إن لم تأكله سينالك غباره
هوا الأردن - إبراهيم الرمضان
في الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (ليأتين على الناس زمان لا يبقى منهم أحد إلا أكل الربا، فإن لم يأكله أصابه من غباره). وها نحن نرى ذلك في زماننا من خلال معاملاتنا المصرفية التي تمارسها بعض البنوك الإسلامية والدليل على ذلك ما يلي:
" نفتخر بأن نقدّم لك التمويل الشخصي المتوافق بالكامل مع أحكام الشريعة الإسلامية بأقل من 30 دقيقة !!!! نعم 30 دقيقة، هو الوقت الذي تحتاجه لتلبية احتياجاتك المالية. فسواء كنت تود تجديد أثاث منزلك، أو تسديد رسوم تعليم أبنائك، أو تحقيق حلم الزواج، أو التغلب على الصعوبات المالية عبر إجراءات سهلة وميسّرة... كل ما عليك القيام به هو تعبئة نموذج الطلب بدقائق معدودة، ليتم الموافقة والتوقيع على طلبك " .
هذه العبارة تستخدمها بعض المصارف الإسلامية، حيث أنها تدعو الناس وبثقة عالية إلى اللجوء إليها للحصول على التمويل الذي يريدونه وبوقت خيالي !!!! عن طريق منتج يسمونه تمويل شخصي إلا انه في واقع الفقه الإسلامي يسمى بالتورق المصرفي !!!! ولكن السؤال هنا هل هذه الأداة فعلاً وكما هو مكتوب متوافقة مع احكام الشريعة الإسلامية؟ للإجابة على هذا السؤال لا بد لنا من إلقاء النظر على رأي الفقه الإسلامي في هذه الأداة.
للتورق نوعان هما التورق المصرفي والتورق الفقهي، والفرق بينهما أن التورق الفقهي يحقق حاجة السيولة النقدية للمتورق، وهي حاجة جائزة كما ذهب لذلك الأغلبية، ولكن البنك في التورق المصرفي إنما يدخل في تيسير عملية التورق فقط بحاجة تنمية أمواله، فهو يريد أن يحقق عوائد على رأسماله، وشراؤه للسلعة نقدا لكي يبيعها بالأجل. والتورق الفقهي المشروع ببساطة هو قيام عميل البنك المشتري بالمرابحة أن يبيع السلعة إذا احتاج للنقد، مع العلم بأن البنك في عمليات المرابحة إنما يحقق مقصداً شرعياً مقبولاً وهو التيسير على العملاء للحصول على السلع التي لا يستطيعون دفع ثمنها نقداً، فيشتريها ويبيعها لهم بالمرابحة ويحقق أرباحاً مشروعة من هذا التداول المفيد للسلع، أما أن يتدخل البنك ليتاجر بحاجة الناس للسيولة ويحقق عوائد له عبر آليات شكلية وهمية فهذا هو الذي يكون محل نظر، خاصة وأن مقصد البنك في عمليات التورق هو ليس التوسط الاستثماري لمساعدة العملاء في الحصول على السلع وإنما مقصده الأساسي هو توفير السيولة النقدية لهم وتحقيق المكاسب من خلال ذلك، فشتان ما بينهما.
وقد قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة التي بدأت يوم السبت 11 رجب 1419 هـ الموافق 31 /10 / 1998م في موضوع حكم بيع التورق أن بيع التورق هو شراء سلعة في حوزة البائع وملكه، بثمن مؤجل، ثم يبيعها المشتري بنقد لغير البائع، للحصول على النقد (الورق). لذا فإن بيع التورق هذا جائز شرعاً، وبه قال جمهور العلماء، لأن الأصل في البيوع الإباحة، لقول الله تعالى: "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا" [البقرة : 275 ]، ولم يظهر في هذا البيع رباً لا قصداً ولا صورة، ولأن الحاجة داعية إلى ذلك لقضاء دين، أو زواج أو غيرهما. ولكن جواز هذا البيع مشروط، بأن لا يبيع المشتري السلعة بثمن أقل مما اشتراها به على بائعها الأول، لا مباشرة ولا بالواسطة، فإن فعل فقد وقعا في بيع العينة، المحرم شرعاً، لاشتماله على حيلة الربا فصار عقداً محرماً.
