الأردن .. عندما ترحب دولة عريقة بـ«الدولة»
لكي نتحدث بصراحة…لم يطلق تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا رغم إتساع رقعة تأثيره على الأرض وفي المعادلة الإقليمية تهديدا من أي نوع ضد الأردن حتى الآن لا على مستوى الأدبيات ولا على مستوى البيانات.
رغم ذلك يتوسع الرئيس الأمريكي باراك اوباما وبعده الإعلام الإسرائيلي في الحديث عن»تهديدات» حقيقية تطال الأردن تمثلها حركة «داعش» وتوابعها مع نمو واضح في التحليلات التي تحاول قراءة الحاضنة الإجتماعية المحتملة في الأردن للتعبيرات الجهادية من هذا النوع.
بالمنطق السياسي يمكن القول بأن تركيز الإدارة الأمريكية وتل أبيب وصحافتها على التهديدات التي تطال حليفا قويا بالمنطقة هو الأردن يقرأ سياسيا على أنه محاولة للمبالغة في تنمية مشاعر وعواطف الخوف والقلق عند الأردنيين لأغراض سياسية .
الغرض السياسي الأول الذي يخطر في الذهن عندما يتعلق الأمر بملف داعش في الأردن يتمثل في إحتمالية إنضمام الأردن للتحالف الدولي الجديد الذي يجري إعداده بدون تفاصيل وحيثيات حتى الآن مما يعني أن المبالغة في الحديث عن التهديدات هدفها في النهاية توطئة الرأي العام المحلي لدور مفترض أو محتمل وهو ما يمكن فهمه من الناطق الرسمي للحكومة الأردنية وهو يبلغ بأن الحكومة ستعلن عندما تقرر الإنضمام للتحالف.
إعلاميا وسياسيا يعتبر الأردن الرسمي نفسه في الإتجاه المعاكس مع كل التنظيمات الإسلامية المتشددة وعندما تعاظمت الحملة الدولية ضد تنظيم القاعدة كان الأردن في حالة «إشتباك» علنية ليس فقط داخل الأردن وكذلك خارجه .
حتى مؤسس فكرة داعش أبو مصعب الزرقاوي تميزت خصومته مع المؤسسة الأردنية الرسمية بالعلنية والوضوح .
في الماضي القريب تمكن المراقبون من تفهم إهتمام أدبيات الزرقاوي وبياناته ضد مؤسسة النظام في الأردن فالرجل أردني أصلا وسبق له ان سجن لسنوات في عمان وهو المسؤول عن إيفاد خلية الفنادق التي إرتكبت عملا إرهابيا في قلب عمان أوقع مئات الضحايا والشهداء.
لاحقا لتفجيرات فنادق عمان الشهيرة تصدى الأمن الأردني بحزم وكفاءة لمحاولات إختراق متعددة خطط لها الزرقاوي ورغم المكانة الرفيعة التي يحظى بها الأخير وسط جمهور وقادة وكوادر تنظيم الدولة الإسلامية إلا أن الأدبيات الواردة بعد التمكن في الموصل ودير الزور والرقة لم تتضمن إطلاقا الحديث عن الأردن بإعتباره هدفا في المرحلة القادمة لـ «الدولة» وهي قناعة يصادق عليها أصدقاء الدولة من الأردنيين.
رغم ذلك إستمر الأمريكيون والإسرائيليون في تسليط الضوء على تهديد محتمل للحليف الأردني في الوقت الذي إستعدت فيه الدولة الأردنية لكل الإحتمالات دون «مبالغة اوتهوين».
إجرائيا خفت حدة المطالبة بتقليم أظافر الأخوان المسلمين لكن سيناريو إضعافهم لا زال على قيد الحياة على الأقل في أذهان نخبة من كبار المسؤولين في حلقة واضحة المعالم تظهر قصورا في إدارة الملف.
