التاريخ يحضر في التحالف ضد داعش
يبدو أن التاريخ، يحضر من جديد مع اعلان التحالف الدولي لحرب داعش، فالمنطقة لم تكن تنسى التحالف الثلاثيني الذي قادته أميركا ضد العراق عام 1991 في عملية «عاصفة الصحراء» الأممية وبقيادة الولايات المتحدة وبثلاثين جيشاً، ثم كانت حرب العام 2004 وبقيادة الولايات المتحدة، وبمشاركة دولية، وكل هذه التحالفات لم تخلف إلا الخراب برغم أسبابها المختلف عليها بين مؤيد أو معارض. لكن، هل كان ثمة تحالفات شبيهة في التاريخ؟
في أعقاب أحداث الستين (1860م) والتي راح ضحيتها آلاف المسيحيين اللبنانيين ، وهي أحداث عصفت بجبل لبنان ووصلت دمشق وجنوبها، تحركت القوى الكبرى وعلى رأسها فرنسا، بحجة حماية المسيحيين الموارنة، مع أن الأحداث لم تكن إلا تعبيراً عن صراع العصبيات والقوى المحلية.
إذ ما لبثت أن أخذت طابع الصراع الإقليمي، وعرفت بأدبيات تلك الفترة باسم «صراع لبنان» والذي كانت أطرافه قوى الموارنة من جهة،والدروز والمسلمين من جهة أخرى.
هذا الصراع بدأ بسلسلة من الاضطرابات، توجتها ثورة الفلاحين الموارنة على الإقطاعيين وملاك الأراضي. فالأمر بدأ بثورة العاميات الفلاحية بشكل صراع بين فلاحين وملاك، وسرعان ما امتدّ إلى دمشق وحوران، فتغير طابعه، إذ بادر الدروز بالهجوم على الموارنة، ليبلغ عدد القتلى من المسيحيين من الارثوذكس والملكيين حوالي 20,000 قتيل، ودمرت أكثر من 300 قرية مسيحية و560 كنيسة.
لكن تلك الاحداث، وإن كانت محلية اقليمية، إلا أنها تذكرنا بما يحدث اليوم في المنطقة، في ظل ما يُصار إليه من تحالف دولي لحرب داعش التي ارعبت الناس وامتطت جواد الاسلام، وقتلت المسيحيين في العراق ودمرت المقامات وطاردت الأقليات من الأزيدين والشبك وغيرهم، في تهديد صارخ للسلم الاجتماعي، وها هو الغرب يبني تحالفاً مشابهاً لما حدث العام 1860م.
ففي ظرف زمني قصير ما أن وقعت أحداث العام 1860 حتى تشكل تحالف أوربي عسكري بقيادة فرنسا، التي كانت القوة العظمى التي تتنافس على المنطقة مع بريطانيا، ونجحت فرنسا آنذاك في جمع الدعم الغربي لحملتها التي تحولت إلى مبادرة دولية أطلقتها عدة دول منها النمسا واليونان وبريطانيا العظمى وفرنسا وپروسيا وروسيا، وقبلت الدولة العثمانية بها، وفي آب 1860 حط في مرفأ بيروت أكثر من أثني عشر ألف جندي نصفهم من فرنسا، التي استعادت بقيادة ناپليون الثالث، دورها القديم في حماية المسيحين في الدولة العثمانية، وقاد الحملة الجنرال بوفور دوتهول الذي خبر المنطقة منذ حروب فرنسا والدولة العثمانية ضد حملة ابراهيم باشا المصري.
وصف التدخل الفرنسي في سوريا على أنه أول تدخل إنساني. وهذا الوصف لا زال الغرب حتى اليوم، يدعيه، لكن الصراع الذي حاول الغرب وضد حد له، في القرن العشرين في حروب الخليج الثانية والثالثة وفي راهننا اليوم ضد داعش، كان في جزء كبير من صنع يديه، فداعش ليست بعيدة عن ذلك. لكن هل التحرك ضد داعش يمثل الطريق لخلاص المنطقة من الصراع المزمن في سوريا؟ ثم ألم يقتل بشار الأسد أنفساً بريئة أكثر من داعش؟
ولماذا الـتأخر في الحسم، وهل تردد أمريكا في وضع حدّ لبطش الأسد في سوريا هو الذي حفز داعش لقتل الناس، أم أن ثروات العراق ونفطه هي التي حركت أمريكا، فنفط سوريا لا يستحق كلفة إقلاع الطائرات الأمريكية من اجله؟ ثم ماهي صورة المنطقة بعد هذا التحالف وانهاء داعش، وما هي الشركات التي ستتولى تأمين آبار النفط بعد ثبات فشل الجيش العراقي الذي بنته أمريكا بآلاف المليارات؟
إنها لعبة امريكا، الجديدة، برغم ضرورة القضاء على داعش واخواتها؟