الكوتا النسائية ...ما هو المطلوب
ليس مهما تلك الأرقام التي خرجت بها دراسة " جراسا " حول اتجاه المواطن الأردني نحو الكوتا النسائية ، حيث أشار الاستفتاء الى أن 68 % من الذين شاركوا في الأستفتاء اكدوا رفضهم بقاء الكوتاالنسائية ، فيما أيدها 27 % ،وامتنع 5% عن الادلاء برأيهم ، فموضوع الأرقام يتبدل واتجاهات الناس تتغير وفقا لمعطيات آنية وليس وفقا لاستراتيجية او موقفا دائما حيال مشاركة المرأة في المؤسسات الوطنية .
الواضح هنا ، أن هناك ظروفا "استثنائية " لعبت في تغيير اتجاه الناس نحو الكوتا وهي التي غيّرت نتيجة هذا الاستفتاء بعد أن كانت الدراسات السابقة تشير الى ان نسبة المؤيدين للكوتا كانت اكثر من 55 % من الجمهور في وقت كانت " سيدات "الكوتا النسائية يثبتن قدرة هائلة على العطاء واتخاذ مواقف " رجولية " حيال العديد من التحديات التي واجهت المجلس وخاصة منها اول مشاركة للكوتا في البرلمان عام 2003 ، حيث كان أداء السيدات في المجلس جيدا تجاوز اداء الغالبية في المجلس وكان يلقى الترحاب والتقدير من قبل الجمهور ، وان الثبات في المواقف " النسائية " كان فوق الجيد جدا حينها ، فيما بدأت نساء الكوتا في البرلمان الحالي أكثر تنقلا من كتلة الى كتلة ، وبانت كثير من المواقف " الانتهازية " المراوغة غير الثابتة على أداء البعض منهن سعيا لتحقيق مآرب ومكاسب على حساب الوطن أحيانا ،وكان لمشاركتهن في المطالبات برواتب التقاعد المجزية وانحيازهن لمبادرات اغضبت الجمهور ومنح الغالبية منهن " الثقة " لحكومة رفع الأسعار وغيرها ،كلها قد لعبت دورا كبيرا في انخفاض اتجاه البعض نحو بقائهن في المجلس ،إذ كان الجمهور ينتظر أن يكون موقفهن مميزا عن بقية الأعضاء .
يبدو أن لموضوع " الخلاف " والمشادة التي جرت بين النواب حول الكوتا دورا واضحا في تحديد البعض موقفه من الكوتا ، فالصراخ والاستعراض و " الحرد " النسائي لم يكن موقفا سياسيا مسئولا ، بل ردات فعل غاضبة حيال النائب الذي اعلن رفضه للكوتا ، وكان يمكن لنساء الكوتا أن يتخذن موقف أكثر انضباطا ومرونة ووعي ،وكان يمكن الرد على النائب الذي أثار موقفه السلبي من القوميين ردة فعل أكثر حضارية وانضباطا بعيدا عن السب والشتم والصراخ .
عوامل كثيرة لعبت في نتائج هذه الدراسة ، وعوامل أكبر كانت تلعب هي الأخرى دورا في انخفاض دافعية الناس نحو الكوتا ، فالمراه لم تمنح الوقت الكافي ولا التحد المناسب لتثبت قدرتها على العطاء والتميز ، فالعقلية التي ترفض الكوتا اجمالا تستند الى مخزون كبير وعميق من إرث اجتماعي قبلي وحتى " ديني " كان يقيّد المرأة ويحول دون خروجها للعمل واثبات قدرتها وتميزها ، وهذا ما استند عليه النائب بذكره الآية الكريمة :وقرن في بيوتكن .. وحديث النبي عليه السلام أن صلاة المراة في بيتها خير من صلاتها في مسجد النبي عليه السلام ! بالرغم أن الله سبحانه وتعالى لم يشير بهذا ، ولم يقدم عليه النبي عليه السلام ولا السلف الصالح ، بل كان للمرأة دورا عظيما في إرساء وبناء المجتمع الإسلامي ،ولم تكن تلك الضوابط التي أحاطت بالمرأه مستندة الى الشرع ،بقدر ما استندت الى الإرث الثقافي والاجتماعي القبلي لمجتعاتنا العربية .
إرث ثقافي واجتماعي " متخلف " منحاز للذكورية ، وعدم ثقة بقدرة المرأة على الاداء والتميز ، كل هذا يتطلب مضاعفة اعداد النساء اللواتي يتصدرن القوائم في الكوتا ، وتعديل جملة من القوانين التي " تفرض " أن تكون نسبة المرأة في المجلس في حدها الأدنى 30 % لفترة من الزمن حتى يقنع الناس بقدرتها وتميزها ، ويستطيعون منحها الثقة والدعم لتمثيلهم في كل السلطات وليس في التشريعية منها فقط ، وأن ما يشاع وينشر أن أعداء الإسلام وجدوا ضالتهم في غزو المسلمين في عقر دارهم ، وإفساد عقائدهم وأخلاقهممن خلال المرأة لم ينجح هذا مع المرأة بقدر ما نجح مع الرجال ، وما نتائج ما يجري من تراجع القيم وتدني الاخلاق لدى "الرجال " يثبت أن كل مشاريع " الغرب " التي تحدث البعض عنها نجحت مع الرجال ولم تنجح مع النساء ، وخير دليل أن صوت المرأة في غالبية المؤسسات النقابية والعمالية والبرلمان والبلديات في غالبية دول العرب والمسلمين هي التي تحدد اتجاه تلك المؤسسات ،حيث كان للصوت الإسلامي القوي المستند لصوت المرأة دورا كبيرا في وصول الاسلاميين الى تلك المواقع ، وبالتالي كانت الأنظمة السياسية " تبارك " تلك الثقافة التي تطالب بحبس المرأة ومنع خروجها كي لا تقوى وحدة الناس وتتوحد باتجاه التغيير المطلوب ، ناهيك عن مخرجات عملها التي تشير الى تفوقها وتميزها عن مخرجات الرجال في العديد من المهن والوظائف وخاصة منها التعليم .
الأمر يحتاج لمزيد من الوعي والتمكين، وكذلك الدفع باتجاه مزيد من تشريعات وقوانين تمنح المرأة الفرصة كي تثبت مقدرتها وتميزها بعيدا عن " الاصوات " والعقليات التي تريد حبسها ومنعها من الخروج ،إذ لا يعقل أن نقوم بتجميد قدرات انتاج نصف المجتمع لحسابات ثقافية متخلفة .