الرأي والرأي الآخر وصكوك الوطنية
اختلاف وجهات النظر حول التحديات التي تواجه الأردن وسبل معالجتها، ينبغي أن يكون ظاهرة صحية؛ فمن غير المعقول أن يفكر الجميع بذات الطريقة، حتى وإن خدموا معا في الدولة الأردنية.
من حق، بل من واجب الجميع أن يدلوا بدلوهم بشأن ما يجري، وبخاصة من كان له شرف الخدمة في الدولة. ومن الطبيعي، بل والصحي في بلدنا، حيث لا تتشكل الحكومات من أحزاب لها برامج سياسية واقتصادية واضحة، وإنما من أشخاص فرادى، أن تكون هذه الاختلافات عميقة وحادة في العديد من الأحيان. كان هذا قدر الأردن منذ أن تشكل، وإلى أن يتحقق الأمل الذي ينادي به جلالة الملك، بالوصول إلى حكومات برلمانية لها برامج واضحة.
وقد مرت على البلد حكومات عديدة، ترأسها أشخاص لهم آراء واجتهادات تختلف جذريا عن بعضهم بعضا؛ فلم تكن لوصفي التل نفس النظرة التي كانت لبهجت التلهوني، وكان زيد الرفاعي ومضر بدران على طرفي نقيض، وقوبلت نظرة عبدالحميد شرف الاستشرافية بترشيد الاستهلاك بكثير من التهكم في حينه. كان الاختلاف مشروعا طالما أنه يجري ضمن حدود الدستور، وتحت مظلة جلالة الملك الجامع لكل الأردنيين والأردنيات بغض النظر عن آرائهم.
ولم نسمع أن أحدهم شكك في وطنية الآخر؛ فالأشخاص وإن خدموا في الدولة، ليسوا قطعانا من الغنم، بل لهم آراؤهم ومواقفهم واجتهاداتهم وسجلهم. والأصل أن توضع الآراء كافة على الطاولة؛ تمحص وتحلل بناء على الحقائق والأرقام، في إطار خدمة الوطن، مهما تكن الآراء مهادنة أو قاسية، مصيبة أو مخطئة، صريحة أو مواربة.
هناك نغمة مختلفة اليوم لدى البعض. إذ لا يتم مواجهة من يحمل فكرا مختلفا بالحجة المضادة، أو الأرقام المغايرة، أو الرؤية الأخرى، بل بالتهجم الشخصي والتشكيك في الوطنية، والعديد من الاتهامات المعلّبة. فيتم التركيز على الشخص دون الموضوع، ويختلط الحابل بالنابل، وينجر الناس إلى مهاترات شخصية عوضا عن مناقشة المواضيع التي تؤثر على حياتهم؛ أحيانا عن غير قصد، ومرارا عن سابق تصميم.
كلام بديهي؟ ليس في بلادي للأسف. لقد تعودنا احتكار الحقيقة وإنكارها عن الآخرين؛ فإن انتفت الحجة والمنطق، نلجأ إلى اغتيال الشخصية والتخوين والاتهامات، علها تغني عن الحجة المقابلة، والأرقام والتحليل العلمي. ومن أخطر ما يمكن الانزلاق إلى مثل هذه المهاترات، لأنها تحاول صرف النظر عن التحديات الحقيقية التي تواجه البلد، ولأن الناس مهتمون بالحلول التي تعالج مشاكلهم وليس بمن يهاجم من. أما الخائن والفاسد، فهناك قضاء يحاسبه. إضافة إلى أن شعبنا واع تماما، ويعرف من خدم بإخلاص ونظافة يد ورأي صريح، ومن لم يفعل.
لكن مسيرة الإصلاح مستمرة. والحمد لله أن في بلدي "لسه الأغاني ممكنة"، وأن البعض مثلي ما يزال يؤمن بحقه في قول رأيه، وحق الآخرين في فعل ذلك، بغض النظر عن درجة اتفاقهم أو اختلافهم، في ظل وعاء اسمه الأردن، من المؤمل أن يحتوي الجميع ويحتفي بهم، من دون توزيع صكوك الوطنية على الناس أو حجبها عنهم.