كتابة على الماء وأخرى على الرَّمل
قالها الشاعر الإنجليزي الرومانسي «كيتس» وأعاد صياغتها «بدر السيّاب» وهي: «كل ما يكتب هو سطور على الماء».
ثم أضاف الرحابنة من خلال «فيروز» كتابة أخرى على رمل الطريق. فهل أصبحت الكتابة بمختلف أشكالها ومستوياتها مجرد سطور على الماء أو الهواء أو الرمل؟
الإجابة يتولاها واقع لا مجال لتجاهله، ولو كانت القراءة الآن بخير لرأى الله أثر نعمته على عبيده من القرّاء!
وإذا احتكمنا إلى ما تقوله تقارير التنمية البشرية في كل عام فإن نصيبنا نحن العرب من القراءة يشعرنا بالجرح والخجل، وقد تمددت العدوى إلى من يكتبون أيضاً، فهم لا يقرأون أحياناً غير أنفسهم هذا إذا كان لديهم الوقت والجلد لذلك.
وما يجري الآن في عالمنا العربي سبق أن قرع الأجراس للتحذير من وقوعه مثقفون ومفكرون عاشوا وماتوا في عزلة موحشة، ومن يرددون اليوم أسماء من طراز «برنارد لويس» و»برنارد ليفي» وغيرهما كانوا قبل عشرين عاماً يسخرون ممن يكتبون عن هؤلاء، والبعض كان يتصور -بفضل فائض الجهل بالذات والآخر- أن تلك الكتابات هي محض استعراض معرفي.
والسؤال الآن -بلا أية مواربة- هو: ما الذي سيفيد المريض من الوصفات العلاجية التي كتبت له أثناء مرضه بعد أن مات وشبع موتاً؟
وليتصور القارئ الكريم أن ما حدث في العالم العربي من تفكيك جيوش وتدمير دول نشرت مقدماته قبل أكثر من ربع قرن ومنها للمثال فقط ما كتبه نائب وزير الدفاع الأمريكي «وولفوتيس» عن إسقاط دول في مقدمتها العراق. ومنذ أن دخل الاستشراق إلى المرحلة العسكرية أصبح الجنرال هو المستشرق الجديد، حيث لا حاجة إلى أمثال نيبور وإدوارد لين وطومسون وأمثالهم لتقديم تقارير عن اليمن ومصر وبلاد الشام.
وقد لا يعرف البعض ممن سخروا من القراءة واعتبروها مضيعة للوقت أن الحروب الطائفية في العالم العربي صدر قبل عشرين عاماً من اندلاعها أطلس وضعه «تيدجار» عن الأقليات.
وحظي السنة والشيعة بفصل من الكتاب والموسوعة لم تحظ بها أقليات أخرى عديدة في آسيا وإفريقيا.
إن كوننا أمَّة لا تقرأ لم يعد مجرد شائعة أو عبارة مُغْرِضَة قالها ذات يوم «موشي دايان»، فالذي يقول ذلك الآن تقارير يكتبها أو يترجمها باحثون عرب، وهنا نكتفي بسؤال واحد وعاجل هو: لماذا لا يقرأ ثلث مليار عربي غير مئات أو عشرات النسخ من الكتاب الواحد؟!