الموالاة والمعارضة وجهان لعملة واحدة
في المجتمعات الديموقراطية المتقدمة يتم تدوال السلطة سلميا بين القوى السياسية والاجتماعية المختلفة عبر انتخابات حرة وديموقراطية يشارك فيها من يرغب من الشعب.
القوة السياسية الفائزة في الانتخابات تمارس الحكم والقوى السياسية الاخرى التي لم يحالفها الحظ تجلس في مقاعد المعارضة .. تراقب اداء الحكم وتساعد وتصحح وتقترح وتعترض على الشكل الذي تمارس من خلالة عملية ادارة الدولة، وكل ذلك يتم لخدمة المصلحة العامة.
لا يجد المراقب لهذه الممارسات الديموقراطية في هذه المجتمعات اية ميول لدى السياسيين لاستخدام الموقع العام سواء في السلطة او المعارضة لتحقيق مكاسب شخصية او فئوية.. الجميع يتفانى في العمل لخدمة الدولة والمجتمع.
لدينا بالمقابل لا يوجد تداول سلمي ديمقراطي حقيقي للسلطة، فتتكون مع الزمن مراكز قوى اجتماعية وسياسية تسعى لملئ الفراغ الناتج عن غياب الممارسات الديمقراطية الحقيقية لتلك العملية.
فتسعى تلك القوى لاستقطاب الاشخاص ليكونوا ارقاما ضمن دائرة التأثير الذي يهتم عادة بالكم وليس الكيف.
في هذه الحالة تصبح الحكومة المخولة دستوريا بالادارة الرشيدة للدولة مجرد سلطة تتنازعها مراكز القوى المختلفة، فتصبح الحكومة بالتالي ليست سلطة حقيقية تدير شؤون البلاد وتسعى لتعظيم انتاجية الموارد في المجتمع ، وتصبح المعارضة ليست معارضة فعلية بل معارضة "وقتية" تزول بمجرد ان يتم تحقيق المآرب الشخصية لقياداتها، وهي بالطبع مآرب تحقق مصالح شخصية وليست مصالح وطنية ترتبط بإطار ديمقراطي جامع.
في ظل هذه المعادلة، وفي ظل غياب الرابط الاستراتيجي بين القوى السياسية والمصالح العليا للمجتمع يصبح من الطبيعي ان ينتقل شخص ما من موقع السلطة الى موقع المعارضة او بالعكس.
فالكثير من رجالات الحكم لدينا يصطفون في صفوف المعارضة بمجرد تركهم للمنصب الحكومي فتشاهدهم في المناسبات العامة كالعزاء او الافراح او في صالوناتهم الخاصة او المحاضرات التي يلقونها في المؤسسات الثقافية الو الجامعات يتصدرون المجالس ويوجهون النقد المباشر والصريح للسلطة القائمة حاليا، التي عادة ما يصفونها بأنها سلطة لم تعد تمتلك الفاعلية المطلوبة بعد ان خرجوا منها.
وفي ظل هذه المعادلة ايضا، تجد اشخاصا كانوا مرتفعي الصوت في المعارضة "الواهية" ينتقلون الى الموالآة ويشبعون حلفاءهم القدامى في المعارضة شتما وانتقادا.
اذن في غياب العملية الديمقراطية الحقيقية ستظل عملية الانشقاق دائمة الحدوث على طرفي المعادلة ولن تنتهي دون توفر افق واضح للخروج بالبلاد الى آفاق ديمقراطية جديد تساعد في الوصول الى مستقبل افضل للجميع.