وقد سمعنا من متعاطفين كبار مع الدولة الإسلامية بأن الأردن ليس هدفا لا بالمعنى الإقتصادي ولا بالمعنى الأمني والإستراتيجي وهو كلام بكل الأحوال لا يمكن إعتماده بدون تمحيص وإختبارات.
لا يعني ذلك بكل الأحوال عدم وجود خطر على الأردنيين ولا يعني مغادرة القلق والإسترخاء خصوصا إذا ما علقت عمان مجددا بين مشروع التطرف والتشدد المعلن في خارطة المنطقة وبين مشروع التحالف الدولي الجديد الذي لم يحدد بعد تفاصيل المواجهة.
مهما كانت التفاصيل، الأردنيون وبقية شعوب المنطقة عالقون والحذر دوما واجب وكذلك دراسة التفاصيل بدقة متناهية بدون عقلية المراهقة السياسية والمجازفات على حساب مصالح الأردن وفي أي إتجاه.
إشتباك الأردن مع قوى التطرف والإرهاب قديم ومن الواضح أن تقاطع الخيارات سيبقيه لكن السؤال الأهم في هذه المرحلة الحرجة في تاريخ المنطقة هل نحن في الأردن محصنون فعلا ؟… هل تكفي الإجراءات الأمنية لإبعاد الخطر؟..وهل بات من المناسب الوقوف فقط على محطة الإدعاء بأننا جاهزون رسميا للتعامل مع كل المعطيات.
نتفق مع رأي الدكتور عبدالله النسور بأن أي إجراءات «وقائية» ينبغي أن تشمل محطات «مجتمعية» أساسية نناقشها ونتحدث عنها بصراحة مطلقة وتستند إلى فكرة تعزيز نقاط القوة في الحالة الأردنية وتقليص أوراق ونقاط الضعف ومعالجة الثغرات.
عندما نتحدث عن «حواضن إجتماعية» ينبغي حرمان التطرف والتشدد بكل انواعه منها نتحدث ضمنيا عن الحاجة الملحة وطنيا لتطرف وتشدد في تعزيز مبادىء تسحب الذرائع من أيدي المتشددين أينما كانوا وبصرف النظرعن هويتهم.
بإختصار المقصد لا يمكن مواجهة التشدد والتطرف في الجوار بدون عدالة إجتماعية ووقف جذري لكل شبهات الفساد وتعزيز الشفافية والمصداقية والعودة للإصلاح الحقيقي مجددا بدون إستعداء جبهة في المجتمع على أخرى وكذلك بدون حقوق مكتسبة أو منقوصة.
ولا يمكن بالضرورة مواجهة التحديات التي تتطلبها المرحلة المقبلة بنفس الأدوات والبرامج والأساليب القديمة التي تنتج أصلا منذ اعوام العديد من الشروخ في بنية العلاقة بين الأردنيين ودولتهم ولا يمكن بالنتيجة التحدث بجدية عن الصمود في وجه أي تهديدات بإستمرار وجود ونفوذ الكثير من نخب الحكم والإدارة الموجودة حاليا والتي أختبرت لعقود وكانت سببا في كل المشكلات.
الدولة الأردنية ومع إحترامنا للجميع فيها بحاجة ملحة لرموز جديدة وخطاب أكثر صرامة ووضوحا يتمركز في المنطقة المخصصة لإظهار الإنسجام الغائب وبطبيعة الحال العودة لقواعد «اللعب النظيف» في إدارة العملية السياسية ووقف كل أنواع المخالفات والفساد وتزوير الإنتخابات لإحتواء «الإحتقان» الذي يمكن أن يتسلل منه متطرفون اومتشددون لا يمكن التفاهم معهم أو عقد الصفقات على طريقة الأخوان المسلمين.
دون «حاضنة «نخبوية تتميز بالمصداقية في الأداء والخطاب للحديث عن إصلاحات برامجية لا يمكن منع داعش وشقيقاتها من التغلل في وجدان الحاضنة الإجتماعية وسيصبح الأمر أقرب لدولة بالمعنى المألوف تفتح ذراعيها وترحب بدولة الشام والعراق.