إنفاذ الديمقراطية وإنجاز التحول
حتى اليوم، يظل الحديث عن التحول الديمقراطي قابلاً للنقاش، والبحث عن أسباب التمكين والوصول للديمقراطية الناجزة، وفي طليعة النقاش تأتي أوراق الملك النقاشية، التي التزمت منذ أول ورقة وصولاً للورقة الخامسة أن تطرح الأفكار ،وتشير إلى مسائل متعددة في سبيل الإصلاح والتحول الديمقراطي والمواطنة الناجزة،والتي تعني مشاركة الجميع وبفاعلية لا تقبل التجزئة أو المطالبة بالحقوق باعتبارها مقدمة لازمة على الدولة لتتحقق المشاركة، دون أن يبذل المواطن في البدء واجباته وما هو أكثر منها في سبيل بلده.
الملك شخَص في خمس أوراق بعض المعيقات في وجه التحول الديمقراطي، وبموازاة ذلك تحدث عن المنجزات وما تحقق منها، وقال عن ألاوراق في كل مرة أنها تمثل رأياً أردنيا من ملك يتصرف في هذا الرأي كمواطن يراقب التحولات ويرصد التغيرات ويستدعي النماذج المشرقة من أعمال الشباب وتفاعلهم السياسي، وحزم التشريعات والإصلاحات، ويؤشر بنفس الوقت على السلبيات كي نخرج منها إلى سبيل الدولة الديمقراطية الناجزة وسط محيط مليء بالتوتر والحرائق التي قوضت أحلام الشعوب من الحرية والإصلاح، واوقعتهم في الانقسام والتذرر والفوضى.
لم يقل الملك أن الأردن خالي من العيوب، ولم يدع أن الديمقراطية أصبحت مسألة وطنية ينتدب الناس لأجلها خيرة أبنائهم، فثمة أخطاء وعيوب، لكن هناك أيضاً قصص نجاح وتقدم، وحالة الإصلاح التي ظل يشدد عليها لا تقصد أو تنشد الوصول السريع وغير المحسوب بدقة أو بدون وعي للحالة الإصلاحية المطلوبة التي ينادي بها الجميع وعنوانها العدالة والشفافية ودولة القانون والمشاركة السياسية الفاعلة، بل إن الإنجاز وإن كان ضئيلا أو بطيئا فإنه خير من كثير مستعجل.
الورقة الخامسة للملك خصصها للتحول الديمقراطي، وشروط انجاز التحول، والضمانات والشركات المطلوبة والأفكار التي نجحت من قبل الشباب واثمرت في مجتمعاتها، وهي تطرح الكثير من حقائق التحول التي أنجزت ومتطلباته الباقية، وعلى رأس هذه المتطلبات تفعيل مشاركة الشباب، ودفعهم للمشاركة في الحياة السياسية، ومن المهم أن نشير اليوم إلى أن ثمة ربع مليون طالب جامعي على مقاعد الدراسة، يواجهون تعليماً مغلقاً، ونمطاً متأخراً في كثير من أساليبه، وهو ما يؤثر مشاركة الشباب بعامة، وفي المقابل ثمة صور ناصعة وناجحة في التعليم الجامعي لكنها تتأثر سلباً بالجو العام للتعليم، أما التعليم المدرسي فهو أيضا ما زال ملتحفاً بثوب الماضي وغياب التفكير النقدي، وبرغم تطوير المنهاج قبل عقد ونصفـ إلا أن النتائج جاءت مخيبة للآمال، وها نحن امام حزمة تطوير جديدة لعل وعسى أن تحدث أثراً، فالتعليم يظل أولاً وأخيراً طريق التغيير الأكثر تأثيرا.
في محصلة النقاش، الذي يديره الملك في زياراته لدارات الأردنيين، ومؤسسات الدولة وفي كل ما يساهم به، ثمة إصرار على أن النسخة الجديدة للدولة بعد نحو مئة عام على قيامها يجب أن تشهد تحولات جذرية في التمثيل السياسي، والمشاركة والمسائلة والعدالة، وفي الحكم الدستوري الناجز ، هو ديدن الأردنيين منذ أن أسسوا مؤتمرهم الوطني الأول العام 1928م