ماذا بوسع الملك أن يفعل
هل يلجأ الملك مرة ثانية لممارسة حقه الدستوري برفض قانون التقاعد المدني، كما فعل قبل سنوات قليلة؟ المسألة ليست بهذه البساطة؛ فالقانون الحالي كان محصلة التصويت في جلسة مشتركة للأعيان والنواب، بعد أخذ ورد استمر أشهرا.
والوقوف في وجه إرادة الأغلبية في المجلسين قد يرتب تبعات تدفع ثمنها الحكومة. ثمة سلوك ماكر في تصرف النواب، يلخصه بعضهم بالقول؛ تمرير التعديلات الدستورية بسرعة مقابل قانون التقاعد. هل كانت عملية مقايضة بالفعل؟
لكن في المقابل هناك تداعيات لايمكن غضّ البصرعنها؛ ردة فعل شعبية قاسية ستهبط بشعبية النواب إلى الحضيض. لسان حال الناس يسأل باستنكار، لماذا لايتحمل النواب مثل باقي الشعب الظروف الاقتصادية الصعبة؟
تمرير القانون الذي يساوي بين تقاعد الوزراء والنواب ومنح امتيازات إضافية لعدد كبير منهم، حرك المعلمين من جديد، وقد يدفع بهم إلى الإضراب للمطالبة بعلاوة مالية أقنعهم النواب قبل الحكومة بأن وضع الموازنة الصعب لا يحتمل المزيد من النفقات.
لكنّ هذا العذر توارى تماما عندما تعلق الأمر بتقاعد النواب.
كيف للمعلمين وغيرهم من كادحي القطاع العام أن يصدقوا بعد اليوم أعذار الحكومة لعدم زيادة الرواتب؟!
لقد تصرفت أغلبية النواب وعديد الأعيان على نحو غير مسؤول، ووضعوا الدولة ومؤسساتها في موقف محرج أمام الشعب، في لحظة نحن فيها بأمسّ الحاجة لبناء جسور الثقة المفقودة لمواجهة متغيرات عاصفة من حولنا.
إنْ جاء رفض القانون من فوق، ستكون مؤسسة العرش والملك هما المستفيد شعبيا، سيتأكد للناس من جديد أنها ملاذهم الأخير في وجه تعسف السلطات، وممثلي الشعب أيضا. كان من الأفضل أن تأتي المبادرة من النواب أنفسهم، لأن ذلك يعزز من صدقيتهم ويحسن رصيدهم الشعبي، لكنهم فوتوا الفرصة، وقدموا المكاسب الشخصية على المصلحة العامة.
مجلس النواب الحالي مايزال في منتصف الطريق. سنتان وأكثر تفصلنا عن موعد الاستحقاق الإنتخابي، فترة ليست بالقصيرة أبدا، ولايمكن لمجلس نواب أن يقضيها بشعبية متدهورة. سيؤثر ذلك بشكل كبير على قدرته على الإنجاز، خاصة أن أمامه حزمة من التشريعات المهمة، يحتاج إقرارها إلى تفاعل حقيقي مع المكونات الوطنية لتحظى بأكبر قدر من التوافق.
الملك كان قد عاهد الشعب مرارا على أن مجلس النواب باقٍ طالما تمتع بثقة الناخبين، والحكومة باقية طالما تمتعت بثقة مجلس النواب، وقد ردد جلالته هذا الحديث على مسامع النواب تحت القبة، وفي اللقاءات مع الكتل النيابية.
ماذا بوسعه أن يفعل الآن وهو يرى شعبية المجلس النيابي تتدهور؟ الظروف الإقليمية والداخلية لا تساعد على التفكير بإجراء انتخابات نيابية مبكرة. وخريطة الطريق للإصلاحات لا تتضمن مرحلة كهذه. الخطة تقوم على إكمال مجلس النواب مدته الدستورية "أربع سنوات"، وإنجاز حزمة من التشريعات الأساسية من بينها قانون انتخاب جديد تجري على أساسه الانتخابات المقبلة عام2017 .
ليس في الوارد التفكير بمراجعة هذه الخطة، لكنّ مجلس النواب بسلوكه هذا قد يدفع إلى الطاولة كل الخيارات.
الملك ملتزم بحماية مصالح شعبه قبل مصالح النواب الشخصية، ويؤمن بأن رابط الثقة بينه وبين شعبه يتقدم على سواه من الاعتبارات. ليتذكر النواب؛ لقد حلّ الملك من قبل مجالس نيابية.