أما بخصوص التورق المصرفي فقد جاء رأي مجمع الفقه الإسلامي بأنه محل خلاف بين العلماء، وقد جاء القرار الجديد من المجمع الفقهي الإسلامي ليس ناسخاً للقرار السابق في التورق الفقهي المشروع، وإنما تحذيراً وتنبيهاً للمصارف من استغلال هذه المعاملة في غير وجهها الشرعي، وتبين للمجلس أن التورق الذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر وهو قيام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة ( ليست من الذهب أو الفضة) من أسواق السلع العالمية أو غيرها، على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف - إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة - بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق. وبعد النظر والدراسة، قرر مجلس المجمع الفقهي بعدم جواز التورق الذي سبق توصيفه في التمهيد وذلك لكون أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر أو ترتيب من يشترطها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعاً، سواء أكان الالتزام مشروطاً صراحة أم بحكم العرف والعادة المتبعة، وأن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة.
كما أن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة لما سمي بالمستورق فيها من المصرف في معاملات البيع والشراء التي تجري منه والتي هي صورية في معظم أحوالها، هدف البنك من إجرائها أن تعود عليه بزيادة على ما قدم من تمويل.. وهذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء، وقد سبق للمجمع في دورته الخامسة عشرة أن قال بجوازه بمعاملات حقيقية وشروط محددة بينها قراره.. وذلك لما بينهما من فروق عديدة فصلت القول فيها البحوث المقدمة.. فالتورق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل تدخل في ملك المشتري ويقبضها قبضاً حقيقياً وتقع في ضمانه، ثم يقوم ببيعها هو بثمن حال لحاجته إليه، قد يتمكن من الحصول عليه وقد لا يتمكن، والفرق بين الثمنين الآجل والحال لا يدخل في ملك المصرف الذي طرأ على المعاملة لغرض تبرير الحصول على زيادة لما قدم من تمويل لهذا الشخص بمعاملات صورية في معظم أحوالها، وهذا لا يتوافر في المعاملة المبينة التي تجريها بعض المصارف .
وأخيراً وبعد ما بيناه هل ستبقى بعض البنوك الإسلامية مصرة على تعاملها بهذه الأداة أم أن الربح المتأتي أصبح يعمي الأبصار ويصدئ القلوب؟؟؟ حيث على المسلمين أن يحذروا من التعامل بهذه الأداة والابتعاد عنها قدر المستطاع، لتجنب الوقوع في المعاملات المحرمة امتثالا لأمر الله تعالى، والعمل بما شرع الله سبحانه وتعالى. كما على البنوك الإسلامية ممن يتعاملوا بهذه الأداة أن يتقوا الله عز وجل بما يقدموه من منتجات مالية، واستغلال النزعة الدينية عند عملائهم لتسويق ذلك. وعليها أن تستخدم المعاملات الحقيقية المشروعة دون اللجوء إلى معاملات صورية تؤول إلى كونها تمويلاً محضاً بزيادة ترجع إلى الممول.
وفي الختام أدعو أصحاب القرار بإيجاد مكاتب رقابة شرعية مستقلة عن المصارف الإسلامية، بحيث لا تخضع لها، وان يكون ذلك بشكل إلزامي من قبل البنك المركزي في الدولة ليعطي مصداقية أكثر للبنوك التي تقدم منتجات مصرفية إسلامية، علما بأننا بحاجة إلى المالية الإسلامية مع النمو المتواصل لصناعتها.وتهدف هذه المكاتب إلى بيان المعاملات والأنشطة الحلال التي تقام بالمصرف وإقرارها، وبيان المعاملات والأنشطة الحرام، أو التي فيها شبه شرعية مانعة من تداولها، وذلك لاجتنابها أو الانتهاء منها إن كانت قائمة، وإيجاد البديل الشرعي لها، بالإضافة إلى القيام بدور الرقابة نيابة عن المودعين في المصارف.