يساعد في مأسسة الكتل النيابية ولجانه الدائمة، وتنظيم مناقشاته تحت القبة، بيد أن ذلك على أهميته ليس كافيا للقول إن مجلس النواب الحالي أصبح جاهزا لتسلم دفة السلطة التنفيذية.
إن عملية الإصلاح والانتقال إلى مرحلة الحكومات البرلمانية ترتبط في ذهن صاحب القرار بقانون جديد للانتخاب، تأجل طرحه إلى الدورة الأخيرة من عمر المجلس الحالي بضغط من النواب أنفسهم الذين تحسبوا من حل المجلس إذا ما أقر القانون في وقت مبكر.
مشروع قانون الانتخاب جاهز في أدراج الحكومة، ويتبنى نظاما انتخابيا جديدا يقوم على مبدأ التمثيل النسبي؛ المهم أنه تجاوز الصوت الواحد بصيغته الحالية.
ويعول أصحاب قرار أن يؤدي تطبيق هذا القانون في الانتخابات النيابية المقبلة إلى تحسين مخرجات العملية الانتخابية، ووصول نواب إلى قبة البرلمان يمثلون مختلف الأطياف السياسية والحزبية. وعندها، تكون الحكومات البرلمانية والحزبية تطورا في السياق الطبيعي، ونتيجة حتمية لعملية الإصلاح السياسي المتدرجة.
هذا التصور يعني ببساطة أن الحكومة الحالية ليست مرشحة للرحيل في وقت قريب، إذا لم تحدث ظروف طارئة تستوجب تغييرها قسرا؛ لأن أي توجه لتغييرها سيصطدم بطموح النواب، ويضع صاحب القرار أمام ضغوط نيابية لتكليف شخصية برلمانية بتشكيل الحكومة انسجاما مع فحوى التعديلات الدستورية الأخيرة.
كان هناك وضوح منذ البداية بأن الملك لم يعد مستعدا للمضي في نفس الأسلوب القديم لتشكيل الحكومات. وكرر في أكثر من مناسبة التزامه بعدم تغيير الحكومة طالما تحظى بثقة النواب، وصولا لتثبيت معادلة "نواب وحكومة لأربع سنوات".
التعديلات الدستورية الأخيرة تضفي شرعية أكبر على هذا النهج، وتجعل حكومة النسور حكومة الأمر الواقع مهما اختلفت الاجتهادات حولها.